من المستفيد من إعادة نشر الرسوم المسيئة للأديان في العالم؟

لا يمكن لأي عاقل واعي مؤمن بالقيم والاخلاق الإنسانية والسماوية الراقية على اطلاقها إلا أن يستنكر ويشجب ويدين بأشد العبارت الجريمة النكراء التي وقعت في قلب العاصمة الفرنسية والتي إستهدفت صحيفة “شارلي إيبدو” الساخرة أثناء إنعقاد إجتماع التحرير الأسبوعي وتصفية عدد كبير من أركانها وذلك بغض النظر عن أي تحفظ على نهج وسياسة مقالات ورسوم هذه الصحيفة الكاريكاتورية، حيث أن شريعة القتل والتصفية البربرية  تحت أي شعار أو عنوان تبقى مرفوضة ولا يجوز تعميمها أو التسليم بسلوكياتها لا في أوروبا ولا في الدول العربية والإفريقية ولا أي مكان في هذا العالم الذي يجب أن يكون فيه احترام للإنسان وحريته وكرامته وتعدده وتنوعه الحضاري والثقافي والإجتماعي.

وفي هذا الإطار يرى المراقبون بأن مسؤولية مواجهة التطرف في العالم لا تقتصر فقط على العالم الإسلامي الذي هو أيضا ضحية هذا التطرف شأنه في ذلك شأن العالم الغربي سيما أن الإسلام الحقيقي المتسامح والمنفتح والإنساني هو أكثر المتضررين من هذا التطرف الذي يستخدم الشعارات والمبادئ الإسلامية بطريقة مشوهة ومسيئة للإسلام، لذلك هناك أيضا مسؤولية على الغرب الذي لا بد للإسلام وسائر الشعوب الأخرى في العالم أن يحترموا خصوصياته في الحرية والديمقراطية والإنفتاح إلا أن ذلك لا يعني أبدا بأنه على هذا الغرب أن يتخلى عن تحمل مسؤولياته في مواجهة المتفلتين الذين يستغلون الحرية للإساءة إلى القيم النبوية والدينية بشكل غير مقبول والذي يضع الزيت على نيران مناخات التطرف  العنصرية والفاشية التي تغذيها الكراهية العمياء التي لا تولد سوى المزيد من الأعمال العدائية التي تستهدف الأبرياء وتجر العالم نحو المزيد من الفتن والحروب العبثية.

وفي حمأة الغليان الطائفي والمذهبي الذي يلف العالم هناك حاجة ضرورية ملحة لقيام صحوة ونهضة إسلامية فكرية وسياسية تعيد للإسلام صورته الحقيقية العصرية المتجددة التي تتصدى للمجموعات الإرهابية وأعمالها الإجرامية التي تتناقض مع مواثيق حقوق الإنسان وحرية التعبير عن الرأي وعن جوهر الديانات السماوية التي وجدة رحمة للبشرية لا نقمة عليها وعلى تطورها وتقدمها نحو مستقبل أكثر عدالة وإنسانية.

والسؤال المطروح اليوم في كواليس الأروقة السياسية هو من المستفيد من إعادة نشر رسوم كاركاتورية مسيئة للنبي محمد وللمسلمين غير المتطرفين الذين يغذون الأحقاد والكراهية لخلق الصراعات الحضارية الدينية بين شعوب هذه الأرض تحت شعار احترام ممارسة حرية الرأي الذي تحول وسيلة لإستثارة الردود العاطفية الدينية الطائفية والمذهبية غير المناسبة مع ضرورات السلم والأمن في العالم وغير المتوافقة مع القيَم الإنسانية والحريات والتنوع الثقافي والتسامح واحترام حقوق الإنسان كونها تعمق مشاعر الكراهية والتمييز بين الناس  .

وإذا كان تصدر الإرهابي رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتانياهو للمسيرة الشعبية التي سارت في قلب باريس تنديدا بالإرهاب والجريمة التي استهدفت حرية الإعلام والصحافة في فرنسا وأوروبا قد أساء لمعاني هذه المسيرة وللضحايا الأبرياء فإن مثل هؤلاء الإرهابيون أمثال نتانياهو وسواه من الفاشيين والنازيين الجدد في أورويا وكل العالم هم أيضاً أبرز المستفيدين من إعادة نشر رسوم كاركاتورية مسيئة للمسلمين ولأي دين من الأديان في العالم لأن الإرهاب يغذي بعضه البعض والإرهابيين أمثال نتانياهو لا يعيشون إلا في ظل تغذية الأحقاد ومشاعر الكراهية بين الشعوب.

