أي سيناريوهات مرتقبة بعد الغارة الإسرائيلية على القنيطرة ؟

بعد ثلاثة أيام على الغارة الإسرائيلية على مجموعة عسكرية تابعة لحزب الله في منطقة القنيطرة السورية لا تزال حالة الترقب والحذر ترخي بأثقالها على طول الحدود اللبنانية السورية المتاخمة لحدود الأراضي الفلسطينية المحتلة لا سيما على محور مزارع شبعا حيث أن استمرار رفع حالة الجهوزية على طول الحدود المتاخمة للخط الازرق والتي تتولى قوات اليونيفل عبر دورياتها المؤللة مراقبة الوضع فيها عن كثب بالإضافة إلى  تكثيف الدوريات وعمليات المراقبة و  حركة الطيرات المروحي والحربي في سماء المنطقة، تنذر جميعها  بأن الوضع لا يزال خطيرا جدا ويستدعي مزيدا من الجهود الدبلوماسية لمنع وقوع الأسوأ.

وفي هذا الإطار،رأت أوساط متابعة بأن حركة الإتصالات الدولية والإقليمية التي شهدتها كواليس الأروقة الدبلوماسية في المنطقة خلال الساعات الماضية وعلى أعلى المستويات قد  نجحت نوعا ما في لجم ومنع أي تدهور سريع للجبهة بين حزب الله واسرائيل إلا أن هذه الإتصالات لم تتوصل لغاية الساعة من الحصول على ضمانات حاسمة ضامنة لمنع حصول المواجهة المرتقبة الشاملة  بين اسرائيل وحزب الله التي بعد هذه العملية في القنيطرة ارتفعت احتمالات وقوعها في أي لحظة خصوصا أن المراقبين للوضع بين حزب الله واسترائيل يؤكدون بان العملية الإسرائيلية هي لعب بالنار كونها تشكل خطوة متقدمة على صعيد تغيير قواعد اللعبة التي تهدد بإنهيار الهدنة التي وفرها القرار 1701 بعد الهزيمة الإسرائيلية في العام 2006.

ولفتت الأوساط عينها بأن مسارعة حزب الله إلى نعي شهدائه في بيان مقتضب لا يحمل في طياته سوى أن الحزب لن ينجر إلى رد انفعالي متهور ومتسرع على الحماقة الإسرائلية إلا أن العدو والصديق والقريب والبعيد وكل من له علم بطبيعة  وسلوكيات وإرادة وعزم وحزم المقاومة بقيادتها وكوادرها ومجاهديها يدرك  جيدا بأن ما بعد غارة القنيطرة ليس كما قبلها، ما يعني بأن الرد الحازم والموصوف للمقاومة آتٍ لا محالة في الزمان والمكان المناسبين ضمن حسابات أجندة محور المقاومة والممانعة الحريص جدا في هذه المرحلة على تجنب أي استدراج لحرب مفتوحة مع اسرائيل غير محسوبة العواقب والتداعيات.

وتتابع بأن غارة القنيطرة في ابعادها وتوقيتها وحجمها والتي اتت بعد ساعات قليلة من اعتداء للجيش الإسرائيلي باطلاق قنابل دخانية ضد موقع الجيش اللبناني في عيتا الشعب  ليس من المستبعد أبدا أن تكون في جزء أساسي من  خلفياتها يرتبط  بالانتخابات الاسرائيلية، كما أنها تأتي من ضمن سياق المحاولات الإقليمية الرامية لتخريب التقارب الأميركي – الإيراني في المفاوضات النووية والتعاون الأمني والسياسي الإستراتيجي في كل أرجاء منطقة الشرق الأوسط القابعة على فوهة بركان سوف يؤدي وفي حال انفجاره إلى تغيير موازين وخارطة القوى السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط والعالم خصوصا أن المراقبين العسكريين يجمعون بان الحرب المقبلة بين حزب الله واسرائيل والتي ستمتد جبهتها من سوريا في الجولان وصولا إلى الناقورة في لبنان لن تشبه بمعاركها الضارية وتكتيكاتها وعملياتها العسكرية والأمنية أي حرب عرفها من قبل الصراع العربي – الإسرائيلي.

مضيفة بأن الإتصالات التي جرت على أعلى المستويات في كواليس الأروقة الدبلوماسية في أكثر من عاصمة دولية وإقليمية حملت رسالة واضحة إلى كل من يعنيهم الأمر في جبهة الجنوب، وهي أن المجتمع الدولي حريص على استمرارية القرار 1701 وهو ضمن هذا السياق لن يسمح بتدهور الأوضاع بين الحدود اللبنانية وحدود الأراضي الفلسطينية المحتلة سيما أن أي تصعيد على هذه الجبهة الحساسة من شأنه أن يجر لبنان والمنطقة إلى مواجهة مفتوحة شاملة لا قدرة لأحد على تحمل وزر عواقبها في ظل الأوضاع الدقيقة والخطيرة التي تمر بها المنطقة خصوصا في سوريا والعراق،حيث ينكب المجتمع الدولي على اعطاء الأولوية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية ” داعش”.

