عملية «القنيطرة» والقنطرة الأميركية

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

في نهاية العام الماضي أقرّ الرئيس الأميركي بـ«المخاوف الإيرانية المشروعة، بعدما عانت حرباً مروّعةً مع العراق» منتقداً «سلوكها الإقليمي»، ومعتبراً أنها «انخرطت في زعزعة حلفائنا وخطابها معاد لأميركا ومحرّض ضد إسرائيل»، مشيراً إلى «مواهب وموارد مدهشة» وتطوّر فيها واشترط للانفتاح عليها التوصل إلى اتفاق نووي وقال: «في حال وصلنا إلى هذه المرحلة الأولى، آمل بأن يشكّل ذلك أساساً لتحسين العلاقات معها». وفي وقت سابق كان أوباما قد أرسل رسالة إلى المرشد خامنئي، وهو صاحب القرار الأول والأخير في إيران، أشار فيها بوضوح إلى استعداده لتكريس شراكة مع طهران في مواجهة «داعش» في حال الوصول إلى اتفاق نووي معها! ولم تتوقف إشاداته بـ «العقلانية الإيرانية» والدولة التي لها «استراتيجية واضحة وتعرف مصالحها وكيف تتفاهم عليها مع الدول» – أي إيران – في نقد واضح للدول الأخرى. منذ أيام نشرت صورة معبّرة. الوزيران جون كيري ومحمد جواد ظريف يتنزهان على رصيف بحيرة في جنيف، بعد 7 ساعات من التفاوض! ثم انتقلا إلى باريس. «كيري» التقى الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند. وظريف التقى وزير خارجيته «لوران فابيوس»، والتقى أيضاً «كيري». واضح التطور في العلاقات الإيرانية – الأميركية والتقارب في المواقف. ويرافق هذا التطور والحرص المشترك على الوصول إلى اتفاق في نهاية يونيو المقبل كحد أقصى تطور سياسي معاكس في واشنطن تمثّل بالتهديد الذي أطلقه «الجمهوريون» في الكونجرس باتخاذ قرار وبتأييد عدد من النواب «الديمقراطيين» بفرض عقوبات إضافية على إيران وهذا ما تريده إسرائيل وتدفع في اتجاهه منذ فترة طويلة. أوباما قال بوضوح «إن مثل هذا الإجراء سيترك انعكاساً سلبياً على المفاوضات». استنجد برئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون لإقناع «الجمهوريين» بعد الإقدام على هذه الخطوة وأعلن الرجلان موقفاً مشتركاً قالا فيه «إن عقوبات جديدة على طهران ستؤدي إلى انهيار المفاوضات»! وهذا يعني الذهاب إلى مواجهة جديدة سبق للأميركيين أن وصفوها بـ «الحرب الرهيبة».

وإذا كان ثمة متطرفون أو متشددون في أميركا ضد الاتفاق مع طهران فإن ثمة في هذه العاصمة متطرفين لا يقبلون الموقف الأميركي والضغوطات الغربية. وبعد أن قال عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى إسماعيل كوثري: «إذا أصرّت مجموعة الدول الست على طرح المزيد من المطالب غير المنطقية، فإن مجلس الشورى سيضطر إلى جانب الحكومة على تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%» أَُعلن أن ثمة «مسودة مشروع ستقدم في البرلمان لإلزام الحكومة برفع نسبة التخصيب إلى 60% إذا فرضت أميركا عقوبات إضافية على طهران»!

هذه المواجهة السياسية طبيعية، لأن طبيعة المفاوضات اليوم هي حول السياسة والدور والنفوذ الإقليميين لإيران. إسرائيل حتى الآن هي المستفيد، وتسعى لأن تكون المستفيد الأكبر. فانهيار المفاوضات يعني تقدم خيار المواجهات في كل الساحات المهيأة أصلاً من اليمن إلى العراق وسوريا وفلسطين ولبنان، وخيار العمليات الأمنية في أكثر من مكان. والدفاع في هذا الاتجاه يعني الفوضى الشاملة والفتن المفتوحة. وفي هذا السياق ينبغي التوقف عند العملية الإسرائيلية التي استهدفت مجموعة لـ”حزب الله” في القنيطرة السورية وما يمكن أن يكون لذلك من تداعيات ونتائج في كل من لبنان وسوريا، وعلى صعيد دور ما يسمى التحالف الدولي لمواجهة تنظيم “داعش” وامتداداً “الإرهاب” كما يقولون، وتحديداً في هذه المرحلة وبعد العمليات الأمنية في باريس وغيرها من المدن الفرنسية وفي بلجيكا وما ستولّده من رداّت فعل. سنكون أمام حروب ومواجهات على كل الساحات، ويترافق ذلك مع هجوم إسرائيلي شنيع ضد “الإرهاب الفلسطيني”، “حماس” وأبومازن “المتحـــالف” معها، ومع الدعوة إلى إبعاده وحل سلطته، والاستمرار في الإجراءات التي تضمن الأمن الكامل لإسرائيل، كما يقول قادتها الإرهابيون مؤكدين أن لا أحد يضمن أمن “اليهود” إلا الجيش الإسرائيلي والمطلوب توفير كل أشكال الدعم والأسلحة النوعية والحماية السياسية والقانونية والعسكرية والقضائية ورفض الذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية. وفي هذا الموقف يتلاقى الإسرائيليون مع الأميركيين، حتى أوباما نفسه وفي معرض حديثه عن إيران وقدراتها والرغبة في الوصول إلى اتفاق معها، انتقد تحريضها ضد إسرائيل وموقفها المعادي لأميركا. في الشق الثاني كسرت الحدة كثيراً، والمطلوب أكثر فيه، وفي الشق الأول ثمة التزام بأمن إسرائيل واستقرارها والمطلوب أن تنضبط إيران! هذه هي القنطرة الأميركية التي يعبر تحتها الاتفاق مع إيران.