فريد الأطرش وتفرُّده بالعالمية في ذكراه الأربعين

محمود الاحمدية

هذه مقالتي الأخيرة عن الموسيقار الخالد قبل صدور كتابي الجديد “فريد الأطرش العالمي نابغة عصره” وذلك خلال الشهر القادم شباط 2015… والحقيقة أنّ هناك حقائق رائعة وموثَّقة تؤكّد يومًا بعد يوم أنّ هذا الفنّان العظيم نهد إلى العالمية وكان له ما أراد… ويشرّفني أن أذكرَ بعض الأحداث التي كان فريد محورَها ولها دلالاتها الهامّة.

شارل أزناڤور المطرب الفرنسي العالمي الذي زار مصر ثلاث مرّات عام 1952 قبل الثورة المصرية بعدّة شهور وعام 1970 وعام 2008 وكان ذلك في 4 كانون الثاني عام 2008 أثناء زيارته إلى القاهرة وبعد أن قدّم حفلتين الأولى في أوبرا القاهرة والثانية في الإسكندرية، وأُقيمت له مناسبات تكريمية أهمّها تلك التي جمعته في القاهرة بوزير الثقافة المصري وبالصحافة المصرية والعالمية في مؤتمر صحفي، وردًّا على سؤال لأحد الصحافيين العرب: لمَن تسمع من الفنّانين العرب؟ أجاب حرفيًّا: عبد الوهاب وأم كلثوم أصدقائي وأقولها بكل تواضع إنّني كنتُ السبب في مجيء أم كلثوم إلى الأولمبيا في باريس ولكن اسمحوا لي أن أقولَ إنّ معشوقي بامتياز وبالمطلق فريد الأطرش ومؤمنٌ بموسيقاه وعبقريّته!!!

وكانت مفاجأة صدمت الكثيرين، فتقدّم أحد الصحافيين وبطريقة انفعالية وكأنّ كلام أزناڤور كان من المحرَّمات القول بتفرُّد فريد الأطرش على الصعيد العربي فسأله: لماذا فريد الأطرش بالذات؟ كان جواب أزناڤور هادئًا ومذهلاً: لأنّه بكلّ بساطة حافظ على شرقيّة الموسيقى في نفس الوقت الذي تأثّر فيه بالموسيقى الغربية وطوّر الموسيقى الشرقية بطريقة إبداعية مازجًا بين أصالته كشرقيٍّ وتأثُّره بموسيقى الغرب ممّا خلق مزيجًا نستطيع القول إنّه عالميّ والدّليل على ذلك أنّنا نجد تطبيق التوزيع الأوركسترالي ممكنًا لأغلبية أغاني فريد الأطرش.

fared

حادثةٌ ثانية تُذهل من يقرأها! هناك حقيقة واقعة أنّ الشعب الإنكليزي كان ولا يزال يعشق “الفوتبول” والشاي و”البيتلز”… وأمام أنظار العالم أجمع عندما قدّم “البيتلز” أسطوانتهم الأشهر Revolution 9 قالوا في مؤتمر صحفي: جزءٌ من هذه الأسطوانة مأخوذٌ من أغنية “أوّل همسة” للموسيقار العربي فريد الأطرش!! تصوّروا!!

الحادثة الثالثة بتاريخ 7 أيلول عام 2009، وفي مجلّة فرنسية Mondo Mix، ريبورتاج ضخم من عشر صفحات تحت عنوان “ملوك السينما في العالم من الممثِّلين المطربين”.. المقصود بالأفلام هي الأفلام الموسيقية في العالم أجمع… وكتبوا اللائحة بالأسماء على الشكل التالي: تينوروسي – فريد أستير – ألفس برسلي – فريد الأطرش – بيتر ألكسندر – كلوديو فيلا – أنطونيو مولينا – وأخيرًا كاريل غوت، ومرفق مع هذه اللائحة دراسة مستفيضة عن كلّ نجم منهم وتبرير وضع اسم فريد الأطرش بين هذه الأسماء كان باختصار شديد أنّه مثّل 31 فيلمًا موسيقيًّا سينمائيًّا، ما يعادل مجموع ما مثّله كافّة المطربين الآخرين، ومضمون هذه الأفلام أشهر الأغاني التي شكّلت تطوُّرًا ملحوظًا في عالمَي السينما والموسيقى.

الحادثة الرابعة المؤتمر الصحفي الذي أقامه المطرب الأشهر حاليًّا الشاب خالد بعد حفلته في أولمبيا باريس بإدارة برونو كوكاتريس، وعندما تهافت عليه الصحافيون الأجانب وبعد نجاحه الكبير، سألوه السؤال التّقليدي: بمَن تأثّرْتَ من الفنّانين العرب؟ فردَّ بجرأة: في بداية رحلتي الفنيّة في الجزائر تأثّرت بشكل خاص بالموسيقار فريد الأطرش… والشاب خالد حاليًّا يُعتبَر بالبُعد العالميّ الأوّل شهرةً بين زملائه العرب.

الحادثة الخامسة موقع YAG MUSIC البلجيكي والذي يدخله ستمائة ألف شخص أسبوعيًّا، وهو خاصٌّ بموسيقى الزمان الجميل في كل أنحاء العالم، ويُعتبَر فريد الأطرش بين الموسيقيين الذين يتابعهم أكثرية مشاهدي هذا الموقع معَ كورتني لوڤ وبلازا فرنشا وشت فاكر… إنّها مفخرة لا نستطيع نكرانها…

أمّا الحادثة السادسة فيختصرها الفيلم الفرنسي Emma Ville حيث استعمل المخرج في مقدّمته أغنية “قلبي ومفتاحه” لفريد الأطرش كاملةً باللغة الفرنسية بعنوان “Elle est d’ailleurs” وغنّاها المطرب الفرنسي Pierre Bachelet.

أمّا الحادثة السابعة في مجلّة GQ Magazine الفرنسية والتي لها فروع في بلجيكا، إسبانيا وإنكلترا، وبتاريخ 4 شباط عام 2011 وكان نهار جمعة كتب ريبورتاجًا مدوِّيًا بعنوان “الأيقونات الخمسة عشر لمصر في العالم والتي علينا معرفتها”، وقالت حرفيًّا: بعيدًا عن كليوباترا وتوت عنخ آمون، هناك 15 شخصيّة مصريّة في مختلف الإبداعات حفروا أسماءهم في ذاكرة التاريخ. والمفاجأة الكبرى أنّه بتين السياسيين ذُكر اسم جمال عبد الناصر وبين المطربين ذُكر اسم فريد الأطرش.

هناك العشرات من الإبداعات تضيق بها سطور هذه المقالة وإن شاء الله كتابي القادم سيحتويها. إنّها تُثبّت بشكل جميل وقاطع عالمية هذا الفنّان العبقري الذي قال عنه الأديب المصري الكبير إحسان عبد القدوس: “لقد ظُلم فريد الأطرش في المرئي والمقروء والمسموع كما ظُلم المتنبّي في كتاب أبي فرج الأصفهاني (الأغاني)، ولكن بقي المتنبّي أميرًا للشعراء وبقي فريد الأطرش أميرًا للفنّ”.

 

 

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة