هل يلغي الحوار احتمالات الاضطراب الأمني في لبنان؟

يعتقد مراقبون أن انتخاب رئيس جديد للبنان لم يحن بعد، وهذا الأمر لا يزال يرتبط بمناخات إقليمية ومحلية لا تزال غير ملائمة لإنجاز الإستحقاق الرئاسي. وبحسب المراقبون أن لبنان لا يزال في مرحلة من الإختبار الصعب حيث تشهد الأوضاع المحلية سباق بين الحوار المتنظر ونتائجه البطيئة  والمخاوف الامنية التي تتهدد الأوضاع اللبنانية الهشة في ظل حالة الإنكشاف الأمني والسياسي في البلاد.

وفي هذا الإطار تؤكد أوساط متابعة بأن التحذيرات الأمنية التي أطلقها أكثر من مسؤول معني بالملف الأمني في البلاد مبنية على معلومات مفادها أن تطورات الحرب في سوريا والعراق المتسارعة  قد تحمل معها المزيد من التداعيات والإنعكاسات السلبية من شأنها أن تحدث ارباكات أمنية على الساحة اللبنانية التي هناك من يسعى دائما لربطها بالمعارك العسكرية التي تخاض على جبهات القتال في سوريا التي شهدت في اليومين الماضيين تطورات نوعية لمصلحة المعارضة حيث تمكنت من جبهة النصرة وحلفاء اسلاميون لها من السيطرة  على معسكرين لقوات النظام السوري في ريف ادلب (شمال غرب)، بعد عامين من المحاولات المستمرة من قبل كتائب معارضة، في ما يشكل ضربة لمحاولات الجيش التقدم شمالا، وتهديدا لمدينة ادلب الخاضعة لسيطرته. ويقع معسكر وادي الضيف شرق مدينة معرة النعمان الاستراتيجية التي استولى عليها مقاتلو المعارضة في التاسع من تشرين الاول 2012، بينما يقع الحامدية المحاذي لقرية الحامدية جنوب المدينة على طريق دمشق-حلب. وتسبب سقوط معرة النعمان بقطع طريق اساسي للامداد بين دمشق وحلب على القوات النظامية.

الأوساط أشارت بأن انطلاق الحوار بين المستقبل حزب الله لا يلغي أبدا احتمالات حصول خربطات أمنية سواء في الداخل أو على الحدود الشمالية والشرقية  سيما أن هذا التصعيد الأمني المرتقب مبني على معلومات أمنية موجودة لدى المعنيين المتابعين لحراك تطورات الأزمة السورية ومفاعيلها الكارثية على دول الجوار لا سيما لبنان المعني أكثر من غيره باحداث هذه الأزمة بتشابكاتها وتعقيداتها نظرا لتورط بعض القوى المحلية اللبنانية بمعرك واشتباكات الحرب السورية التي بحسب المعلومات أيضا لا تزال طويلة. مضيفة أن هذه الأجواء الخطيرة لا يجوز أن تؤدي إلى تعميق حالة الإحباط الداخلية بل يجب أن تشكل المخاطر الداهمة على أمن واستقرار لبنان خافزا إضافيا لإنطلاق هذا الحوار مهما كانت نتائجه، حيث  لا بديل عن الحوار الداخلي كسبيل لكسر الحلقة المفرغة التي تدور بها الأزمة الداخلية في ظل مرحلة خطيرة يمر بها لبنان ومحيطه وجواره،خصوصا أن هناك بعض الأجواء الإيجابية في كواليس الأروقة السياسية يمكن أن يعول عليها على صعيد انطلاق  هذا الحوار المرتقب بين حزب الله وتيار المستقبل الذي قد يكون بحسب العديد من المراقبين والمتابعين مفتاح الفرج لإنجاز الإستحقاق الرئاسي الذي لايجوز ان يبقى مستمرا نظرا لعواقبه الوخيمة على صيرورة انتظام  سيعمل المؤسسات الدستورية في لبنان.

