عن مؤتمر الازهر الدولي لمواجهة التطرُّف

د. ناصر زيدان

بدعوة من شيخ الأزهر الإمام الأكبر احمد طيب، إنعقد في القاهرة بين 3 و4 ديسمبر/كانون الأول 2014 المؤتمر الدولي لمواجهة التطرُّف، حضره وفود من 120 دولة، تقدمهم رؤساء المذاهب الإسلامية من مختلف الدول العربية والإسلامية، وعلماء دين من مختلف أنحاء العالم، إضافةً إلى رؤساء الكنائس الشرقية، لا سيما العربية منها، ومُمثلين عن بعض الطوائف الأخرى التي عانت من الإجرام والإرهاب.

نجح المؤتمر من حيث الشكل من خلال الحشد الكبير والمُتميِّز للحضور، ومن حيث التأكيد على الأهمية الاستثنائية لمرجعية الأزهر عند المُسلمين قاطبةً، إضافة إلى اهمية مكان إنعقاد المؤتمر في هذا الوقت بالذات على الأراضي المصرية، وبحماية سلطة سياسية وأمنية، كانت بالأمس القريب بيد المُتهمين بتشجيع التشدُّد الديني، عنيت قبل ثورة 30 يونيو/حزيران 2013.

ومشهد إفتتاح المؤتمر، كانت مُتقدمة، بحيث شمل توزيع الكلمات مروحة متناسقة من الأسماء التي تحمل صفة التمثيل الشامل للقارات وللمرجعيات وللطوائف. وفي مضمون كلمات الافتتاح برز التناغم والتلاقي الواضح، لا سيما بين كلمات الإمام الدكتور أحمد طيب، وبابا الأقباط تواضروس الثاني بطريريك الكرازة المرقسية، والشيخ قيس آل مبارك عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، وخصوصاً في التأكيد على أن المنظمات الإرهابية والميليشيات الطائفية التي تتخذ من الدين ستاراً لأعمالها، إنما هي بعيدة كل البُعد عن تعاليم الأديان السمحاء، وتحديداً عن جوهر الإسلام الراقي والمُتنور، والذي يحمل أهدافاً انسانية بعيدةٌ عن التعصُّب والانعزال.

أما البيان الذي صدر في نهاية المؤتمر، والذي سُميَ “بيان الازهر العالمي” فقد عالج مواضيع كانت تحتاج لتأكيد من على مثل هذا المنبر. وتوقيته حمل معانٍ إضافية، وكانت تنتظره النُخب العربية، وغير العربية، من أجل وضع حد للتأويلات وللإجتهادات المغلوطة، والمُشوشه، والتي كانت تصدر عن غير المرجع الصالح.

إن مُساهمة المذاهب الإسلامية قاطبةً في أعمال المؤتمر، وضع حداً لكل التحليلات التي تصوِّر بعض هذه المذاهب خارج المسار الواسع والمُتنوع للدين الحنيف، لا سيما منهم الشيعة الاثني عشرية والعلويون والدروز والاسماعيليون واليزيديون والنقشبنديون.

ومشاركة مُمثلو الطوائف المسيحية المُتنوعة، خصوصاً منهم رؤساء الكنائس الشرقية، كان في وقته، وعبر عن الصورة الناصعة للاسلام الذي لم يكُن مُنغلقاً على الأديان الأُخرى، كما صوره غلاة التعصُّب والتطرف.

والبارز الآخر كان مشاركة مندوبين عن مجموعات دينية مُتنوعة من الايزيدين وغيرهم. لعلَّ ذلك تأكيدٌ آخر على أن هذه المجموعات عاشت في كنف الإسلام مئات السنيين من دون أن تُجبر على التخلِّي عن مُعتقداتها، والاضطهاد الذي أصابها في الماضي، ويُصيبها اليوم، ناتج عن عوامل سياسية، وإجرامية، ليس للإسلام كدين تسامح علاقة به.

