تقاطعات إقليمية حولت سوريا الى ساحة معارك كرّ وفرّ

خرجت الحرب السورية عام 2014 من لائحة أولويات واهتمامات دول القرار، لا بل اتفق المراقبون العاملون على فك ألغاز السياسات الدولية، على أن الأزمة السورية شكلت نقطة تقاطع والتقاء للمصالح الدولية المتناقضة، ما ابقى النار السورية مشتعلة وفي حرب اقل ما يمكن تسميتها بمعارك الكرّ والفر.ّ

منذ ان سحبت الولايات المتحدة الاميركية والوكالة الدولية للطاقة الذرية، السلاح الكيميائي من يد النظام السوري، فقد النظام قوته الاقليمية، وبات مصيره مرتبط بصراع الدول، حيث نجحت الولايات المتحدة أيضاً في تشتيت قوة المعارضة الصاعدة، بحجة عدم وجود بديل عن الاسد من جهة، والخوف من سيطرة المجموعات الاصولية، من جهة أخرى. إلاً ان حقيقة الامر تكمن في ان روسيا كما اميركا، لا ترغبان في انهاء الازمة السورية، على الرغم من اتفاقهما على آلية الحل في جنيف 1، واختلافهما على تفسيره، ما جعل من لقاء جنيف 2 عراضة اعلامية، بينت هشاشة الموقف الدولي وعجزه عن اتخاذ اي موقف اخلاقي من المجازر المرتكبة بحق الشعب السوري.

هذا العجز او التغاضي الدولي تجاه مأساة الشعب السوري، يعيده البعض الى التزام كل من موسكو وواشنطن موقف تل أبيب، من الازمة السورية على حدودها الشرقية والشمالية وانعكاس هذه الازمة على قوة حزب الله الغارق في تلك الحرب، وبالتالي فإن استمرار الازمة في سوريا يشكل حرب استنزاف لكل من ايران وتركيا ودول الخليج العربي، وبالتالي فإنها تغرق سوريا التي شكلت على مدى عقدود من الزمن قوة دعم لجبهات المواجهة مع اسرائيل.

ويعتقد المراقبون المتابعين لسير الاحداث في المنطقة، إن ظهور تنظيم (داعش) وسيطرته على أجزاء واسعة من سوريا والعراق، شكل عنصر اساسي في عناصر تغيير موازين القوى في الحرب السورية، لا بل قلب اتجاهات تلك الحرب، ومهد لإعادة تشكيل تحالفات المنطقة لا سيما في العراق، إلاّ أن المراقبين يعتقدون ان الصراع في سوريا لا زال يتمحور بين (ايران – السعودية)، وإن ظهور (داعش) شكل عنصر مفاجئة للطرفين، الذين حاولا كل على طريقته الاستفادة منه، على الرغم من تأثيره السلبي على الطرفين.

تركيا ايضا لعبت ادوار متناقضة تجاه الأزمة السورية، انعكست سلبا على وحدة المعارضات المختلفة، وقدرتها في تشكيل جبهة متراصة سياسية وعسكرية، ما أسهم في تفلت الجبهات القتالية وتناحر الفصائل فيما بينها، وإضعاف ثقة الشعب السوري بقياداته وبثورته المباركة.

أما ايران التي تدعم النظام السوري وتدفع بقوات حزب الله وبعض الميليشيات الشيعية في العراق ونخب من الحرس الثوري الايراني للدفاع عنه، تنظر الى سوريا كممر إلزامي يوصلها الى المياه الدافئة على شواطئ البحر المتوسط، سيما وأن حزب الله الرابض على الحدود مع فلسطين يوفر لها موقعا شرعيا متقدما في العالم الاسلامي في مواجهته المفتوحة مع اسرائيل مغتصبة بيت المقدس، بعد ان وفر لها تمددها في العراق من خلال حزب الدعوة، والميليشيات الشيعية، قيادة الطائفة الشيعية في العالم حيث تمسك بمرجعياتها ومواقعها المقدسة (النجف وقم وكربلاء).

لقد شكل التمدد السريع لتنظيم (داعش) قوة تأثير في موازين القوى الاقليمية في المنطقة، وشكل عنصر تهديد وتأثير على “الكوريدور” الايراني الممتد من طهران الى بغداد الى دمشق الى حارة حريك في بيروت، إلا أنه وفر أيضاً لايران وحلفائها شرعية دولية في محاربة الاصوليات “الارهابية” التي تحاربها دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية، لكن وجود (داعش) اعطى للمملكة العربية السعودية وحلفائها فرصة مواجهة التطرف الذي غذته ايران في المجتمع السني، وبات بامكانها تزعم قوى الاعتدال في المنطقة، ما مكنها ايضا من اعتبار ايران دولة متطرفة تدعم التطرف، كما وفر لها فرصة التأثير على قوى التحالف الدولي والاعتراض على ضم ايران الى جبهته.

بالتوازي مع تأثير ظهور (داعش) على حل الازمة السورية وتعقيداتها المرتبطة بالصراع السعودي – الايراني، المرتبط جذريا بالحوار الغربي الايراني حول الملف النووي، برز ايضا تأثير آخر للأزمة الأوكرانية على سوريا من خلال الموقف الروسي وتبدلاته، فروسيا الغارقة في أزمة مصالح ونفوذ مع الولايات المتحدة الاميركية، أدخلت نفسها في ازمة أوكرانيا الداخلية ومن خلالها في مواجهة مع الاتحاد الأوروبي، ضن حينها قادة الكريملين ان باستطاعتهم العودة الى الحرب الباردة، وتشكيل تحالف دولي يمتد من الشرق الاوسط الى ايران الى الصين الى اميركا اللاتينية الى اوروبا، الذي سرعان ما تهاوى مع صعود أزمة انخفاض اسعار النفط العالمية، حيث وجدت كل من ايران وروسيا نفسيهما مكبلتين برزمة قيود وعقوبات دولية أرهقت اقتصاداتها.

كل تلك الملفات والازمات المتداخلة والمتناقضة تنعكس على الأزمة السورية وعلى قدرة المبعوث الدولي في تسويق مشروعه بإقامة منطقة امنة في حلب، والتي لا تبدو انها ستسلك طريقها الى النجاح، ما لم يعود الملف السوري الى اولوايات الملفات والمصالح الدولية والاقليمية. مصير خطة ديمستوراه المعقدة، تحددها طبيعة المعارك المشتعلة بين المتقاتلين على الجبهات المختلفة، والتي تبدو انها في حال كرّ وفرّ، او في حالة رسم حدود لنفوذ هذا التحالف او ذاك، حيث انحسرت قوة النظام على مساحة لا تزيد عن 30 % من مساحة سوريا، وتراجع فاعلية قصف طائراته الحربية الا على المدنيين العزل، حيث يسقط يوميا ما يزيد عن 45 مدنيا من جراء قصفها العشوائي على الاحياء السكنية.

التصعيد العسكري المستجد في سوريا بين النظام والمعارضة يربطه بعض المراقبون بالتحرك الروسي الجديد الذي انطلق منذ اسابيع قليلة للبحث عن حل سياسي للأزمة السورية، على وقع متغيرات الموقف الروسي، قد يتعثر ما لم تواكبه ايران بمواقف ايجابية، واخرى من العارضة المدعومة من المملكة العربية السعودية التي بدأت إجراء اتصالات فيما بينها لعقد مؤتمر تمهيدي في القاهرة في غضون أيام، وذلك بغية خلط الأوراق والبحث في عناصر التسوية الروسية.

————————————

(*) فوزي ابوذياب