“ستاتيكو” جديد للمنطقة لم تتبلور خطوطه بعد!

تشير المعطيات المتداولة بين القوى السياسية والتي ترتفع وتيرتها مع جولة كل مبعوث دولي، وإنتهائها، إلى أن شكلاً من الترتيبات أو التفاهمات يعمل على إنضاجها بين القوى الكبرى مرتبطة بأوضاع المنطقة، والتي قد ترتسم معالمها في خلال الأشهر الثلاثة القادمة.

هذه المعطيات بدأ الحديث عنها مع تمديد مهلة التفاوض بين إيران والدول الست (5+1) حول الملف النووي الإيراني، والتي سبقها لقاء في مسقط بين وزيري خارجية الولايات المتحدة الأميركية، وإيران، حيث بدا واضحاً أن الإتفاق الدولي مع إيران حول ملفها النووي مرتبط بإعادة بعودة إيران إلى مظلة المجتمع الدولي، وما يترتب على ذلك من تطبيع مواقفها وطموحاتها مع واقع المنطقة وإستقرارها ومصالح وأمن دول الجوار، مقابل رفع العقوبات المالية والإقتصادية التي أرهقت الإقتصاد الإيراني في السنوات الأخيرة.

لقد أسهمت تطورات الملف الأوكراني، وإنعكاسه على موقع ومكانة روسيا في العالم وعلاقتها مع الاتحاد الأوروبي وأميركا، إضافة إلى صعود نجم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وما فرضه من تشكيل تحالف الدولي لمحاربته، والإنعكاس السلبي لخفض أسعار النفط على الاقتصادين الروسي والإيراني، من الدفع بإتجاه بلورة بعض الخيوط التي تحاك عليها ترتيبات الستاتيكو الجديد للمنطقة.

مصادر دبلوماسية متابعة، رأت أن الحديث عن تفاهمات شاملة للمنطقة قد يبدو سابقاً لأوانه، لا سيما أن موازين القوى الدولية ليست لصالح إيران وروسيا وحلفائهما، فعلى رغم من سعي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقد إتفاقات بيع طاقة بأسعار مخفضة مع الصين للالتفاف على العقوبات الغربية، ثم سعيه مع مجموعة دول “بريكس” (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) إلى إنشاء مؤسسات تنافس العالمية، مثل بنك كان مقررا أن ينافس البنك الدولي، بغية تشكيل تكتل دولي يمأسس الحرب الباردة، إلا أن أحلام بوتين سقطت مع إنهيار العملة الروسية (الروبل).

فبدلا من أن تعود أميركا وروسيا إلى زمن الحرب الباردة، كما سوق حلفاء إيران في المنطقة أعادت أزمة روسيا إلى الأذهان عقد التسعينات الذي تلا إنتهاء هذه الحرب بفوز أميركا على روسيا.

وليزيد الرئيس باراك أوباما من مشاكل غريمه بوتين، قال أوباما أن بلاده تنوي فرض مجموعة جديدة من العقوبات الإقتصادية على روسيا، في وقت تراجع بوتين وفتح قنوات إتصال سرية مع نظرائه الأوروبيين، وأبدى إستعداداً للتوصل إلى حل في أوكرانيا، وهو ما بدا جليا في وقف إنفصاليي أوكرانيا إطلاق النار واعلانهم الإستعداد للدخول في مفاوضات مع كييف.

الموقف الروسي من كييف ترافق مع موقف روسي آخر من الأزمة السورية حمله مساعد وزير الخارجية الروسي لشؤون الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف حول تخلي روسيا عن بشار الأسد والانفتاح على المعارضة السورية لبلورة آلية ممكنة لانتقال السلطة بما يبقي لروسيا علاقة مع السلطة الجديدة، ونقلت المصادر عن مقربين من بوغدانوف قوله: “إن روسيا على وشك التخلي عن نظام الأسد خلال السنة القادمة لصالح نظام معتدل يتخذ موقفا معتدلا من روسيا”، وكشفت المصادر أن بوغدانوف أبلغ قيادة حزب الله هذا الموقف. ورأت المصادر أن تغريدة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على “تويتر” منذ أيام وبعد لقائه صديقه الروسي، أن “نظام بشار الاسد إنتهى والبحث في كيفية الحفاظ على وحدة سوريا” تؤكد جدية الموقف الروسي.

