هل كان من الممكن تلافي جريمة “شارلي إيبدو”؟

رامي الريس

إهتز العالم، عن حق، بعد وقوع الجريمة الإرهابية في قلب العاصمة الفرنسية التي إستهدفت صحيفة “شارلي إيبدو” الساخرة (والتي تعرّف عن نفسها، بالمناسبة، أنها صحيفة غير مسؤولة). فمشهد إقتحام مقر صحيفة أثناء إنعقاد إجتماع التحرير الأسبوعي وتصفية عدد كبير من أركانها، بصرف النظر عن الرأي السياسي في مقالاتهم أو رسومهم الكاريكاتورية، هو بحد ذاته عمل مستنكر ومدان ويعطي الإنطباع أن شريعة الغاب قد تنتقل الى أوروبا كما هو الحال في عددٍ لا بأس به في الدول العربية والإفريقية.

وإذا كانت هذه العملية الإرهابية مستنكرة بكل المقاييس، وهي كذلك فعلا، ولكن هل من المنطقي ألا يصدر ولو موقفٍ واحد إستنكاراً لسقوط 36 شرطياً يمنياً في صنعاء بفعل تفجير إنتحاري بتوقيع تنظيم “القاعدة” في النهار ذاته لحادث باريس؟ وهل من المنطقي أن يسكت العالم عن كل الأعمال الإرهابية التي إرتكبتها وترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني؟ هناك منظمات إرهابية تمارس الإرهاب المدان، وهنا “دولة” سياستها قائمة على الإرهاب والقتل والتنكيل!

المنظمات الجهادية تستفيد من الإعلام إلى حدٍ كبير، وقد وصف أحد الجهاديين العمل الإعلامي بأنه يكاد يوازي “نصف” الجهاد. لذلك، عندما تقرأ عناوين صحفٍ فرنسيةٍ عريقةٍ مثل “لوموند” يتصدر صفحتها الرئيسية مقال يشبه ما حدث في باريس بأحداث الحادي عشر من أيلول 2001 عندما خطفت “القاعدة” الطائرات المدنية وأجبرتها على الإرتطام ببرجي التجارة العالمي ومقر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، فإن في هذا التشبيه ما يصّب في مصلحة منفذي الجريمة أكثر مما يفيد العمل المهني والصحافي أو يخدم تعبئة الرأي العام.

في أحداث أيلول 2001 سقط 2977 قتيلاً مقابل 17 في باريس. لا شك أن الخسارة البشرية لا تقاس بالأرقام، فكل مواطن بريء يذهب ضحيته الإرهاب هو خسارة بذاته من حيث قيمته الإنسانية، ولكن التحليل هنا يتعلق بالمفاعيل السياسية للأحداث الإرهابية.

المهم ألا تسقط فرنسا في الفخ الذي سقطت فيه الولايات المتحدة الأميركية بقيادة الرئيس السابق جورج بوش عندما أعلن “الحرب على الإرهاب”، فإذا به يفتح نار جهنم ويذهب لإحتلال أفغانستان وثم العراق مبتدعاً الحجج الواهية لتطبيق تلك السياسة الهوجاء.

اليوم، فرنسا وأوروبا والغرب عموماً أمام إمتحان جدي يتعلق بضرورة البحث في سبل معالجة الحروب المشتعلة في المنطقة العربية والإسلامية بدل تغذية موجة فاشية وعنصرية سوف تستهدف الجاليات الإسلامية في مجتمعاتها. ففرنسا وحدها على سبيل المثال، يعيش فيها نحو 6 ملايين مسلم من مختلف الأقطار العربية والإسلامية.

هناك على الأقل ستة حروب ونزاعات دامية في تلك الأقطار العربية والإسلامية وهي سوريا وليبيا واليمن والعراق وصولاً الى أفغانستان والصومال دون أن ننسى طبعاً فلسطين التي ترزح تحت الإحتلال منذ ستة عقود. إن المساعدة الأوروبية على حل هذه النزاعات ممكنة إذا توفرت الإرادة السياسية وهو المدخل الصحيح لوضح حدٍ مستقبلي لأي هجمات في العواصم الأوروبية والغربية. لذلك، الحل هو حل سياسي وليس علاجاً أمنياً.

من نافل القول أن كل هذا التحليل لا يرمي على الإطلاق لتبرئة أو إعفاء أي من التنظيمات التي تقوم بهذه الأعمال المشينة من مسؤولياتها، لكنه مجرّد محاولة لقراءة إحتمالات تلافي وقوع هذه الأعمال التي تؤكد المؤشرات أنها ستتزايد رويداً رويداً.

أما على مستوى ردود الأفعال، فمن الضروري التساؤل: هل هناك مصلحة فعلاً لتحويل هذا الصراع إلى “صراع حضارات” كما فعلت ماري لوبن زعيمة “الجبهة الوطنية” المعروفة بمواقفها العنصرية وتطرفها ويمينيتها؟

من المفارقات أن التطرف يلاقي التطرف. فإسرائيل، عبر رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو الذي دعا نفسه إلى باريس، من مصلحتها تغذية وتعبئة الرأي العام العالمي ضد الإسلام لأن ذلك من شأنه أن يحوّل الأنظار عن إرهابها اليومي بحق الشعب الفلسطيني وأن يخلق لها عدواً جديداً تستغل العالم من خلاله بعد أن روجت لعقود لنظرية “البعبع” الإيراني المرشح للخروج من دائرة الإستفادة الإسرائيلية إذا ما وقعت طهران الصفقة مع الغرب.

ولكن، على حد القول الشعري المأثور: “تجري الرياح بما لا تشتهي السفن”، فقد كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أن يهود فرنسا يعيشون حالة من الخوف والقلق كما لم يحصل منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية، وأن العام المنصرم 2014 شهد هجرة نحو سبعة الآف منهم إلى إسرائيل وهو العدد الأكبر منذ قيام الكيان الصهيوني سنة 1948. إنما هل سيحمي هذا إسرائيل؟

ختاماً، هل كان من الممكن تفادي “شارلي هيبدو”؟

إنه سؤالٌ صعب ومعقد!

————————————–

(*) رئيس تحرير جريدة “الأنباء” الالكترونيّة

Facebook: Rami Rayess II

Twitter: @RamiRayess

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس

عن الخرائط التي تُرسم والإتفاقات التي تتساقط!

التسوية شجاعة وإقدام!

الأحزاب وبناء الدولة في لبنان

أعيدوا الاعتبار لـ “الطائف”!

الإعلام والقضاء والديمقراطية!

وفروا مغامراتكم المجربة… واقرأوا!

عن “الأقوياء في طوائفهم!”

ما بعد الإنتخابات النيابية!

لمن سأقترع في السادس من أيّار؟

إنه السادس من أيار!

لائحة المصالحة: قراءة هادئة للعناوين والتطلعات

لا، ليست إنتخابات عادية!

عن تجاوز الطائف والأكلاف الباهظة!

الشعب الإيراني يريد النأي بالنفس!

الإصلاح ثم الإصلاح ثم الإصلاح!

للتريث في قراءة مفاعيل التريث!

كيف ستنطلق السنة الثانية من العهد؟

تغيير مفهوم الإصلاح!

“حبيبتي الدولة”!

من حقّ الناس أن تتعب!