“الأنباء” تكشـف تفاصيل وخفايا مناقصة تأهيل معملي الذوق والجية!

تحقيق: نضال داوود

بين إعادة تأهيل معملي الذوق والجية لإنتاج الطاقة الكهربائية بكلفة 380 مليون دولار، وبين إنشاء معملين جديدين بكلفة موازية وأكثر تطوراً، أي من الخيارين سيأخذهما مجلس الوزراء عند مناقشته كتاب رئيس مجلس الإنماء والإعمار الذي يتضمن خيارات متعددة حول إما إعادة تأهيل وتطوير المعملين أو السير ببناء معملين جديدين،  أم سيأخذ بتوصيات وزير الطاقة والمياه ارثيور نظاريان التي رفعها إلى رئاسة مجلس الوزراء بتاريخ 6/9/2014، بالكتاب ذي الرقم 2403/م.ص، والذي يخلص إلى إعتماد خيار المضي بتأهيل معمل الذوق، وإستبدال معمل الجية بآخر جديد.

مِمَّا لا شك فيه أن ملف الكهرباء يعتبر من الملفات الشائكة، والمكهربة في البلد منذ عشرات السنين. كما وأن هذا القطاع يكلف الدولة اللبنانية ملياري دولار أميركي سنوياً من دون تأمين هذه الخدمة الحيوية بشكل مستمر، لا للمواطن ولا لحاجات  الاقتصاد الوطني. هذا الملف يفرض نفسه على طاولة مجلس الوزراء لجهة البت به بصورة نهائية، إنطلاقاً من الخيارات المطروحة، الموضوعة من الوزير المختص، والجهة المكلفة بإجراء مناقصات التأهيل، أي مجلس الإنماء والإعمار، بدل الاستمرار في الاتكال على الطاقة الإنتاجية للباخرة “فاطمة غول”.

أي من الخيارين سيرسو عليه مجلس الوزراء حين مناقشته الجدية لهذا الملف؟ وإلى حين أن تدق الساعة للتعاطي الرسمي معه، ومع إستمرار ترحيل المعالجة من جلسة إلى أخرى، تكشف “الأنباء” تفاصيل متعلقة بالمناقصة التي أجراها مجلس الإنماء والإعمار، والتي لم ترسو على أي من الشركتين اللتين تقدمتا للمناقصة، لإن كلفة التأهيل تتجاوز الكلفة التقديرية التي وضعتها الشركة الاستشارية “كيما”. فما هي تفاصيل المناقصة؟

يصف مصدر مسؤول مِمَّن أمضى عقوداً في قطاع الإنتاج الكهربائي وضع معمل الجية راهناً بالـ”سيء جداً”. ويقول لـ”الأنباء”: وضعت المجموعتان اليابانيتان في الخدمة عام 1970، وبعد 45 عاماً من الخدمة، يجب إستبدالهما بأخرى جديدة. أما المجموعات السويسرية الثلاث الموضوعة بالخدمة في العام 1980، فتحتاج إلى تأهيل. أما بالنسبة لمعمل الذوق، فيرى المصدر أن “ما ينطبق على معمل الجية، ينطبق على معمل الذوق، الموجود في منطقة سكنية وشعبية، إذ لا يمكن الاستغناء عنه، لوجود بنى تحتية قوية ومتينة”.

electricty-123

ويتابع المصدر: “المجموعات الموجودة في معمل الجية كانت تخضع للصيانة الدورية من قبل الشركة الأم، لما يعرف بالتجهيزات الإستراتيجية، فيما الشركات المحلية كانت تجري الصيانة للتجهيزات العادية. لكن هذه الصيانة تراجعت لأسباب معروفة، مضاف إليها عامل مرور الزمن، ما يجعلنا اليوم أمام حاجة ملحة لتأهيل المجموعات الموجودة واستبدال أخرى بجديدة”.

إلا أن المصدر يرى أنه “إذا كان هناك من إستراتيجية توسعية للإنتاج للمستقبل، يجب بناء معامل جديدة، على أن يباشر بناءها اليوم، وبعد إستدراج العروض، لتوضع بالعمل بعد ثلاثة أعوام. وإذ يشدد على أن ضبط قطاع الكهرباء يحتاج إلى إدارة جيدة، ويجد ضرورة إعتماد معامل لإنتاج الكهرباء على الغاز الطبيعي والمسال، يعود ويشدد على ضرورة تأهيل المجموعات السويسرية في معمل الجية مع أفضلية هدم المجموعتين اليابانيتين وإستبدالها بأخرى جديدة، قوة كل مجموعة بين 150 و200 ميغاوات. وبعدما توقف عند خيارات وزير الطاقة، إعتبر أنه يجب إعادة تأهيل معمل الذوق، وإجراء الأمور الضرورية لإعادته إلى قدرته الإنتاجية السابقة.

أما على صعيد المناقصة، وما شهدته من مراحل،  فيقول مصدر مطلع على ملف إعادة تأهيل وتطوير هذين المعملين أن “القرار بإعادة تأهيل معملي الذوق والجية إتخذ في وزارة الطاقة والمياه ومؤسسة كهرباء لبنان التي كلفت الشركة الإستشارية “كيما” لوضع دفتر شروط لملف التلزيم”.

ويتابع المصدر: “تسلم مجلس الإنماء والإعمار في 12/8/2011  ملف التلزيم من مؤسسة كهرباء لبنان، الذي، وبعد دراسته ، حوله إلى مجلس الوزراء الذي وافق عليه في 2012 ، وطلب من المجلس إعداد المناقصة  لتأهيل المعملين، وفقاً لشروط الملف. ويشمل الملف أعمال التأهيل 4 وحدات إنتاجية في معمل الزوق، وهي الوحدات 1 و2 و3 و4، والتي يعود تاريخ إنشاءها إلى 1984 و1987، فيما يطال تأهيل الوحدات الإنتاجية من معمل الجية، الأولى والثانية التي تعود إلى العام 1971 والوحدات 3 و4 و5 إلى العام 1980 – 1981.

ملف التلزيم الذي وافق عليه مجلس الوزراء، كان مجلس الإنماء والإعمار – بحسب المصدر، لحظ  ثلاث مراحل لدراسة عروض الشركات، بحيث تشمل المرحلة الأولى تأهيل الشركات العارضة للنظر بمدى إستيفائها للشروط المطلوبة بملف التلزيم، فيما المرحلة الثانية تتناول التقييم الفني للعروض، أما المرحلة الثالثة فتتعلق بتقييم الملف المالي للعروض.

ويشير المصدر إلى أن الإستشاري “كيما”، كان قد وضع كلفة تقديرية لإعادة تأهيل المعملين، وقدرت كلفة تأهيل معمل الزوق لوحداته الأولى والثانية والثالثة والرابعة بمبلغ 177 مليون دولار، من ضمنها حوالي 5 ملايين دولار لقطع الغيار. أما كلفة تأهيل معمل الجية لمجموعته الأولى والثانية، فقدرتها الشركة الإستشارية بحوالي 53 مليون دولار، من ضمنها مليوني دولار لقطع الغيار، فيما كلفة المجموعات 3 و4 و5 بمعمل الجية، فقدرت كلفة تأهيلها بـ95 مليون دولار، منها 3 ملايين دولار لقطع الغيار، أي ما مجموعه 325 مليون دولار كلفة إجمالية لإعادة تأهيل المجموعات الحرارية في المعملين، وهي كلفة لا تشمل الرسوم والضرائب ولا أي مبالغ احتياطية.

kesserwen

وعلى أساس ما تضمنه دفتر الشروط، أطلق مجلس الإنماء والإعمار في 2012 المناقصة، فقدمت عروض من شركات أجنبية. والمفارقة، يقول المصدر انه “بالنسبة لمعمل الجية، تقدمت شركة واحدة لمجموعة الوحدتين الأولى والثانية، وشركتان للمجموعة الثالثة هما شركة الخرافي، وشركة CNEEC الصينية، فيما تقدمت الشركة الصينية نفسها ووإئتلاف “ميتكا – إنسالدو” لتأهيل معمل الذوق. الا انه – يقول المصدر- أن “مجلس الإنماء والإعمار وخلال دراستها العروض، تبين أن الشركة الصينية لم تضم إلى ملفها الكفالات التي نص عليها دفتر الشروط، ما إستدعى الطلب من مجلس الوزراء إعطاء مهلة قصيرة للشركة الصينية لتقديم كفالاتها، مما يتيح الحفاظ على عنصر المنافسة في المناقصة”.

إلا أن الشركة الصينية، يقول المصدر “عادت وطلبت مهلة إضافية، وافق عليها أيضاً مجلس الوزراء بموجب القرار 71 بتاريخ 3/10/2012، على أن لا تتعدى الأسبوع، لتقديم الكفالات المصرفية المؤقتة لتأهيل مجموعتين الذوق والجية”. غير أنه يضيف “أن  مجلس الإنماء والإعمار، وخلال دراسته عرض الشركة الصينية، تبين أنها لا تملك المؤهلات للمشاركة بالمناقصة، فيما إستوفى إئتلاف “ميتكا – أنسالدو” الشروط الفنية للإشتراك بمناقصة الذوق، وإنسحب الأمر على  شركة الخرافي بالنسبة للمجموعات 3و4و5 بمعمل الجية”.

وبذلك، يتابع المصدر: “وجد مجلس الإنماء والإعمار نفسه أمام عرض واحد في كل مناقصة، الأمر الذي إستدعى عرض الموضوع  على الصندوق الكويتي للتنمية الإقتصادية والاجتماعية، بصفته ممولاً لأعمال تأهيل معمل الجية، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، بصفته ممولاً لتأهيل معمل الذوق”.

وكانت النتيجة، يقول المصدر، أن “الصندوقين قد وافقا على فتح العرضين الوحيدين لمناقصة الوق والجية، بمقابل ربط الصندوق العربي موافقته على العرض عدم تجاوزه سعر الكلفة التقديرية الذي حدده الإستشاري “كيما” ، وإشترط الصندوق الكويتي الحصول على موافقة مجلس الوزراء للعرض المتعلق بالجية”. عاد مجلس الإنماء والإعمار ورفع هذا الأمر إلى مجلس الوزراء الذي وافق على طلب فض العرض الوحيد لكل مناقصة من مناقصتي  الذوق والجية.

غير أن المفاجأة، يقول المصدر أنه “عند فتح مجلس الإنماء والإعمار للعروض، تبين أن العرض المالي لإئتلاف “ميتكا – انسالدو” بلغ 298 مليون دولار لإعادة تأهيل مجموعات الذوق، فيما تقدير الاستشاري “كيما” لم يتجاوز حدود الـ172 مليون دولار، وعرض شركة الخرافي للوحدات الإنتاجية 3و4 5 بمعمل الجية بلغ حوالي 206 مليون دولار، فيما الاستشاري”كيما” كان قد  قدر كلفتها بـ92 مليون دولار.

وفي عملية تحليلية للعرضين الماليين تبين لمجلس الإنماء والإعمار أن كلفة تأهيل الكيلو وات الواحد في معمل الذوق، وبحسب العرض المالي المقدم من إئتلاف “ميتكا – انسالدو” سيبلغ فيما لو أرسيت المناقصة على العارض حدود 475 ألف دولار أميركي، فيما كلفة الكيلو وات الواحد في معمل الجية ستبلغ حوالي 983 ألف دولار أميركي وفقاً  للعرض المقدم من شركة الخرافي، في حال تمت ترسية الإلتزام عليها. يوضح المصدر” أن الارقام المذكورة أعلاه، والتي تتعلق بالكلفة المحتملة للتأهيل، سنداً للعرضين المقدمين، تشكل مؤشراً لضعف الجدوى الإقتصادية من إعادة تأهيل المعملين، لا سيما وأن مصادر متابعة لملف الكهرباء، كانت قد أشارت إلى أنه لو أخذت الدولة خيار بناء معامل جديدة، لن تتجاوز كلفة الكيلو وات الواحد المليون دولار.

