السعودية تواصل تقبل التعازي والمبايعة للعاهل الجديد… وجنبلاط في الرياض

غاب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ووري الثرى، في لحظة تاريخية مفصلية، تعيشها المنطقة العربية من البحر الى النهر ومن المحيط الى الخليج، رحل وطوى مع رحيله مرحلة من تاريخ المنطقة، عصفت بها الازمات والحروب والصراعات، وكان احد القادة الكبار الذين اسهموا في نهضة المملكة، وكانت له اليد الطولى ورسم مسار الحلول لكثير من ازمات المنطقة والعالم، فكان صاحب نهج سياسي يقوم على الحكمة والاعتدال والتسامح، وكان صاحب مبادرة وعطاء وخشوع فلقب بملك الانسانية.
جنازة الملك الراحل أخذت بعدا عربيا وإسلاميا وعالميا أبرزت الدور والمكانة للمملكة السعودية التي تعززت بشكل واضح في مرحلة حكم الملك عبدالله الذي وصف بالإصلاحي والمتفتح. وهذا ما برز واضحاً بالتوافد السريع للعشرات من المسؤولين العرب والأجانب إلى العاصمة السعودية للمشاركة في جنازة المغفور له والذي شيع جثمانه من جامع الإمام تركي بن عبدالله حيث أقيمت صلاة الجنازة، إلى مقبرة العود حيث يوارى الثرى عادة المتوفون من الأسرة الحاكمة في مراسم شديدة البساطة.
كما ومثّل رحيل الملك عبدالله بن عبد العزيز حدثا عالميا وإقليميا كبيرا تجاوز حدود المملكة من خلال إعلان عدّة دول الحداد وإقامة صلاة الغائب على روحه منها دولة الإمارات ومصر والأردن ولبنان وتونس وفلسطين.

مواراة العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز الثرى لا تعني طيّ صفحة نهجه السياسي، فالسلاسة التي انتقات بها السلطة، دليل على مدى حكمته في ترتيب الحلول المسبقة، في تأمين ديمومة السلطة واليات انتقالها من السلف الى الخلف. فإن هدوء انتقال السلطة وسلاستها لم يأتيا محض صدفة بل هما وليدا ترتيب مسبق كان شارك فيه الملك الراحل بفاعلية عبر عدة إجراءات من بينها تعيينه وليّا لوليّ العهد، وقيامه بتحصينه بأمر ملكي يحول دون إمكانية تغييره.

وكما كان منتظرا ومقررا سلفا جرت مبايعة الأمير سلمان بن عبدالعزيز ملكا للبلاد باعتباره كان وليّا للعهد في عهد الملك الراحل. وأصبح أخوه غير الشقيق الأمير مقرن بن عبدالعزيز بالنتيجة وليا للعهد.وكان أبرز تغيير تعيين الأمير محمد بن نايف وليّا لوليّ العهد ليدخل بذلك جيل أحفاد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود مسار تولي عرش المملكة، بعد جيل الأبناء الذين بلغ جميعهم مرحلة الشيخوخة.

العاهل السعودي الراحل وقف الى جانب الشعب الفلسطيني وقادته، وكان صاحب اليد البيضاء في عطاءاته ورعايته الفلسطينين في الداخل وفي بلاد الشتات، وهو الذي أطلق المبادرة العربية للسلام في قمة بيروت عام 2002 والتي عرضت الدول العربية بموجبها سلاما شاملا مع إسرائيل مقابل انسحاب الدولة العبرية من الأراضي المحتلة منذ 1967 وقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية فضلا عن التوصل إلى حل تفاوضي لقضية اللاجئين.

وفي شباط من العام 2007، جمع الملك عبد الله تحت عبائته الفصائل الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل لوضع حد للاقتتال الفلسطيني الداخلي ورعاية المصالحة الفلسطينية.

رياض

وبعد احداث 11 ايلول 2001 بادر الى الحديث عن الاسلام المتسامح والمعتدل رافضاً التعصب والتطرف والارهاب، وعمل جاهدا على اصلاح المؤسسات الدينية في المملكة، ومن أبرز مبادراته، الحوار بين الأديان السماوية (الإسلام، واليهودية، والمسيحية)، أطلقها في 14 آذار 2008، بعد أقل من 5 أشهر على زيارته التاريخية للفاتيكان في تشرين الثاني 2007، ليكون أول ملك سعودي يزور هذا المكان المقدس لدى المسيحيين الكاثوليك في العالم.

لقد تمكن الملك عبدالله من تعزيز صورته كقائد قريب من الناس، فأغدق على السعوديين الكثير من التقديمات المالية والاجتماعية، وارسى قواعد تنظيم بنيان الدولة، فأصدر القوانين والمراسيم التطبيقية لها ومن ابرزها نظام التعليم ونظام المظلومية الذي ادخل من خلالها النظام القضائي الى المملكة.

ومن ابرز انجازاته الاصلاحية: ترسيم موظفي الدولة العاملين على بند الأجور والمستخدمين، وانشاء أكبر مدينة اقتصادية في الشرق الأوسط حيث دشن مشروع مدينة الملك عبد الله الاقتصادية برابغ على ساحل البحر الأحمر، وتبلغ مساحة المدينة (55) مليون متر مربع بطول (35) كيلو على ساحل البحر، وتعتبر أضخم استثمار عقاري متكامل من نوعه في العالم ينفذه القطاع الخاص.

