ما بال المسيحيين؟

الياس الديري (النهار)

بلى، يحتاج المسيحيون، وخصوصاً الموارنة، إلى التذكير المعجّل المكرّر على ما يبدو أن لبنان طُبِعَ بالتميّز والتفوّق، وصار البلد الأشهر نتيجة هذا المزيج النادر من الطوائف والمذاهب والأديان.

ونتيجة صيغة ذهبت مثلاً يُحتذى، وعلامةً فارقة لا تزال ترافق لبنان، وبمساهمة فعّالة بذلَها المسيحيون على مستوى العالم ودوَله الكبرى والعظمى. وبقيادة رئيس مسيحي وُضعت معظم الصلاحيات بين يديه بموافقة المسلمين ومباركتهم.

بلى، على المسيحيين، والموارنة خصوصاً، أن يتذكّروا اليوم وكل يوم وكل ساعة وكل دقيقة أنهم ضاعوا وضيَّعوا مُلكاً لم يُحسنوا المحافظة عليه. وكثيراً ما تلَهّوا ولا يزالون يتلهّون بالصراعات والمنافسات على المناصب والمكاسب، إلى أن تفرّقوا أيديَ سبأ، مما جعل الغَيارى عليهم وعلى لبنان يدْعونهم للتجذّر في بلد أُعطوا مجدَه…

فمن مكتب ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز دعا مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان المسيحيين “إلى أن يتجذّروا في أرض وطنهم لأنهم جزء منه، كما أن المسلمين جزءٌ منه”.

الأمير سلمان شدّد بدوره على دعم كل الجهود التي تعزَز وحدة اللبنانيين ووِفاقهم الوطني، وعَيْشهم المشترك.

فما بال المسيحيّين لا يتّعظون، ولا يتعلّمون من التجارب، ولا يتفوّقون، ولو مرة، على مصالحهم الشخصية ونزواتهم وشهواتهم، ليجتمعوا ويوحّدوا الكلمة والموقف حول رأي ويقفوا صفاً واحداً مع المسلمين ترسيخاً للحل السياسي الذي يضمن لهم كينونتهم الدائمة، في إطار لبنان الواحد المتّحد؟

بلى، لقد وصل المسيحيون في تشتّتهم وأنانياتهم إلى وقت يجدون فيه المسلمين مضطرين إلى دعوَتهم للتماسُك والتجذّر في الأرض والانتماء لبنانياً إلى مصلحة الوطن الرسالة المهدّد من أخطار طارئة قد تطيح كل ما بَناه التوافق المسيحي – الإسلامي.
إن هذا الواقع لم يعُد سرّاً مكتوماً بقدَر ما أضحى حقيقة مطروحة على بساط الأخذ والردّ والتساؤل حتى الخوف على المسيحيين ووجودهم وصيرورتهم. لا من “الآخر”، بل من أنفسهم على وجه التحديد. ومن تشتّتهم وتنكّرهم لمسؤوليتهم الفاضحة في ما آلت إليه أحوالهم وأحوال الوطن المُنهَك الذي يدعوهم المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان للتجذّر فيه.

بلى، لقد انشغل المسيحيون، وخصوصاً الموارنة، وانهمكوا حتى الغرق في البحث كلٍّ عن مصالحه وما يعود عليه وحده بالنفع، بما أظهرهم كأنهم أداروا ظهورهم لهذا اللبنان… حتى التخلّي.

وإن لم يكونوا قد قطعوا كل الخيوط بعد، فليهبّوا مع فجر الميلاد الجديد، متآزرين مع المسلمين ترسيخاً للحل السياسي الذي يُظهر حقيقة تجذّرهم في أرض ارْتوت من عَرَق جبينهم، ومن دمائهم وعطاءاتهم.

وليتمترسوا يداً واحدة مع المسلمين دفاعاً عن لبنان العظيم.