هل تستمر أسعار النفط العالمية بالإنخفاض؟

بعيدا عن الأوضاع المحلية والتطورات العسكرية المتسارعة في المحيط والجوار تتجه أنظار المراقبين نحو أسعار النفط العالمية المستمرة في الإنخفاض من دون وجود أي مؤشرات تدل على أن هذا الإنخفاض سيوف يرسو على سعر محدد. وبطبيعة الحال فأن المراقبين يجمعون بأن ما يجري في أسعار النفط قد يكون سبب رئيسيا لحصول مزيد من الخضات والأزمات السياسية والإقتصادية العالمية والإقليمية

إلى ذلك،تراجعت أسعار النفط العالمية مجددا بعد توقف ليوم واحد، وذلك بعدما فاجأت زيادة في مخزونات الخام الأميركية المستثمرين، الذين كانوا يتوقعون انخفاضها، وهو ما يزيد المخاوف من تخمة المعروض التي ألحقت الضرر بالأسعار على مدى ستة أشهر.وقالت إدارة معلومات الطاقة الأميركية، إن مخزونات الولايات المتحدة من النفط الخام زادت 7.3 مليون برميل في الأسبوع الماضي، لأعلى مستوى مسجل لها في أحد شهور ديسمبر. وكان المحللون يتوقعون انخفاضا قدره 2.3 مليون برميل.

وكانت أسعار النفط منخفضة بالفعل في تعاملات هزيلة وواصلت خسائرها بعد بيانات إدارة معلومات الطاقة. ونزل الخام ما يصل إلى دولارين. وتأرجح سعر برنت حول المستوى 60 دولارا، كما تحرك الخام الأميركي قرب 55 دولارا.ونزلت العقود الآجلة للنفط الأميركي لشهر أقرب استحقاق عند التسوية 1.28 دولار أو 2.24 في المئة، إلى 55.84 دولار للبرميل بعدما نزلت لأدنى مستوى لها في الجلسة 55.07 دولار للبرميل.وانخفضت عقود خام النفط القياسي الأوروبي برنت لشهر أقرب استحقاق عند التسوية 1.45 دولار أو 2.35 في المئة، إلى 60.24 دولار للبرميل بعدما نزلت في وقت سابق إلى 59.37 دولار للبرميل.

وقد أشار تقرير نشر على موقع دوتش فيلي الإلماني بأنه نادرا ما دار الحديث عن أسعار النفط في سنة واحدة كما في هذه السنة. ولا عجب في ذلك على ضوء الهبوط الحاد للأسعار. في الأفق لا تلوح علامات على التحسن، ومن المتوقع أن يشهد عام 2015 اضطرابات في الأسعار، كما يرى هينريك بومه.

ويضيف التقرير بأنه أينما يتم استهلاك النفط، تعمّ الفرحة منذ أسابيع. وتكلفة ملئ خزان سيارة باتت أقل بكثير من بداية العام، ومن يملأ خزان بيته بزيت التدفئة يدفع أقل من العام السابق. وطبقا لحسابات الخبراء، فإن أصحاب السيارات في ألمانيا وحدها وفروا خمسة مليارات يورو هذه السنة مقارنة بسابقتها. وهذا المبلغ ينفق لشراء أشياء أخرى، وهو ما يقوي الطلب الداخلي وينعكس إيجابا على حالة الاقتصاد.والصادرات الألمانية لديها ما يدعو للفرحة كذلك، فبسبب انخفاض سعر صرف اليورو ازداد الإقبال على البضائع الألمانية. وهذا دفع بعدد من الباحثين الاقتصاديين إلى توقعاتهم أفضل عن حالة الاقتصاد الألماني للسنة القادمة. فهل ستشهد ألمانيا ومنطقة اليورو عاما اقتصاديا جيدا في 2015؟

على الأغلب لا، إذا ما بقي سعر النفط منخفضا على ما هو عليه الآن. التوتر باد بوضوح على الأسواق العالمية، والصعود والهبوط في أسواق البورصة خلال الأسابيع الماضية خير دليل على ذلك. وإذا استمر هبوط سعر النفط، فقد تقع منطقة اليورو في فخ الانكماش الخطير. وبسبب توقع استمرار انخفاض سعر النفط يؤجل كثيرون صفقات مشترياتهم الكبيرة، والشركات تتلكأ في تنفيذ خطط الاستثمار. كما إن هبوط مستوى الطلب يؤدي إلى استمرار هبوط الأسعار، وفي النهاية هناك خطر الركود، واليابان، التي هي ثالث أكبر اقتصاد في العمل، خير مثال على ذلك.