Azhar

وفي مندرجات البيان مجموعة من العناوين التي تحملُ أهمية تاريخية، وساهمت في إعلاء شأن المؤتمر من حيث المضمون:

أولاً: تأكيد المؤتمرون على أن ما ارتكبته الجماعات التكفيرية من عنف وقتل، وما أصاب المُقدسات وأماكن العبادة والشواهد من تدمير، إنما يُعتبر جرائم ضد الإنسانية جمعاء، والإسلام بريء من هذه الأفعال، ولا صلة له بكلِ ما يجري، وهي أفعالٌ مُدانة ترتكبها مُنظمات آثمة، تشوه صورة الإسلام.

ثانياً: إشارة البيان إلى أن تعدُد الأديان والمذاهب كان وسيبقى مصدر غنى للبشرية جمعاء، ولا يتعارض مع المعاني الإلهية التي تُظلِّل العالمين.

ثالثاً: من بين أبرز النقاط التي ذكرها البيان، هي التوضيح الصادق بأن العلاقة بين المُسلمين والمسيحيين تاريخية، وجرى تطويرها إلى مصافِ المواطنة الكاملة على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات. ودعوة المؤتمر المسيحيين إلى التشبُّت بالأرض وعدم الهجرة، كان لها معانيها البيضاء، واغنت هذه المعاني إدانة المؤتمرين لعمليات التهجير التي تجري في بعض الأماكن، لا سيما في سوريا والعراق، واعتبار هذا التهجير جريمة مُستنكرة.

رابعاً: من الدلائل المُتميزة لمضامين البيان الختامي، دعوة الدول الغربية إلى تقييم موضوعي للإسلام، من حيث كونه دين تسامح ومحبة وعيش مُشترك. على عكس ما تُصوره بعض الأوساط الغربية في قالبٍ عُنفيٍ مقيت ومُشوَّه مما ينعكس سلباً عند فئة الشباب، ويولِّد انتقاماً، خاصةً من بين المُهمشين الذين يُعانون من البطالةِ والضياع.

إن مؤتمر الازهر لمواجهة التطرُّف، يُشكلُ مدماكاً إضافياً في صرح العلم والثقافة والانسانية التي يعمل لإرسائها الازهر، استناداً إلى التنوير الذي يدعو إليه الدين الاسلامي الحنيف، والبيان الختامي، وثيقةٌ تاريخية، تساوي بأهميتها وثيقة الأزهر للحقوق والحريات التي صدرت في 10 /1/ 2012 ، بل وتزيد.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان

قبل أن يسقط الهيكل

عن الصراعات المُخيفة بين سواحل البحر الاسود وشواطىء البحر المتوسط الشرقية

تحوُّل كبير في السياسة الصينية نحو الشرق الاوسط

مصاعب سياسية وإقتصادية تواجه روسيا

مؤشرات على إندفاعة جديدة لجامعة الدول العربية

كلفة اقتصادية خيالية لإسقاط “السوخوي” الروسية من قبل المقاتلات التركية

تحديات التنمية العربية لما بعد العام 2015

هل تُهدِّد الاضطرابات الأمنية التغلغُل الصيني الواسع في أفريقيا؟

الحكومة الأفغانية عالقة بين طالبان وداعش والافيون والسياسة الاميركية

التواطؤ الأميركي وإنتفاضة القُدس الثالثة

تغييرات كبيرة في نسق العلاقات الدولية على وقع المآسي الانسانية

عن مخاطر الحسابات الروسية الجديدة في سوريا!

عودة هادي إلى عدن وتقلُّص الإنفلاش الإيراني

تحولات كبيرة في الموقف الروسي تجاه الأزمة السورية

معالم تراجع في أخلاقيات النظام الدولي!

هل يلاحق القضاء البريطاني نتنياهو اثناء زيارته الى لندن؟

عن المسؤولية الجنائية لقادة العدو الإسرائيلي في إحراق الطفل دواشنة

ايران: مصلحة الدولة ومصلحة النظام

عن تآمر “إسرائيل” والنظام السوري على العرب الدروز!

سِباق بين عصا البشير والمحكمة الدولية من جنوب افريقيا الى السودان