إزاء هذا الواقع، وما خلص إليه التحليل المالي للعروض، قد عرض على مجلس الوزراء من قبل مجلس الإنماء والإعمار، بعدما كان قد تلقى المجلس كتاباً من وزارة الطاقة والمياه في 10/6/2013 تشير فيه إلى انها في صدد إجراء الدراسات اللازمة، لجهة إمكانية إزالة الوحدتين الأولى والثانية من معمل الجية، وإستبدالهما بوحدات جديدة، في حال توفر الاعتمادات اللازمة. كما وإقترحت الوزارة بكتابها هذا، صرف النظر عن تأهيل وتطوير الوحدتين الإنتاجيتين الأولى والثانية في الجية.

electricty-12

وإذ يكتفي المصدر بهذا القدر من المعلومات التي أدلى بها لـ”الأنباء”، فقد علمنا أنه بناءً على كل هذه المعطيات والوقائع، رفع رئيس مجلس الإنماء والإعمار المهندس نبيل الجسر كتاباً إلى مجلس الوزراء في حزيران 2014، شرح فيه وضع المناقصتين، وحدد فيه خياران لا ثالث لهما.

وبحسب ما توفر من معلومات، فإن الخيار الأول الذي تقدم به، يقضي بإعادة إجراء مناقصة لمعملي الزوق والجية مع إستثناء وحدتي الإنتاج الأولى والثانية في الجية، وذلك بعد قيام مؤسسة كهرباء لبنان بإعادة النظر بملف التلزيم، للإتاحة للمناقصة الجديدة توفر عنصر منافسة أفضل من المناقصة الأولى، ومشاركة عدد أكبر من الشركات في المناقصة الجديدة. أما الخيار الثاني الذي تقدم به الجسر فيقضي بصرف النظر عن التأهيل الشامل للمعلمين، والاكتفاء ببعض أعمال التأهيل الضرورية التي تقوم بها مؤسسة كهرباء لبنان، على أن تقوم الدولة بالتحضير لتلزيم إنشاء معملين جديدين، يحلان محل المعلمين الراهنين.

والسؤال اليوم، أي من الخيارين سيعتمد حين دراسته ما هو معروض على طاولته؟ وهل بإعتماده الخيار الثاني من شأنه أن يقلص من كلفة فاتورة الكهرباء المرتفعة بسبب ترهل المعملين، أم سيمضي قدماً بأعمال التأهيل؟

وإلى حين البت نهائياً بهذا الملف الشائك الذي لم يصل منذ سنوات عديدة إلى نهاية سعيدة، فإن الخيار الثاني بإعتقاد إختصاصيين كثر هو الأجدى والأنفع، لاعتقادهم بأن الجدوى الإقتصادية الأفضل تقضي بالاستثمار ببناء  معامل جديد.

ففي مقارنة تحليلية  لكلفة العرضين المقدمين لتأهيل الوحدات الإنتاجية في معملي الذوق والجية، بغية إنتاج 840 ميغاوات، يتبين أفضلية إنشاء معامل جديدة لأسباب عديدة، أبرزها أن معمل الجية  الذي تجاوز عمره الـ45 عاماً، والذوق ما يزيد عن الـ30 عاماً، ومن حيث  للمعايير الدولية راهناً، يحالا إلى التقاعد، ويوضعا خارج الخدمة، لبلوغهما السن القانونية للعمل، وثانياً، لكلفة صيانتهما المرتفعة، بموازاة إنتاجية وفعالية ضعيفة ولا تلبي الحاجة الفعلية.

وعليه، إذا كان من أهداف إعادة تأهيل المعملين زيادة سنوات الخدمة، بمعدل عشر سنوات للجية، و15 عاماً للذوق، فإن هدف اللبنانيين الحصول على خدمة ممتازة  من قطاع الكهرباء، بكلفة مقبولة، فيما أعمال التأهيل يبدو أنها لن تلبي بالمطلق هذا الهدف.

فهل سيغلق هذا الملف على خيار له جدوى إقتصادية تأخذ بالإعتبار إنشاء معملين جديدين بأقل من كلفة التأهيل، أو إنشاء معمل في الجية والسير بتأهيل معمل الذوق؟