وهناك مصدر آخر للخطر يتمثل في الدول النفطية ذاتها. في بعض هذه الدول هناك تهديد بوقوع اضطرابات كبيرة وخاصة في روسيا وفنزويلا، اللتين تعتمدان أكثر من غيرهما من الدول النفطية على عائدات النفط. فبالنسبة لروسيا، يظهر واضحا التأثير الكبير للعقوبات الدولية وهبوط أسعار النفط. لقد انخفض سعر صرف الروبل إلى الحضيض، وأصحاب رؤوس الأموال يهربونها إلى الخارج وفقدت الثقة في اقتصاد البلاد. ومن لا زال يعتقد بأن إفلاس امبراطورية بوتين سيتم بدون أن يترك أثرا على الغرب، فهو خاطئ. لأن ما يجري اليوم في روسيا يذكر كثيرا بأزمة الدول الصاعدة في نهاية التسعينات، آنذاك ساعد البنك الدولي وصندوق النقد روسيا بمليارات الدولارات. غير أن مثل تلك المساعدة غير ممكنة في ظل الوضع السياسي الراهن. وإذا ما أصبحت روسيا عاجزة عن الدفع، فسوف يتوجب على الباحثين الاقتصاديين إعادة النظر في توقعاتهم.

الولايات المتحدة أيضا، كدولة منتجة للنفط، وواحدة من كبرى الدول المنتجة وتتحمل بذلك قسطا من المسؤولية في إغراق السوق وبالتالي في هبوط أسعار النفط، تعاني بدورها من مخاطر: فقد حصلت صناعة استخراج النفط من الصخور والمعروفة باسم Frackingعلى قروض بأسعار فائدة عالية جدا، وإذا ما أفلست هذه الشركات وعجزت عن سد ديونها، فإن أمريكا مهددة بانهيار اقتصادي لا يقل عن الانهيار، الذي سببه قطاع العقارات عام 2008. ومن المدهش أن يعترف وزير النفط السعودي، ولأول مرة علنا، أنه قلق على قوة السوق السعودية. إذ كلما انخفض سعر النفط، إلا وانخفضت قوة السوق السعودية.

وفي السياق عينه،شدد وزير النفط السعودي علي النعيمي، الرجل القوي في أوبك، على أن السعودية لن تعمل على تخفيض إنتاج النفط حتى وإن بلغ سعر البرميل الواحد عشرين دولارا، في وقت سجل فيه ارتفاع طفيف لأسعار النفط في الأسواق الآسيوية.وأكد في مقابلة مع نشرة “ميس” الاقتصادية أن منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) لن تخفض إنتاجها حتى ولو بلغ سعر البرميل عشرين دولارا. وذكر النعيمي الذي طالما اعتبر الرجل الأكثر تأثيرا في سوق الطاقة، إنه ليس من العدل أن تقوم أوبك بخفض إنتاجها لوحدها من دون الدول المنتجة من خارج المجموعة. وقال “لو نزلت الأسعار إلى 20 دولارا أو أربعين أو خمسين أو ستين، فهذا ليس مهما”.

ودافع النعيمي في مقابلته الصريحة والمباشرة بشكل ملفت، عن قرار أوبك الشهر الماضي الإبقاء على مستويات إنتاجها من دون تغيير عند ثلاثين مليون برميل يوميا بالرغم من الانخفاض في الأسعار. ودفع قرار أوبك أسعار الخام نحو مزيد من الانهيار. وتراجعت أسعار الخام بنسبة 50% منذ يونيو/ حزيران الماضي على خلفية تراجع في الطلب واقتصاد عالمي ضعيف.

وعادة كانت  السعودية تتدخل في الماضي لموازنة العرض والطلب في السوق النفطية العالمية عبر رفع أو خفض إنتاجها، لكونها الدولة الوحيدة التي تملك فائضا كبيرا في القدرة الإنتاجية بحسب صندوق النقد الدولي. وتنتج المملكة نحو 6,9 مليون برميل يوميا إلا أن النعيمي اعتبر أن خفض السعودية لإنتاجها يعني خسارة حصتها من السوق لصالح منتجين من خارج أوبك، وهو أمر ينم عن “منطق ملتو”. وأضاف “إذا خفضت الإنتاج، ماذا سيحصل بحصتي في السوق؟!، السعر سيرتفع وسيستولي الروس والبرازيليون ومنتجو النفط الصخري الأميركي على حصتي”.

بدوره،قال وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف، الجمعة، إن اقتصاد بلاده قد ينكمش بنسبة 4% العام المقبل، وإن الموازنة قد تسجل عجزا يزيد على 3% من الناتج المحلي الإجمالي، إذا بلغ متوسط سعر النفط 60 دولارا للبرميل.وأبلغ سيلوانوف الصحفيين أن وزارته أعادت النظر في توقعاتها للموازنة للأخذ في الاعتبار وصول سعر النفط إلى 60 دولارا للبرميل.وأضاف أنه يتوقع وصول متوسط سعر صرف الروبل إلى نحو 51 روبل للدولار في 2015.وذكر الوزير أن بنك “في.تي.بي” التابع للدولة قد يحصل على 100 مليار روبل (1.9 مليار دولار) من صندوق الثروة الوطني بنهاية العام، و150 مليار روبل أخرى في 2015، بينما قد يتلقى “غازبروم بنك” 70 مليار روبل في العام الحالي أو المقبل.

____________

(*) – إعداد: هشام يحيى