تاريخ أميركي أسود

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

لا يزال التقرير الفضيحة الذي نشرته لجنة شؤون الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي الموضوع الأبرز الذي يتم تداوله في عواصم العالم لاسيما تلك التي تعرّض أبناؤها إلى التعذيب وكانوا المادة الأبرز في التقرير.

المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة الأمير زيد بن رعد الحسين قال: «لا ينبغي فرض حصانة لأحد أو إسقاط عقوبات بالتقادم عن التعذيب»! الصين المتهمة من قبل أميركا بانتهاك حقوق الإنسان وجدت التقرير مناسبة لتعلن أنه «يجب على الجانب الأميركي أن يفكر بنفسه ويصحّح طرقه ويحترم المواثيق الدولية ويلتزم بها». كذلك فعلت كوريا الشمالية وإيران التي قال مرشدها الأعلى: «إن التقرير الصادر عن مجلس الشيوخ الأميركي بشأن وقائع تعذيب أظهر الحكومة الأميركية كرمز للطغيان ضد الإنسانية، انظروا إلى الطريقة التي تعامل بها الإنسانية من قبل القوى المهيمنة بالدعاية البراقة وباسم حقوق الإنسـان والديمقراطية والحرية»، أما الرئيس الأفغاني الجديد أشرف غني فقال: «لا يمكن تبرير مثل هذه الأعمال والممارسات غير الإنسانية في عالم اليوم.

إن أبناءنا تعرضوا للتعذيب وانتهكت حقوقهم، والأسوأ والأكثر إيلاماً أن التقرير شرح كيف أن بعض الذين تعرضوا للتعذيب كانوا أبرياء تماماً»! وكان الرئيس الأفغاني السابق حميد كرازي قد وصف السياسة الأميركية في بلاده بـ «البلطجية». أما في «وارسو»، فقد أقر رئيس بولندا السابق «ألكسندر كواسينفسكي، لأول مرة بأن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أقامت سجناً سرياً في بلاده.

وقال إنه مارس ضغطاً على الإدارة الأميركية لإنهاء عمليات التحقيق التي كانت تمارسها CIA بوحشية في السجن السري على أرض بلاده. ولم تتجاوب معه الإدارة! وكانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، قد انتقدت بولونيا في يوليو الماضي لتواطؤها في التعذيب على أراضيها لمتهمين أرسلا لاحقاً إلى معقتل جوانتانامو! وفي عواصم دول كبيرة وكثيرة صدرت انتقادات وتصريحات ومواقف وتقارير وتعليقات صحفية وإعلامية تنتقد ممارسات المخابرات الأميركية وانتهاكها المواثيق والاتفاقات والقرارات الدولية داعية إلى محاسبة المسؤولين عنها. وذكّر بعض الكتاّب بعمليات التنصت التي قامت وتقوم بها أجهزة هذه المخابرات على رؤساء دول صديقة وحليفة لأميركا، وبشكل خاص على هاتف المستشارة الألمانية ميركل، الأمر الذي أثار ضجة كبيرة في حينه.

ورفضت الإدارة الأميركية الاعتذار أو التعهد بعدم تكرار عمليات التنصت. وكشف في الأيام الأخيرة تجاوز أميركي إثر اغتيال عصابات الجيش الإسرائيلي الإرهابية الوزير زياد أبوعين أنه كان قد اعتقل في الثمانينيات في سجن في شيكاغو.

وصدرت دعوات متتالية وطلبات رسمية من الأمم المتحدة لإطلاق سراحه ورفضت الحكومة الأميركية ذلك وقررّت تسليمه إلى السلطات الإسرائيلية لتكمل مسار التعذيب الكبير الذي تعرّض له وصولاً إلى اغتياله ولم تقل أميركا كلمة في ذلك في وقت يسعى مسؤولوها مع الإرهابي الأول نتنياهو إلى الاتفاق على خطة مشتركة لإسقاط محاولة السلطة الفلسطينية انتزاع قرار من مجلس الأمن بإعلان الدولة الفلسطينية في فترة زمنية معينة والتوجه إلى الانضمام إلى اتفاقات ومعاهدات دولية، مما يفتح الباب أمامها لإدانات متتالية لإسرائيل وممارساتها الإرهابية ضد الفلسطينيين.

الرئيس أوباما أبدى خشيته من تقويض السلطة المعنوية لبلاده بعد نشر تقرير لجنة مجلس الشيوخ. ووزير خارجيته خشي بدوره من انعكاس ذلك على صورة وصدقية أميركا أمام العالم والحلفاء.

لكن الوقائع في تاريخ عمل المخابرات الأميركية والإدارات المتعاقبة أكبر من أن تُمحى من الذاكرة والسياسات السوداء نتائجها كارثية وتداعياتها مستمرة على الأرض في أكثر من موقع في العالم حلّت فيه أميركا!