التناقض في السياسة الخارجية للرئيس أوباما

في تطرّقه المقتضب للشؤون الدولية في إطار خطاب “حالة الاتحاد” الذي ألقاه يوم الثلاثاء، أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشكل رئيسي عن أمرَين حول سياسته الخارجية: كونها غير تفاعلية، وغير أحادية البعد. إلا أن الخطاب كان عبارة عن نقد غير متعمد للذات أكثر من كونه دفاعاً عن الذات كما كانت نية الرئيس. ولا يمكن الإنكار أن المبدئين محقان، ولكن الإدارة الأمريكية لم تمارسهما؛ وللمفارقة، يشكل هذان المبدءان اثنين من العيوب الرئيسية في الطريقة التي تعاملت فيها الولايات المتحدة مؤخراً مع الشؤون الخارجية.

وليس هناك إشارة أكثر وضوحاً حول الطبيعة التفاعلية للسياسة الخارجية الأمريكية أكثر من شبه غياب موضوع “إعادة التوازن” إلى آسيا عن الخطاب – وهو الموضوع الذي يشكل المحور المركزي المقصود من السياسة الخارجية للرئيس أوباما – أو شبه غياب أولويات أخرى ظهرت في بداية ولاية الرئيس مثل السلام الإسرائيلي الفلسطيني أو تحسين العلاقات مع روسيا.

وعوضاً عن ذلك، كانت سياسات الإدارة الأمريكية في الخارج تمليها الأحداث، حيث فشلت الإدارة في توقعها أو اختارت تجاهلها. على سبيل المثال، جاءت الانتفاضات العربية في أعقاب التخفيف من حملات الإصلاح الاقتصادي والسياسي كأولويات بالنسبة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط؛ كما أن الأزمة الأوكرانية تلت تقييماً غير واقعياً للأولويات والنوايا الروسية؛ أما انتشار تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») والإجراءات اللاحقة التي اتخذتها الولايات المتحدة لوقفه فقد أتت بعد سنوات من عدم التحرك في سوريا والإجهاد في العراق.

ويقيناً، أنها ليست عبارة عن علاقات سبب وتأثير، ولكنها مع ذلك تعكس نقصاً في التخطيط الاستراتيجي وميلاً متزايداً إلى النظر إلى الشؤون الخارجية أولاً من خلال عدسة السياسة الداخلية الأمريكية بدلاً من تحليل الحقائق وكيفية تأثيرها على المصالح الأمريكية. لذا يشكل التركيز بشكل أكبر على استباق الصراعات والأزمات ومنعها – بدلاً من التخبط للتخفيف منها بمجرد بدئها – أمراً بالغ الأهمية إذا أرادت واشنطن التخطيط لمسار أكثر ثباتاً وتجنب سياسة خارجية تفاعلية حقاً.

لقد فشلت الولايات المتحدة أيضاً فيما يتعلق بنشر عناصر متعددة من القوة من أجل دعم استراتيجيات وأهداف واضحة. ففي سوريا، وبعد عدة سنوات من التردد في استخدام القوة العسكرية لاستكمال الدبلوماسية الغربية تركز السياسة الأمريكية حالياً، فقط على تنفيذ ضربات جوية ضد «داعش» والجماعات الإرهابية الأخرى. ولم تكن هذه الحملة ناجحة على وجه الخصوص، ويعود ذلك جزئياً إلى عدم ارتباطها باستراتيجية أوسع نطاقاً لتحقيق الاستقرار في سوريا وإنهاء الحرب الأهلية التي أودت بحياة عشرات الآلاف من الأرواح وأدت إلى تشريد الملايين.

أما حول الموضوع الإيراني، فقد ركزت الولايات المتحدة على القضية النووية إلى حدّ استبعاد المخاوف الأخرى التي أثارتها أعمال طهران، وأهملت عملية استكمال التعاطي بانتهاج تكتيكات أخرى. وبدلاً من مجرد الأمل بأن يحقق الاتفاق النووي فوائد إضافية ثانوية للعلاقات الثنائية، يحتاج صانعو السياسة الأمريكية إلى التحضير بشكل واقعي للتعامل مع طهران التي تتمتع بالقوة ومع الحلفاء الساخطين في أعقاب الاتفاق. وكما هو الحال مع كوبا، يبرز فرق كبير ما بين استخدام التعاطي لدعم سياسة ما، وما بين الخلط ما بين التعاطي والسياسة.

لقد تولى الرئيس أوباما منصبه وهو يدعو إلى اتباع سياسة التعاطي، إلا أن التصور السائد حول العالم هو عدم التزام الولايات المتحدة بهذه السياسة. أما الآن، فبعد أن وضع الرئيس الأمريكي جدول أعمال يقوم على التبادل، فالأسئلة التي تطرح نفسها هي، هل سيستخدم أوباما نفوذه لحشد الدعم لجدول أعماله، لا سيما داخل حزبه؟ وبعد أن واجه روسيا، هل سيستخدم القيادة الأمريكية لمساعدة أوكرانيا وتقوية “حلف الناتو”؟ وبعد أن هدد باستخدام حق النقض ضد فرض عقوبات جديدة، هل سيعمل مع الكونغرس لصياغة سياسة تجاه إيران تعكس مخاوف الحزبين؟ سيتم تقييم إرث الرئيس بناءً على إنجازاته على صعيد السياسة الخارجية، وليس فقط بالاستناد على الأخطاء التي يَعتقد أنه قد تجنبها.

———————————————–

(*)مايكل سينغ  / معهد واشنطن