ما بعد «تشارلي إيبدو»..ضياع وفوضى

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

بعد الهجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» في العاصمة الفرنسية عمّت موجة من العنف في البلاد: إطلاق نار على الشرطة في أكثر من منطقة وسقوط ضحايا، استهداف مساجد، وحملة على المسلمين وعلى«الإرهاب الإسلامي» . الأجهزة الأمنية الفرنسية كشفت معلومات عن الشقيقين المتهمين بالهجوم أنهما من القاعدة ، أكدتها معلومات يمنية أفادت أن أحدهما زار اليمن والتقى أنور العولقي أحد أبرز «قادة القاعدة».

في بريطانيا أعلن رئيس الحكومة أن أجهزة الاستخبارات لديها تقديرات أن ثمة محاولة للقيام بعمليات إرهابية قد تستهدف الأنفاق ومراكز النقل والتجمعات في بريطانيا والغرب سينفذها إرهابيون عائدون من سوريا!

اجتماعات أمنية على مستوى عال عقدت في باريس شارك فيها كبار المسؤولين من وزراء وقادة أمنيين من دول الاتحاد الأوروبي وأميركا للبحث في التطورات. نحن أمام استنفار عالمي غربي خصوصاً ضد الإرهاب. الإجراءات تذكرنا بما اتخذته الإدارة الأميركية من قرارات بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وبعض المعلقين اعتبر الهجوم على الصحيفة الفرنسية “11 سبتمبر” مصغراً. وهذا ينذر بتشدّد ضد المسلمين والعرب وبردّات فعل. وسنكون أمام مسلسل جديد من العنف، ولا أفق سياسي للمعالجات. لا في الغرب ولا في البيئة الإسلامية. نشعر وكأننا في حالة من الضياع والفوضى ستعمّ عواصم العالم الكبرى وبالتالي ستكون لها انعكاسات سياسية وأمنية واقتصادية في مجتمعات كثيرة. وليس ثمة قادة كبار وأصحاب كلمة مسموعة وصدقية على المستوى الدولي عموماً أو على المستويين العربي والإسلامي. وهذا أمر مقلق، ستكون الأولوية للأمن. وما أدراك ماذا يمكن أن يحدث هنا، وما هي الاختراقات الموجودة، وما هي حالات الاستغلال، التي يمكن أن توجّه الأعمال الأمنية؟ كل من يبحث عن مصلحة هنا أو هناك صغيراً كان أم كبيراً بإمكانه أن يدخل على خط هذه اللعبة في ظل هذا الضياع والفوضى. هنا يبرز الدور الإسرائيلي، العصابة الحاكمة في إسرائيل لا تتوقف عن المتاجرة بالمحرقة النازية ضد اليهود دون الإقرار بالتأكيد بحق الشعب الفلسطيني، الذي دفع ثمنها فعلياً، لأن أرضه اغتصبت ولا تزال وهجّر من أرضه، ومعه دفعت المنطقة والاستقرار والأمن في العالم الثمن.

اليوم إسرائيل وإلى جانب تحذيرها من موجة «اللاسامية»، التي تعمّ بعض الدول، «والنازيين الجدد» الذين ظهروا هنا وهناك، وبعد تركيزها منذ عقود على «الأصولية الإسلامية»، ثم «الإرهاب الإسلامي»، تعمل اليوم على استغلال واستثمار شعار «الفاشية الإسلامية»، الذي أعلنه عدد من المتطرفين الفرنسيين في ردّ فعلهم على الجريمة المرتكبة ضد «شارلي إيبدو». تريد إسرائيل أن تعطي الصراع طابعاً دينياً. وهذا ما حاولته عند تركيزها على استهداف المسجد الأقصى والإجراءات القانونية الميدانية التي اتخذت حيال هذا الموقع. يومها حذرها كثيرون من لعبتها وخطرها. اليوم تريد الاستفادة مما جرى لتكريس لعبتها، وهذا ما يجب التنبّه له من قبل العرب والمسلمين عموماً لأنهم المستهدفون، ولأن في الغرب ذاته من رفض هذه المحاولة واعتبر أن عناصر متطرفين مسلمين يقومون بأعمال إرهابية، لكن ليس الإسلام أو المسلمون هم المسؤولون. أبرز موقف في هذا المجال جاء على لسان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تفاخر دوماً بصداقتها لإسرائيل، والتي ردّت على المظاهرات التي شهدتها مناطق ألمانية كثيرة ضد المسلمين، ورفعت فيها شعارات «نحن الشعب» فقالت: « لا تتبعوا هؤلاء الذين يدعون إلى هذه المظاهرات. إن في قلوبهم أحكاماً مسبقة، وحقداً. يقولون: نحن الشعب. ولكن في الحقيقة هم يريدون القول للآخرين أنتم لستم من هذا الشعب بسبب لونكم أو دينكم»! هذا موقف أخلاقي وإنساني وديني – بروحية الرسالات السماوية إنْ جاز التعبير – وسياسي متقدم تعلنه ميركل ينبغي الاستفادة منه والبناء عليه. إن المطلوب عدم الوقوع في فخ المصطلحات التي تستخدم لإعطاء الصراع طابعاً دينياً والانتباه في الخطابين السياسي والإعلامي إلى كل كلمة تُقال أو مصطلح يستخدم، ومعرفة كيفية الدفاع عن العرب والمسلمين ومصالحهم وأديانهم. هذا هو الوقت المناسب للقيام بحركة دبلوماسية سياسية إعلامية في أكثر من موقع، وعلى أكثر من صعيد يتلاقى فيها المتنورون من رجال الدين المسلمين مع رجال كل الكنائس ورموز كل الطوائف وقادة القوى السياسية المختلفة لاستيعاب مفاعيل وآثار الأعمال التي تسيء إلى الإسلام والمسلمين والمسيحية والمسيحيين وامتداداً إلى الإنسانية.