تخفيض أسعار البنزين، إنشاء مركز مالي متطور بمدينة الرياض، إنشاء صندوق استثماري لذوي الدخل المحدود، تسديد الديون والديات عن الموقوفين في الحقوق الخاصة، تطوير الساحات المحيطة بالمسجد النبوي وتوسعة ساحات الحرم المكي الشريف، إعفاء (10%) من الأقساط العقارية للمتأخرين عند كامل السداد، تنفيذ مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم العام، إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، إنشاء خط سكة حديد الشمال – الجنوب، إصدار نظام القضاء ونظام ديوان المظالم.

إنشاء عدد من الجامعات في عدد من المناطق ومنها جامعة مختلطة في جدة، إضافة الى استضافة فروع لكبرى جامعات العالم.

لقد أحب الراحل الكبير خادم الحرمين الشريفين لبنان، وتعرف على قياداته وزعاماته وأحزابه، وكان صديقا للمعلم الشهيد كمال جنبلاط منذ كان قائدا للحرس الجمهوري، وتعرف من خلاله على عمق الازمة اللبنانية، فأحب المختارة والشوف، كما كان صديقا لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط منذ استشهاد المعلم عام 1977، زار لبنان مراة عدة، لا بل كان شريكا في انجاز اتفاق الطائف مع المغفور له الرئيس رفيق الحريري، حيث تدخل مراة عدة في حل الاشكالات الداخلية خلال المؤتمر. كما ساهم في انشاء المحكمة الدولية من اجل لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

KING ABDALLAH5

كان نصيرا للبنان وسندا لشعبه في كافة الظروف، فمد لبنان بالودائع المالية لتثبيت سعر صرف الليرة، وكان مساهما كبيرا في إنجاح مؤتمرات باريس الثلاث، حرص على امن واستقرار لبنان ومنع امتداد الفتنة اليه، وقدم الدعم المالي للجيش اللبناني من أجل مده بالسلاح والعتاد والتجهيز، فقدم له هبة مالية سخية بقيمة 4 مليار دولار ، كما سبق ان قدم هبة مالية لوزارة التربية بدل تسجيل طلاب لبنان في المدارس بعد عدوان تموز 2006.

مع انطلاق احداث الربيع العربي، وقف الى جانب الشعوب العربية، في مصر وتونس وسوريا، ووفر الدعم المطلق للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اثر انتخابه رئيسا للجمهورية المصرية بعد الثورة الشعبية الثانية في 30 حزيران. لقد بادر الى اصلاح مجلس التعون الخلجي وتعزيز قدراته الامنية في مواجهة الارهاب والتطرف وكذلك التمدد الايراني، وحرص على وحدة اليمن، التي تهاوت يوم وفاته نحو الانقسام بعد انقلاب الحوثيين على المبادرة الخليجية التي انهت حكم علي عبد الله صالح.

انظم الملك عبد الله الى التحالف الدولي لمحاربة الارهاب، ورفض قيام دولة (داعش)، واطلاق اعلان الرياض من اجل الاعتدال ورفض التطرف، وقدم المساعدات للمعارضة السورية وللشعب السوري المشرد.

غاب الملك الكبير في لحظة دولية وتاريخية مفصلية من تاريخ المنطقة العربية، حيث تتآكلها الانقسامات والحروب المذهبية، وتتناهشها الاطماع الاقليمية. غاب تاركاً المنطقة مشرعة ابوابها على فوضى عارمة وصفقات دولية كبرى.

عزاؤنا بأن العاهل السعودي الجديد أكد في أول كلمة له بعد اعتلائه سدة الحكم أن المملكة بقيادته ستستمر بالسير على نفس النهج الذي سار عليه أسلافه.

ووعد بأن تستمر بلاده التي تحتضن أقدس المقدسات الإسلامية، بالعمل على وحدة العرب والمسلمين. وقال “ان الأمّة العربية والإسلامية أحوج ما تكون إلى وحدتها وتضامنها وسنواصل في هذه البلاد مسيرتنا بالأخذ بكلّ ما من شأنه ضمان وحدة الصف وجمع الكلمة والدفاع عن قضايا أمتنا”.

جنبلاط في الرياض

زار رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط العاصمة السعودية الرياض على رأس وفد لتقديم التعازي بوفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، والأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء، والأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وللأسرة المالكة، وللشعب السعودي.

وكان في استقبالهم بمطار قاعدة الرياض الجوية الأمير تركي بن عبد الله بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، ووكيل المراسم الملكية عبد العزيز العقيلي، والسفير الليبي لدى المملكة عبد الباسط عبد القادر البدري، وقائد قاعدة الرياض الجوية المكلف اللواء طيار ركن محمد بن سعيد الغامدي.

ورافق جنبلاط نجله تيمور، ووزير الصحة العامة وائل أبو فاعور، والنواب: هنري حلو وغازي العريضي ونعمه طعمة وعلاء الدين ترّو.

وكان جنبلاط، قد قدم التعازي بوفاة خادم الحرمين الشريفين، في قاعة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في مسجد محمد الأمين – وسط بيروت على رأس وفد وزاري ونيابي وحزبي ضم كلا من: الوزير وائل أبو فاعور، النواب: علاء الدين ترو، مروان حمادة، هنري حلو، أنطوان سعد، فؤاد السعد، نعمة طعمة وإيلي عون، نائبه للشؤون الخارجية دريد ياغي، وأمين السر العام في الحزب ظافر ناصر.

كما نعى رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط العاهل السعودي الراحل، وكتب عبر “تويتر”  قائلا: رحل الفارس العربي الكبير عبدالله بن عبد العزيز، رحل الصديق الكبير للشهيد كمال جنبلاط، كما رحل اخ كبير أحب المختارة واعتز وافتخر بصداقته على مدى عقود.

————————————

(*) فوزي ابوذياب