هل وصل ربيع المظاهرات العربية إلى شوارع اميركا؟

هي عدوى التظاهر في الشارع تعبيرا عن رفض الواقع المرير بتجاوزاته وانتهاكاته لحقوق الإنسان انتقلت من المنطقة العربية إلى شوارع الولايات المتحدة التي لا تزال تعاني من السياسات العنصرية ضد السود الذي ينتفضون ويثورون عن ما يصيبهم من انتهاكات ليست بالعفوية جراء الممارسات التي يرتكبها عن سابق تصور وتصميم بعض عناصر الشرطة الأميركية ضد المواطنين الأميركيين السود وذلك ضمن خلفيات ثقافية مريضة مبنية على التمييز العنصري المقيت المخالف لأبسط حقوق الإنسان والحرية والعدالة الإجتماعية.

وفي هذا السياق سار الآلاف من الأميركيين في مختلف مدن البلاد في تظاهرة شارك فيها نحو 25 ألف شخص وشلّت عدداً من أحياء نيويورك، احتجاجا على ما وصفوه بـ”عنف الشرطة” في التعامل مع الشبان من أصحاب البشرة الداكنة، مرددين شعارات تطالب بـ”العدالة العرقية” في البلاد، بعد تكرار حوادث مقتل شبان من ذوي البشرة الداكنة على يد قوات الأمن وما تبعها من صدامات كان أعنفها بمدينة فيرغسون.

وكانت تظاهرات السبت في العاصمة الاميركية ونيويورك وبوسطن وبيركلي في ولاية كاليفورنيا الاكبر منذ بدء حركة الاحتجاج التي أطلقها مقتل الشاب الاعزل مايكل براون في التاسع من آب في فرغسون في ولاية ميزوري.

وفي واشنطن التي شهدت في الماضي مسيرات كبرى للحقوق المدنية، نظمت التظاهرة بمبادرة من القس آل شاربتون الشخصية البارزة في مجال الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، تحت شعار “العدالة للجميع”، وقد ضمت أفراداً من عائلتي مايكل براون واريك غارنر وتامير رايس، وكلهم أميركيون من أصول افريقية قتلوا على أيدي شرطيين بيض في الاشهر الماضية.وفي واشنطن حيث أدت التظاهرة الى اغلاق جزء من جادة بنسلفانيا التي تقود الى الكابيتول مقر الكونغرس، هتف الشبان الذين اتى كثيرون منهم من اماكن بعيدة “لا عدالة لا سلام”.

وسار المتظاهرون بسلام وهم يرفعون لافتات كتب عليها “العنصرية مرض والثورة هي الحل” أو “أوقفوا رجال الشرطة القتلة” و”لا تطلق النار، انا ابيض” ، أو حتى “حياة السود لها قيمة”. كما كُتب على واحدة من اللافتات “لم أعد قادراً على التنفس”، وهي آخر عبارة قالها غارنر قبل وفاته.

أمّا في نيويورك فقد ذكرت الشرطة ان نحو 25 الف شخص شاركوا في التجمع السبت، بينما قدر المنظمون في تغريدة على تويتر عدد المشاركين بحوالى خمسين الفا.

واغلق المتظاهرون قطاعاً يمتد على طول ستة كيلومترات في ساحة واشنطن سكوير والجادتين الخامسة والسادسة وبرودواي وهم يهتفون “العدالة الآن”، بينما وعد المنظمون بانه “سنغلق مدينة نيويورك”. وبعد حلول الظلام في اجواء من البرد الشديد قام المتظاهرون باغلاق جسر بروكلين.

وفي بوسطن في ولاية ماساتشوسيتس، أعلنت الشرطة ان شوارع اغلقت بالتظاهرة ونتم توقيف عدد من الاشخاص. وفي بيركلي في كاليفورنيا علقت دمية رجل اسود عند مدخل إحدى الجامعات. وكتب على صدر الدمية “لا استطيع ان اتنفس”.

ويضم احتجاج واشنطن عائلات إيريك جارنر واكاي جورلي اللذين قتلا على يد شرطة نيويورك وترايفون مارتين الذي قتله أحد الحراس في فلوريدا عام 2012 ومايكل براون الذي قتله ضابط في فيرغسون.

وتشارك في الاحتجاج أيضاً ساماريا رايس والدة الطفل تامير رايس الذي سقط قتيلاً برصاص ضابط شرطة من كليفلاند الشهر الماضي.

وفي نيويورك توقع المنظمون مشاركة عشرات الآلاف من الأشخاص في المسيرة الاحتجاجية التي تهدف إلى إنعاش الاحتجاجات التي تزايدت بعد أن رفضت هيئة محلفين توجيه اتهامات للضابط الذي قتل جارنر خنقاً.

إلى ذلك، لا يقتصر عنف الشرطة الأمريكية ضد المواطنين السود على مدينة فيرغسون. فالاعتقالات في أوساط السود أكثر ببعض المناطق، رغم أن البيض يرتكبون مخالفات أكثر، ما يدفع للتساؤل: هل مازال التمييز العنصري حاضرا في أميركا؟.