المصادر المتابعة ترى أن الموقف الروسي الجديد تجاه سوريا، لا بد أن يتبلور بمواكبة وموافقة إيرانية، وهذا ما سيتظهر بعد جولة رئيس مجلس الشورى الإيراني إلى المنطقة ومنها لبنان وسوريا، لا سيما وأن لاريجاني من المقربين من المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، صاحب القرار السياسي والعسكري الأول في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والموجه الأول والأخير لحلفاء إيران في المنطقة من حزب الله إلى الحوثيين إلى الميليشيات العراقية، والجميع يعلم أن خامنئي هو صاحب القرار الأول والأخير في دخول حزب الله إلى سوريا لحماية نظامها من السقوط، وهو من تمسك بنوري المالكي ودافع عنه، قبل أن يتخلى عنه لاحقاً.

المصادر ترى أن وجهة الأمور الإقليمية تتجه نحو تكرار الموقف الإيراني في سوريا، تماما على نحو الموقف الذي اتخذته بالعراق، فكما تخلت إيران عن نوري المالكي، بعيد تمدد “داعش” في العراق وسوريا، ومهدت بذلك لحوار مباشر مع الولايات المتحدة الاميركية، فإنها ستضحي بالاسد كمدخل لإستكمال هذا الحوار تمهيداً لتسوية أوضاعها مع الغرب، بعد أن أثقلتها الأزمة الإقتصادية تماما كما أثقلت روسيا.

المصادر قاربت المعارك الدائرة في سوريا والتي عادت لتشتعل من جديد، وكأنها إستباق لخطوط ترتسم معالمها في السياسة، بحيث أن معالم الستاتيكو الجديد يتسابق على رسم معالمه بين الدبلوماسية والقتال، وأن سوريا تتجه نحو مرحلة إنتقالية طولة الأمد تخضع لموازين قوى داخلية واقليمية، قد تفرض نفسها في مناطق جغرافية مختلفة، ما يضع وحدة سوريا أمام تحدي وطني كبير قد تعجز القيادات الحالية على بلورته.

من جهة أخرى، رأت المصادر أن تسوية الخلافات المصرية – القطرية، بمبادرة سعودية، بعد تسوية خلافات البيت الخليجي، يعزز من قوة الموقف السعودي والعربي الاعتدالي، في اي تسوية قد تسلك طريقها بين إيران والمملكة العربية السعودية، والذي قد تشكل حوارات حزب الله وتيار المستقبل في بيروت مدخلاً أو تجربة إختبارية لها، بعد ما أعلنت كل من إيران والسعودية مباركتها لهذا الحوار.

الستاتيكو الجديد في المنطقة لن تكون “داعش” و”النصرة” خارج إطاره خاصة وأن حرب التحالف الدولي بالطائرات على التنظيمين لم تحقق أهدافها، وأن القوى المسلحة التي تقاتل ضد “داعش” في العراق وسوريا، البشمركة، والميليشيات الشيعية، وغيرها من تنظيمات وجماعات مسلحة لم تنجح في لي ذراع “داعش” أو إضعاف قوة نفوذها.

المصادر رأت أن إتجاهات هذه المؤشرات ومدى تبلورها أو تعثر مسارها سينعكس على المشهد اللبناني، بنجاح أو فشل الحوار بين حزب الله والمستقبل، وعون وجعجع، وفي مدى نجاح الفريقين في بلورة مخرج سياسي للفراغ الرئاسي في لبنان، والذي توقع السفير البابوي أن يُنتخب في آذار المقبل.

———————————-

(*) فوزي ابو ذياب