هشاشة الأوضاع الأمنية وخطورتها تستعجل ضرورات انطلاق الحوار

بعيدا عن الحراك الخارجي البطيء النتائج الذي تتطلع به فرنسا في اتجاه كل من طهران والرياض لتأمين ارضية صالحة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، لا يزال مشهد ترحيل وتأجيل الملفات الأساسية في مجلس الوزراء والتي كان آخرها ملف النفايات يرخي بأثقاله التشاؤمية على الأوضاع الداخلية الهشة خصوصا في ظل استمرار قضية الجنود المخطوفين التي تنغص على الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي بهجة أعياد الميلاد ورأس السنة، حيث ما زال هذا الملف يترنح من دون تطور جدي يذكر فيما اهالي العسكريين القابعين في ساحة رياض الصلح ينتظرون بارقة امل تبشر بامكانية فك أسر ابنائهم المخطوفين ولو بعد حين في ظل هذا المناخ البارد عليهم وعلى أبنائهم المحتجزين في أعالي جرود عرسال.

وفي هذا الإطار، لا تخفي أوساط متابعة بان حلحلة الملفات الأساسية الداخلية لا تزال تنتظر تطورات الخارج خصوصا لناحية إيجاد التسوية المحلية – الإقليمية المناسبة لإنجاز الإستحقاق الرئاسي وفتح الأفاق أمام اتفاق مقبول من الجميع بخصوص قانون الإنتخابات الجديد، مضيفة بأن هشاشة الاوضاع الأمنية وخطورتها وتعثرات الملف الرئاسي باتت تستعجل انطلاق الحوار الداخلي بين تيار المستقبل وحزب الله، خصوصا  ن التعويل فقط على الخارج ومعطياته لإطلاق دينامية الحوار في سبيل حلحلة الملفات العالقة هو أمر دونه مخاطر كثيرة  كون هذا الإنتظار قد لا يأتي بالنتائج المرجوة في وقت أن الساحة اللبنانية بتوتراتها وتحدياتها الداهمة  لم تعد تحتمل انتظارات طويلة، لذلك أن  تحصين الساحة المحلية من خلال فتح كوة في جدار الحائط المسدود يتطلب التعجيل بأسرع وقت ممكن لعقد الحوار المحلي خصوصا بين تيار المستقبل وحزب الله وذلك من أجل تنظيم الخلافات وخلق مظلة أمان داخلية تسمح بخلق المناخات المؤاتية للتوصل إلى تسوية توافقية حول ملف الإستحقاق الرئاسي الذي لم يعد يحتمل تسويف وتأخير ومزايدات وشروط شعبوية.

وعلى الرغم من ان الراعي الفرنسي للاستحقاق اللبناني المتمثل بمدير دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو قرر التريث قبل استئناف جولته الخليجية والايرانية المتوقع ان تتم قبل عيد الميلاد في انتظار تقييم حصيلة لقاءاته في بيروت مع المسؤولين الفرنسيين وغيرهم من المعنيين بالمهمة، فان الدفع اللبناني للحوار يبقى قائما بزخم وفاعلية حتى انه دخل مدار تحديد المواعيد، اذ أشارت المصادر المتابعة  بإن حوار المستقبل – حزب الله حدد يوم الاثنين في 29 الجاري، اي بين العيدين، كما اعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري، في حين يفترض ان يعقد اللقاء بين رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع مطلع العام استنادا الى توقعات بعض العاملين على خط ترتيب اللقاء، علما ان اوساط الجانبين لم تؤكد لـ”المركزية” الموعد واكتفت بالقول ان لا شيء محددا حتى الساعة، فالتواصل قائم والموعد رهن التوقيت السياسي والامني المناسب.

في موازاة ذلك، لم يسجل اي تقدم في ملف العسكريين المحتجزين لدى “جبهة النصرة” و”داعش” في انتظار ايجاد الحكومة الوسيط بينها وبين الخاطفين لاستئناف المفاوضات. وفي هذا الاطار، أعلن الناطق باسم الاهالي حسين يوسف لـ”المركزية” انهم سيلتقون رئيس الحكومة تمام سلام في الساعات المقبلة لحثه على تفويض الشيخ وسام المصري بشكل رسمي، “وقد أبلغنا أمس ان لديه مبادرة جيدة وغير معقدة يتكتم على تفاصيلها، وينتظر تفويضا رسميا كي لا تحترق، كما أنه على تنسيق مع المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم”.

