الخطر الداهم يُحسّن أداء المسؤولين اللبنانيين

د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

بصرف النظر عن إخفاق مجلس النواب اللبناني في انتخاب رئيس جديد للجمهورية منذ مايو 2014، تتكشف صورة جديدة على الساحة السياسية اللبنانية، فيها شيء من التفاؤل، وقد تحمل انقشاعا في العتمة السوداء التي تخيم على البلاد منذ فترة طويلة.

الاجتماعات الحوارية التي تعقد في السر وفي العلن بين قوى سياسية كانت على خصام شديد، تبعث على الارتياح وتحمل مؤشرات ليست عادية، وأقل ما يقال فيها، انها شعور بالمسؤولية الوطنية، وتهيب للموقف الخطير الذي يعيشه لبنان، ورفضا للاستباحة التي تطل برأسها من خلف الجدران الركيكة التي تسيج الوطن.

في هذا السياق، يأتي حوار تيار المستقبل مع حزب الله، وعلى ذات الوثيرة يمكن إدراج المشاورات المتقدمة بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وكذلك الأمر بالنسبة للخطاب المرن عند القيادات الدينية الرسمية في الجانب الإسلامي ـ لاسيما خطاب المفتي عبداللطيـف دريــان والإمــام عبـدالأمير قبـلان وشيخ العقل نعيم حسن ـ وفي الجانب المسيحي ـ لاسيما نداءات البطريرك الراعي والبطريرك اليازجي والبطريرك لحام ـ وكانت كلماتهم ـ او من ناب عنهم ـ في حفل تنصيب المفتي دريان في 18/8/2014، واضحة في هذا السياق، خصوصا حرصهم على التعايش والحفاظ على الوحدة الوطنية، وتحييد لبنان عن صراعات المنطقة.

التطور الأهم في سياق تحسن الأداء السياسي للقيادات اللبنانية، كان في اللغة المقبولة التي يستخدمها زعماء الصف الأول في المحطات المصيرية، وعلى وجه التحديـد عنـد حصــول أحــداث بارزة يمكن ان تتطــور الى فتنــة، حصــل الأمـر عندما خاض الجيش اللبناني معاركه ضد المتهورين مـن المجموعـات المتطرفة في طرابلس وعرسال وغيرهما، وعندما أعدمت جبهة النصرة في القلمون السورية الجندي علي البزال من بعلبك، وأخيرا عندما حصلت التفجيرات الانتحارية الإجرامية في جبل محسن شرق طرابلس.

بالتوازي مع هذه الأحداث والتطورات، سجل المراقبون للحركة السياسية في لبنان، مجموعة من الأعمال النوعية التي رفعت منسوب التفاؤل عند اللبنانيين، وفي الأوساط العربية والدولية، وعند المتابعين لمجريات الأحداث في بلد الأرز.

ان الانتفاضة الصحية التي أطلقها الوزير وائل أبوفاعور، أعادت الأمل للمواطنين، بعد حالــة الـيأس التي عشعشت في صدورهم مـن جـراء الإهمال الحكومي للقضايا الحياتية.

ذلك ان التأييد الشعبي الذي واكب حملة سلامة الغذاء، ينم عن توق اللبنانيين للأداء الحكومي المتشدد فيما يتعلق بوقف الانتهاكات والتجاوزات لبعض المحميين، والتي يدفع المواطنين ثمنها من صحتهم وسلامتهم الجسدية.

وخطوات وزير المالية علي حسن خليل في وقف الانتهاكات التي تتعلق بسلامة المواطنين، خصوصا اكتشاف المواد السامة التي تحتوي على اشعاعات ذرية في المطار، وإعادتها الى مصدرها في الهند، وأيضا وقف التسيب في دوائر الجمارك والشؤون العقارية، ووقف التعدي على الأملاك العمومية، جاءت في السياق ذاته الذي يبعث على التفاؤل.