وبالتالي وبحسب الأوساط عينها، فأن المجتمع الدولي حريص على منع فتح أي جبهة جديدة في المنطقة من شأنها أن تحرف الأنظار عن المهمة الأساسية التي تطلع بها الولايات المتحدة الأميركية التي تقود التحالف الدولي – الإقليمي لضرب داعش، وضمن هذا السياق نصح أصدقاء اسرائيل في العالم القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية بضرورة عدم اللعب بالنار على صعيد المغامرة بإختبار الاستراتيجية الجديدة التي اعلن عنها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والتي اكد خلالها ان اي ضربة لسوريا هي ضربة للبنان، لأن مثل هذه المغامرة سوف تدفع المنطقة إلى حرب ليس مضمون فيها انتصار اسرائيل، خصوصا  أن إنزلاق اسرائيل نحو مواجهة شاملة مع حزب الله هو بحسب المراقبين قفزة للعدو وقيادته السياسية والعسكرية في المجهول لأن حزب الله وعلى الرغم من الحرب التي يخوضها ضد الإرهاب التكفيري، إلا أن الحزب وبحسب كافة التقارير الإستخباراتية والأمنية والعسكرية  لا يزال يتمتع بالجهوزية العالية لمقاتلة اسرائيل وإلحاق بها الهزيمة مجددا كما فعل في العام 2006، خصوصا أن هزيمة اسرائيل في غزة في مواجهة حماس لا تزال عواقب تداعياتها ترخي بأثقالها التشاؤومية على المؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي لا تزال محبطة بسبب فشلها في العدوان الأخير على غزة، فكيف بالأحرى الحال سيكون لو انزلقت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية إلى فخ المواجهة مع حزب الله الذي يملك واستنادا إلى التقارير الإستخباراتية والأمنية والعسكرية  عينها من القوة والقدرات والخبرات القتالية والعسكرية ما يوازي أضعاف وأضعاف قوة حماس التي لا يمكن بأي حال من الأحوال من الناحية  العسكرية مقارنتها بحزب الله.

إلى ذلك تجمع  القراءات الأمنية والإستخباراتية بأن غارة القنيطرة بتوقيتها وأبعادها هي  لعب بالنار في وقت خطير تمر بها المنطقة برمتها كون هذه العملية  تغير قواعد اللعبة والإشتباك التي فرضتها نتائج العدوان الاسرائيلي في تموز 2006 الذي أنتج قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي وعلى الرغم من الإنتهاكات الإسرائيلية العديدة في الجو والبحر والبر لهذا القرار الدولي إلا أن هذا القرار نجح إلى حدٍ بعيد في فرض نوعا من الهدنة غير المعلنة بين اسرائيل وحزب الله ليس فقط في الجنوب كما يظن البعض بل هدنة امتدت أيضا إلى سوريا بعد انخراط حزب الله في حربها بحيث أن الإعتداءات الإسرائلية كانت منذ بداية الأزمة السورية وحتى غارة القنيطرة  مقتصرة على شن الغارات فقط على مراكز الجيش السوري بينما اسرائيل في كل تلك الغارات السابقة تجنبت أي قصف لعناصر أو لمواقع لحزب الله على الأراضي السورية،ما يعني بأن هناك مرحلة جديدة من المواجهة بين اسرائيل وحزب الله قد بدأت والبارز في هذه المواجهة الجديدة هو سوريا التي ستكون  أرضها وفضائها جزءً أساسيا من هذه المواجهة التي سوف تؤدي بطبيعة الحال من خلال عملياتها ومواجهاتها  إلى اسقاط الهدنة الطويلة على الجبهة السورية مع اسرائيل و التي نعمت منذ عقود بهدوء موصوف لم يتخلله اطلاق رصاصة واحدة بين الجيش السوري والإسرائيلي على هذه الجبهة منذ 31 آيار 1974 بعد أن توقفت الأعمال القتالية على الجبهة السورية على أثر  توقيع اتفاقية فصل القوات.

وتشير المصادر  بأنه إذا كانت الحرب المخابراتية بين اسرائيل والمقاومة لم تتوقف في أي يوم من الايام بعد القرار 1701 إلا أن العمليات الأمنية التي قام بها الطرفان على ارض لبنان وخارجه كانت دائما تأخذ في عين الإعتبار مسألة الإلتزام والحفاط على قواعد الإشتباك الكفيلة بإبقاء الجبهة بين لبنان واسرائيل هادئة ومستقرة وهذا الأمر استمر حتى بعد اندلاع الحرب السورية التي شارك فيها حزب الله من ناحية دعم النظام السوري والتي شاركت فيها اسرائيل من ناحية دعم التنظيمات الإرهابية التكفيرية، أما اليوم فأن الغارة الإسرائيلية في القنيطرة تأتي من خارج سياق العمليات المخابراتية القائمة بين المقاومة وحزب الله منذ حرب تموز 2006 في السر وفي العلن/، لذلك كان هناك شبه اجماع من قبل المراقبين والمتابعين للوضع في الجنوب اللبناني بأن غارة القنيطرة تشكل انتهاك فاضح لقواعد الإشتباك السائدة على جبهة الجنوب كما أنها تشكل تطورا ميدانيا خطيرا يضع القرار 1701 على وشك السقوط خصوصا أن القاصي والداني يدرك بأن سقوط الهدنة على الجبهة السورية مع اسرائيل سوف تجر ورائها بطبيعة الحال سقوط لكافة المحاذير والضوابط التي يأتي من ضمنها القرار 1701 الذي لن يكون هناك احترام لقواعده ومندرجات مضمونه في الحرب الكبرى القادمة على المنطقة بأسرها.

__________________

(*) – إعداد: هشام يحيى