تنديد إسلامي مسيحي بإعادة نشر رسوم للرسول

ولعل المثال الصارخ على مدى الإساءة الذي تسببته إعادة نشر الرسوم المسيئة للإسلام والمسلمين هو أن المرجعيات الأسلامية التي استنكرت وشجبت الجريمة النكراء التي استهدفت صحيفة “شارلي إيبدو” عادت هي نفسها واستنكرت إعادة نشر هذه الصحيفة لرسوم مسيئة للنبي محمد.

وفي هذا السياق،ندد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بإعادة صحيفة شارلي إيبدو نشر رسوم للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، معتبرا أن إعادة نشر رسوم يعتبرها المسلمون مسيئة هي تصرفات “رعناء تساعد المتطرفين”، كما أكد البابا تواضروس الثاني بطريرك الأقباط الأرثوذكس في مصر رفضه الإساءة إلى الأديان السماوية.

وقال الاتحاد الذي يوجد مقره في العاصمة القطرية الدوحة في بيان له، إن قيام مجموعة من الصحف ووسائل الإعلام بإعادة نشر الرسوم المسيئة والأفلام السيئة حول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والهجوم على الإسلام أو المسلمين “ليس من العقل ولا المنطق ولا الحكمة”.

وأضاف “إذا اتفقنا بأن هؤلاء المتطرفين، وهم قلة، لا يمثلون الإسلام والمسلمين، وأنهم يقتلون من المسلمين أكثر من غيرهم، إذن كيف يُرد على تصرف هؤلاء المتطرفين بتصرفات ليست ضدهم بل ضد رسول الرحمة للعالمين، ورسول يؤمن به حوالي ملياري نسمة وهم مستعدون للتضحية بأنفسهم في سبيله؟”.

من جانبه دعا الأزهر المسلمين إلى تجاهل الرسوم الأخيرة التي تصور النبي محمدا صلى الله عليه وسلم في نسخة صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية الساخرة، ووصفها بأنها “عبث كريه”.وأضاف الأزهر في بيان له اليوم أن “مقام نبي الرحمة والإنسانية (…) أعظم وأسمى من أن تنال منه رسوم منفلتة من كل القيود الأخلاقية والضوابط الحضارية”.

وكان مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر قد اعتبر مساء أمس الثلاثاء أن نشر هذه الرسوم المسيئة إلى النبي “سيؤجج مشاعر الكراهية”.

بدوره دان المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين نشر الرسوم التي تمثل النبي محمدا صلى الله عليه وسلم، واعتبرها “استهتارا بمشاعر المسلمين”.وقال المفتي في بيان إنه “يدين نشر رسوم ساخرة من النبي محمد، قامت به إحدى دور النشر الفرنسية في عددها الجديد، الذي ضاعفت أعداد نسخه، ونشرته بأكثر من 16 لغة، بما فيها العربية، في دلالة واضحة على التحدي المتعمد لمشاعر المسلمين والاستهتار بها”.

من جهته أكد البابا تواضروس الثاني أنه يرفض الإساءة إلى الأديان السماوية، وقال في تصريحات صحفية “الإساءة مرفوضة على أي مستوى بين البشر، وإذا امتدت إلى الأديان فهذا أمر غير إنساني أو أخلاقي أو اجتماعي، ولا يساهم أبدا في السلام العالمي”.

وبدوره السيد علي فضل الله بإعادة نشر الرسوم المسيئة للرسول محمدفي فرنسا وفي بعض الدول الأوروبية. ولفت الى ان “هذه الخطوة اعتداء جديد على مشاعر المسلمين الذين دانوا ما تعرضت له فرنسا”.

وقال السيد فضل الله في حديث له اإن “إصرار مجلة شارلي إيبدو وغيرها من الصحف ووسائل الإعلام الفرنسية والغربية عموما على إعادة نشر الصور المسيئة إلى الرسول الأكرميمثل تكرارا للخطأ”، واضاف ان “ذلك يساهم في تأزيم العلاقة بين المسلمين والغرب في الوقت الذي نسعى إلى تصحيح هذه العلاقة بالحوار والتواصل”.واعتبر السيد فضل الله ان “إصرار بعض وسائل الإعلام الأوروبية على إعادة نشر هذه الرسوم المسيئة يشكل خطأ كبيرا وخطيرا على المستوى السياسي والإعلامي والثقافي سيساهم في التشجيع على التطرف ويؤدي إلى ردود فعل غير محسوبة لا نريدها”، وتابع “كما يعتبر عدم تقدير لكل الأصوات الإسلامية التي رفضت الهجوم على مجلة مارلي إيبدو والهجمات الأخرى التي استهدفت فرنسا”.

إلى ذلك، أحرقت سبع كنائس على الاقل في نيامي بيد متظاهرين يحتجون على رسم كاريكاتوري للنبي محمد نشرته اسبوعية شارلي ايبدو الفرنسية الساخرة، وتستمر حركة الاحتجاج في الاتساع في العاصمة النيجرية.

__________________

(*) – إعداد: هشام يحيى