أما الخطوة التي قادها وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق في إعادة الانتظام الى سجن رومية، خصوصا مداهمة المبنى ـ ب ـ الذي كان متمردا على سلطة السجن، وبعض الأفراد المسجونين فيه على علاقة وطيدة بالمجموعات الإرهابية داخل البلاد وخارجها، فقد أعادت الاعتبار الى مكانة الدولة، وقدرة أجهزتها الأمنية على ضبط الأمور والتحكم في المفاصل الأساسية التي تهم حياة اللبنانيين وأمنهم، والنجاحات الأمنية الأخرى تعزز هذا الاتجاه.

إذا كانت إجراءات وزير الصحة شخصية او بدافع من رئيس حزبه وليد جنبلاط، وإذا كانت خطوات وزير المالية استنباه ذاتي او بإيعاز من الرئيس نبيه بري، وفي السياق ذاته، فجرأة وزير الداخلية سواء كانت بدافع منه او بطلب وموافقة رئيس كتلته سعد الحريري، لا يضر ذلك بأهمية الخطوات المذكورة، ولا بمدى تأثير هذه الخطوات على الحياة السياسية في لبنان، فهذه الإجراءات أعادت الأمل للبنانيين، واستعادت الثقة المثقوبة بالدولة، وكانت محل اجماع من المواطنين على مختلف انتماءاتهم السياسية والطائفية.

أما الانحباس السياسي الذي نتج عن التأخير في معالجة ملف النفايات المنزلية، وكاد يطيح بالحكومة، ويهدد بإغراق شوارع بيروت والضواحي بالأوساخ، فقد شاءت الحكمــة المتناميــة لــدى العديــد مــن القيادات اللبنانية تجاوز هذا القطوع، وبالتالي أقر مجلس الوزراء خطة وطنية لمعالجة هذا الملف الشائك، مما سيؤدي الى إيقاف الكارثة البيئية المتأتية عن توسع مطمر الناعمة، ومــا ينتــج عــن هــذا التوســع من أضرار على البلدات المجاورة.

تؤكد أوساط سياسية متابعة ان معظم القيادات السياسية في البلاد تستشعر خطر انفلات الأوضاع، وبالتالي تردي الأحوال الى النقطة التي قد تفقد القيمين زمام المبادرة، وهذه القيادات اول من سيدفع الثمن عند انفلات الأمور.

هذا الأمر يقف بالدرجة الأولى وراء تطور الأداء السياسي الإيجابي عند معظم المسؤولين، وهذا الأداء ساهم في الوقت ذاته في توسيـع مساحــة الاستقرار التي تنعم بـها البـلاد، قيـاسا للمأسـاة التي تعيشها الدول المحيطة بلبنان، وقد ينتج عن هذه الأجواء توافق طال انتظاره حول ملف الرئاسة الأولى، يلاقي جهود المبعوث الفرنسي فرانسوا جيرو في منتصف الطريق.

اقرأ أيضاً بقلم د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

الشراكة السياسية المهددة

عن لبنان النظيف

زيارة الحريري الى واشنطن.. ما لها وما عليها

جنبلاط في الفاتيكان: المرحلة ليست عادية

مواد مُتفلِّتة في الدستور اللبناني تُربك عمل المؤسسات

قرار رئاسي دستوري، ولكنه مُخيف

بعض ما لم يُقل عن لقاء المختارة

النسبية وبرنامج الحركة الوطنية

عون وجنبلاط والتفهُّم والتفاهُم

اولى قرارات الحكومة لا تشبه البيان الوزراي

حزب الله والواقعية السياسية

لبنان والرياح التأسيسية واللقآت النادرة

مُشكلة السجون اللبنانية وابعادها الامنية والسياسية

لبنان أمام مرحلة من الاختناق السياسي والإقتصادي

محاكمة سماحة: خبرٌ عادي لإعترافات غير عادية

نيسان 1975 ونيسان 2015!

عن الصحافة اللبنانية ونقابتها

حول المؤتمر الـ 13 لحركة أمل

تسريبات غير صحيحة حول الملف الرئاسي

لبنان لا يتحمَّل تجاذبات حول الملفات العسكرية