إلى ذلك أكدت مصادر سياسية  بأن عقد الحوار بين المستقبل وحزب الله لا يعني ابدا بان هذا الحوار سينتج ثماره بشكل سريع على صعيد انهاء حالة الشغور الرئاسي في قصر بعبدا على الرغم من الإشارات الإيجابية الداخلية والخارجية في هذا الإتجاه لا سيما من قبل تيار المستقبل وحزب الله اللذين يؤكدان في العلن كما في الكواليس لكل من يعنيهم الأمر في هذا الملف على ضرورة اجراء الانتخابات الرئاسية في اسرع وقت ومع ذلك فأن ترجمة هذا الموقف على أرض الواقع لا يزال يحتاج إلى مزيد من النقاش والتباحث مع جميع الأطراف سيما أن حوار المستقبل – حزب الله لا يمكن أن ينتج انتخاب رئيس جديد للبنان دون توافق وتشارك بقية القوى السياسية على شخصية الرئيس الجديد التي بات محسوما أقله في الكواليس الدبلوماسية على أن انه يجب أن يكون رئيسا توافقيا. مضيفة بأن موقف  تيار المستقبل الإيجابي المرحب بهذا الحوار على الرغم من ان القواعد الشعبية لهذا التيار لا ترحب ورافضة لمثل هذا الحوار الذي أتت الموافقة عليه من قبل تيار المستقبل  بعد مخاض عسير من النقاشات والمباحثات الداخلية داخل التيار الذي في نهاية المطاف سار بوجهة نظر زعيمه الرئيس سعد الحريري القابلة بالحوار على الرغم من التحفظات العديدة على هذا الحوار  التي صدرت عن شخصيات ومرجعيات أساسية كبيرة داخل التيار  هو أمر يجب أن يسجل للرئيس سعد الحريري،وهو أمر يجب أن يقابله الفريق الآخر المحاور بمزيد من الإنفتاح للوصول إلى نتائج ملموسة أقله على صعيد تخفيف التوترات والتشنجات المذهبية في الشارع وفتح أفاق التوصل إلى حلول سريعة لملف الإستحقاق الرئياسي وموضع قانون الإنتخاب.

في هذه الأثناء،سلطت قضية العسكريين المخطوفين الضوء مجددا على طبيعة التعقيدات التي تحكم الوضع الداخلي، مما بات يستدعي استنفارا رسميا على مختلف المستويات واعادة تفعيل الخطوط الامنية والحكومية الموضوعة والتي طغت التطورات على مسار تنفيذها، او وضع اخرى اكثر حزما مع بروز معطيات غير مشجعة حدت بوزراء الى اعلان عودة المفاوضات الى نقطة الصفر وبمسؤولين امنيين الى ابداء امتعاضهم من “كثرة الطباخين” فيما تستثمر الجهات الخاطفة التخبط الرسمي اللبناني لتوظيف الملف حيث يتناسب ومصالحها وصولا الى محاولة فرض المفاوضين باسمها.

اما اجتماع “خلية الازمة” او “أزمة الخلية” وفق ما يحلو للرئيس نبيه بري توصيفها، فيفترض ان يُعقد بمن حضر في السراي عصرا، علما ان اعضاءها بمعظمهم لن يحضروا، اذ ان الوزير جبران باسيل الذي علق اساسا مشاركته موجود في الارجنتين حيث سيوقع غدا على انضمام لبنان الى منظمة “ميركوسور”، في حين ان وزير العدل اشرف ريفي بدأ زيارة لموسكو يلتقي في خلالها عددا من المسؤولين ويوقع مع نظيره اتفاقيتين قضائية وعدلية، ووزير المال علي حسن خليل الذي لم يشارك الا مرتين او ثلاثا في اجتماعات اللجنة، اعلن بدوره انه سيغيب عن الاجتماع انسجاما مع موقف الرئيس بري. وتبعا لذلك لن يشارك في اجتماع الخلية اليوم برئاسة الرئيس تمام سلام سوى وزير الداخلية نهاد المشنوق ومدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم وقد ينضم اليهم احد القادة الامنيين.

وامام هذه الصورة القاتمة وازاء انسداد افق الوساطات ومعها آمال الاهالي بامكان الافراج عن ابنائهم، قرر هؤلاء التحرك في اتجاه آخر حيث ابلغ المتحدث باسمهم حسين يوسف انه قرر السفر الى المملكة العربية السعودية للقاء الرئيس سعد الحريري “لانه املنا الاخير”. وقال ” التحضيرات انطلقت للقاء الذي يجب ان يتم قبل نهاية العام، معتبرا ان الحريري هو اليوم الورقة الاهم في الملف وله الوزن الاكبر، كما كشف عن لقاء سيعقد مع رئيس تكتل “التغيير والاصلاح” النائب ميشال عون وعن طلب موعد للقاء البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي.وليس بعيدا، أكد رئيس حزب “الكتائب” الرئيس أمين الجميل بعد لقائه الرئيس بري في عين التينة ضرورة بذل كل الجهود والتضحيات لعودة العسكريين، لان في ذلك واجبا انسانيا ووطنيا. وقال “يجب السير بأي امكانية تفاوض تتوافر ونحن متضامنون في مجلس الوزراء لحل القضية”.

في موازاة ذلك، ذكرت معلومات صحافية ان مصادر قريبة من “حزب الله” أكدت ان الحزب لا يضع أي عراقيل بالنسبة لاطلاق سراح أي سجين من الاسلاميين في رومية، ومستعد للتدخل في حل القضية، اذا طلب منه ذلك.

____________________

(*) – هشام يحيى