عملية فرنسا.. البداية؟!

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

بداية العام 2015 تميّزت بعمل توقعناه في فرنسا وقد تليه أعمال أخرى في الدولة ذاتها وفي دول غربية غيرها. واختيار الهدف في باريس كان مدروساً. والعملية الأمنية كانت أيضاً محضّرة بشكل دقيق ضمن تنفيذها وتحقيق نتائجها. فاستهداف صحيفة «شارلي إيبدو» له معناه ومغزاه. ومجرّد الحديث عن استهدافها يؤشر إلى الجهة المنفذة ولاسيما بعد الحملة التي تعرضت لها الصحيفة عندما نشرت صوراً كاريكاتورية تسيئ إلى الإسلام وشعائر المسلمين وطقوسهم ورموزهم فكانت الحملة ردّة فعل على ذلك. والتوقيت مدروس، فالعملية جاءت بعد سلسلة من الحملات ضد المحجبات في فرنسا. وضد المسلمين فيها والمهاجرين إليها. ومظاهرات مشابهة في ألمانيا. وتفجير المساجد في السويد. والتدخل الفرنسي في ليبيا ومالي وتشاد والمشاركة في «التحالف الدولي» لضرب تنظيم «داعش» الإرهابي في سوريا والعراق، والإعلان عن إرسال البارجة البحرية شارل ديغول إلى المنطقة للمشاركة في عمليات التحالف المذكور. وكذلك جاءت في وقت تصوّت فيه فرنسا في برلمانها والبرلمان الأوروبي لمصلحة الاعتراف بدولة فلسطين، ثم توافق على مشروع القرار الذي تقدم به الفلسطينيون إلى مجلس الأمن لتكريس هذا الاعتراف، مما أثار عاصفة من الانتقادات داخل إسرائيل.

وفي الوقت ذاته أبدت فرنسا تشدداً ضد إيران ومشروعها النووي وكانت مواقفها صعبة في مفاوضات طهران مع مجموعة 5+1… وتشدداً في وجه النظام السوري.
ماذا يعني ذلك وفي المشهد تناقضات أو محاولات لتكريس توازنات أو استقلال في حالات معينة عن السياسات الأميركية وأحياناً الأوروبية؟

لا شيء يبرر هذا العمل ضد الصحيفة الفرنسية ورسّاميها وموظفيها وفرنسا وقيمها عموماً وإن جاء في سياق ردّ فعل كما ذكرنا. فكما كان رفض لما نشرته الصحيفة واعتبر إساءات للمسلمين فرفض الانتقام بهذه الطريقة له أيضاً موقعه في التعليق على ما جرى وفي تقييمه.

إلا أن المستفيد الأول ويكاد يكون الوحيد من هذا العمل هو إسرائيل، يليها اليمين الفرنسي المتطرف وحالات التطرف عموماً. إسرائيل استغلت وستستغل هذه العملية لتدّعي صحة وجهة نظرها أن «الإرهاب الإسلامي» الذي تواجهه هو حالة تستهدف «العالم الحر»! كله وليس أمنها هي فقط. ولذلك ينبغي توفير كل الضمانات لها وعدم التعاطي بأي وجه من الوجوه مع المنظمات والحالات التي تقوم بمثل هذه الأعمال أو تؤيدها أو تبررها ولو في إطار رد فعل ما أياً يكن هذا الردّ فعل. ولا ننسى أن إسرائيل قامت بحملة ضد قرار المحكمة الأوروبية بشطب اسم حركة «حماس» من لائحة الإرهاب، وتنظيم حملة شنيعة ضد إعلان أمين عام الأمم المتحدة «بان كي مون» الموافقة على انضمام فلسطين إلى عضوية محكمة الجنايات الدولية لأنها ليست «دولة ذات سيادة»! وتنسجم في ذلك مع الموقف الأميركي. إسرائيل التي تلقفت الشعارات التي رفعت في فرنسا من قبل البعض والدعوات لمواجهة «الفاشية الإسلاموية» تريد التركيز على أن أصل الصراع وسبب استمراره في منطقتنا ليس القضية الفلسطينية بل هذا الفكر وهذا الإرهاب المتفرّع منه. وثمة مخاوف حقيقية برزت في السنوات الأخيرة وبعد تطورات الحرب السورية والتطورات الأخيرة في العراق، داخل الدول الغربية تعبّر عن القلق الكبير من عودة «جهاديين» من دول غربية إلى بلادهم لتنفيذ عمليات على أراضيها، وبات هذا الأمر يحتل الأولوية. وفي هذا السياق إسرائيل التي تستعد لانتخابات في الأشهر المقبلة ستستفيد من هذا العمل إلى أقصى الحدود لتبرير كل ما قامت وما ستقوم به ضد الفلسطينيين. وموجة التطرف ستتمدد أكثر في الغرب والعرب سيكونون المتضرر الأكبر مما يجري. ولا حلّ في سوريا ولا حلّ في العراق قريباً ولا في ساحات الحروب الأخرى بل سنشهد تنامي موجات «العنف» و«التطرف» و«الإرهاب» وحمامات الدم المفتوحة والصراعات على أرضنا خلال هذا العام. ولابدّ من تركيز الأنظار على ليبيا. أما إيران فبالتأكيد وكما هو ظاهر حتى الآن ستعرف كيف تقدّم نفسها في هذه المواجهة لتعزّز دورها وموقعها.

أحداث كثيرة وكبيرة دموية وتطورات سياسية سيشهدها عام 2015 لا أدري إذا كان العرب سيتعلمون مما سبقها ويحاولون تجنب السيئ ومعرفة كيفية التعاطي مع الآتي المرتقب. لست كثير التفاؤل.

عملية فرنسا هي البداية.