فقد شهدت مدينة فيرغسون بولاية ميزوري الأميركية اضطرابات وأعمال عنف منذ مقتل شاب أسود برصاص شرطي أبيض. ومنذ مقتل الشاب ذي الأصول الإفريقية مايكل براون في التاسع من أغسطس/ آب 2014 أصبحت هذه المدينة بؤرة لتجدد الجدل حول قضية العنصرية والاختلاف الطبقي والاقتصادي في المجتمع الأمريكي. وهنا يبرز التساؤل عن مدى انتشار التفاوت الاجتماعي في الولايات المتحدة الأمريكية. فضاحية سانت لويس الأمريكية مثلا يبلغ عدد سكانها 21 ألف نسمة، ثلثهم من الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية، لكن رئيس بلدية هذه المنطقة أبيض البشرة، وكذلك خمسة أعضاء من مجلس مستشارية المنطقة هم بيض، من أصل ستة مستشارين. ويوجد في المنطقة 50 شرطيا أبيض من أصل 53.

أن الاضطرابات التي تلت مقتل الرجل الأسود “ما هي إلا نتيجة لحرمان الأمريكان الأفارقة من حق المشاركة في تقرير المصير”، كما يقول الأخصائي الاجتماعي دارنيل هانت، مدير مركز الدراسات الإفريقية-الأمريكية في جامعة كاليفورنيا. ويضيف: “هذا يبدو كما كان سابقا في سنوات الأربعينات، حين نشطت حركة الحقوق المدنية”. وما حدث في فيرغسون ليس حالة فردية، بحسب رأي 80% من الأمريكيين الأفارقة، الذين تم استطلاع آرائهم. في حين يتفق معهم 37% فقط من الأمريكيين البيض على ذلك.

“ما حدث في فيرغسون ليس إلا مثالا على ما شهدناه في السنوات الأخيرة وفي العقود الماضية”، كما تقول ليكسار كوامي المتحدثة باسم منظمة الحقوق المدنية وحقوق الإنسان، مشيرة إلى حالات قامت فيها الشرطة بإطلاق النار على أمريكيين سود مدنيين غير مسلحين وتم قتلهم دون معاقبة الشرطة على ذلك، مثل مقتل الشاب ترايفون مارتن في سانفورد بولاية فلوريدا، الذي انتشرت أخباره حول العالم والذي قال عنه الرئيس الأمريكي باراك أوباما: ” أنا نفسي كان من الممكن أن أكون في مكان ترايفون مارتن”. ومنذ منتصف يوليو/ حزيران 2014 قتل أربعة أمريكيين من أصول إفريقية برصاص الشرطة، بحسب مجلة ماذار جونس الأمريكية اليسارية.

مخالفات أقل واعتقالات أكثر

“لا نسمع عن حالات يتم فيها استهداف شباب بيض البشرة” في الولايات المتحدة، كما يقول الخبير الاجتماعي هانت، مضيفا: “ثمة رأي بأن الرجال السود يشكلون تهديدا ينبغي ترصده ومراقبته، ولكن في الواقع فإن البيض تكون لهم تجارب مختلفة عن السود لدى الشرطة”. ففي مدينة فيرغسون مثلا بلغت نسبة حالات التفتيش في صفوف السود 92% ووصلت نسبة الاعتقالات في أوساط سائقي السيارات من السود إلى 93%، في العام الماضي 2013، وذلك رغم أن الشرطة وجدت أن عدد المخالفات التي ارتكبها البيض (نسبتها 34%) أكثر بكثير من تلك التي ارتكبها السود (نسبتها 22 %). وهذا التفاوت في النِّسَب ليس حصريا على مدينة فيرغسون، بل يتجاوزها إلى مدن أخرى. كما أن عدد حالات تفتيش الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية واللاتينية في شوارع نيويورك أكثر مقارنة بعدد حالات تفتيش الأمريكيين البيض.

ويقول الخبير الاجتماعي هانت إن آباء الأطفال السود وأمهاتهم لا يكونون واثقين دائما من أن الشرطة لن تتعرض لأولادهم بالعنف. وتحاول هذه العائلات تجنب الاحتكاك بين أولادها والشرطة. وتطالب هذه العائلات المحاكم بمنع الشرطة من إجراء أية أعمال تفتيش بناءً على لون البشرة، وتطالب أيضا بتدابير أخرى كتوعية عناصر الشرطة أثناء فترة الدراسة.

ويرى المتخصص الاجتماعي الأمريكي هانت أن ظاهرة عنف الشرطة الممارَس على السود لها جذورها وخلفياتها قائلا: “لدينا رئيس أسود لكن معظم الأمريكيين السود يعانون حاليا من سوء الأحوال الاقتصادية أكثر مما كانوا عليه قبل 20 عاما”. إنهم مهمشون في جميع مجالات الحياة: فنسبة البطالة بينهم زادت خلال عقود إلى ضعف نسبتها بين البيض، كما أن مدخولهم المالي أقل بنسبة الثلث من متوسط دخل الفرد في الولايات المتحدة، ونسبة السود الفقراء أكثر بثلاث مرات من البيض، كما أن الاعتقالات والعقوبات في أوساطهم أكثر منها لدى البيض.

ثمة أسطورة إعلامية تقول إن الولايات المتحدة قد تمكنت من إنهاء مشكلة العنصرية، كما يقول هانت. لكن ما حدث في مدينة فيرغسون ويحدث في مناطق أمريكية أخرى تدل على أن الولايات المتحدة ما زالت تعاني من مشكلة التفرقة العنصرية.

________________

(*) – إعداد: هشام يحيى