وفي السياق، تضاربت المعلومات في شأن وساطة المصري القائمة اليوم بشكل فردي لا رسمي، ففيما أفاد بعضها ان “جبهة النصرة” لم تستقبل الشيخ المصري أمس ويتوقع ألا تستقبله، وكذلك بالنسبة الى تنظيم “الدولة الاسلامية” الذي لن يلتقيه مجددا، لفت البعض الآخر الى ان المصري ينتظر اتصالاً من “داعش” للعودة الى الجرد بهدف الحصول على تعهد بعدم قتل العسكريين وعلى المطالب النهائية لـ”داعش”.

الى ذلك، ةفي اطار جولاتهم على القيادات اللبنانية للوقوف عند موقفها من المفاوضات لتحرير أبنائهم في شكل عام، ومن مبدأ المقايضة في شكل خاص، زار أهالي العسكريين المحتجزين عين التينة اليوم، حيث التقوا رئيس مجلس النواب نبيه بري  الذي أكد للوفد ان “قضية العسكريين المخطوفين هي قضية كل لبنان واللبنانيين، مضيفا “تأكدوا ان كل لبناني لأي طائفة او مذهب او فئة او منطقة انتمى يعيش في هذه القضية ويعتبرها قضيته، لا بل ان كل لبناني يعتبر ان جزءاً منه مأسور ومخطوف مع اولادكم واخوانكم العسكريين”. وشدد مرة اخرى على اعطاء الخبز للخباز وعلى التعامل مع هذا الملف الوطني على قاعدة “تعاونوا على قضاء حوائجكم بالكتمان” لضمان تحقيق الغاية التي نتوخاها جميعاً وهي سلامة واطلاق سراح العسكريين المخطوفين .وأكد بري ان موضوع المقايضة قائم بالمبدأ، مشيراً الى انه ينسق مع رئيس “جبهة النضال الوطني” النائب وليد جنبلاط . وقال ان “حسب المعلومات التي وردتني امس ان شاء الله الامور افضل”.

من جهتهم، أشار الاهالي الى ان “رئيس المجلس أكد العمل على تعيين لجان أمنية في ملف ابنائنا وتمنى علينا أن تبقى جميع التفاصيل سرية”. وقالوا “بري وعدنا خيرا وناشدناه التعاون مع جنبلاط في الملف، واللواء عباس ابراهيم هو من يتابع الموضوع”.

في غضون ذلك، دعت مصادر دبلوماسية غربية الى ترقب تطورات مهمة على المستوى الاقليمي بين شهري كانون الثاني وشباط من العام 2015 قد تترك انعكاسات ايجابية على لبنان، وقالت ان دول القرار الفاعلة والمؤثرة اعدت جدولا مبرمجا وموسعا لملفات منطقة الشرق الاوسط الساخنة بالتزامن مع الاتصالات الدولية والاقليمية المكثفة بقيادة اميركية روسية وفرنسية، قد يكون الاستحقاق الرئاسي اللبناني في مقدمته نسبة للخطورة المترتبة جراء استمرار الشغور في رأس الدولة منذ مئتين وتسعة ايام، في ظل التحديات الداهمة والتهديدات التي تطلقها المنظمات الارهابية والتكفيرية.

واضافت المصادر ان لبنان سيشهد اعتبارا من مطلع العام دفقا في المساعدات العسكرية النوعية للجيش والقوى الامنية بما يمكنها من مواجهة الارهاب ومخططاته المرسومة للبنان من البوابة السورية، مع بدء وصول المساعدات الفرنسية من هبة الثلاثة مليارات دولار السعودية اضافة الهبات العينية الاميركية من ضمن المليار السعودي المتوقع ان تزداد اعتبارا من الشهر المقبل.

_______________

(*) – إعداد: هشام يحيى