الديكتاتوريّة والتّطرف

رامي الريس

غالباً ما سوقّت الأنظمة الديكتاتورية لنفسها على أنها حامية الإستقرار والإعتدال وغالباً ما قدّمت نفسها على أنها تمثل الإعتدال في مواجهة التطرف. هذه هي النظرية التي إرتكز عليها نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك ونظام الرئيس السوري بشار الاسد وعدد من الأنظمة العربية الأخرى.

وإستندت هذه الأنظمة في رؤيتها الى أن الديمقراطية، في حال تطبيقها، سوف تفسح المجال أمام قوى التطرف للتقدم والسيطرة على السلطة السياسية ومقدرات البلاد، وتالياً فإن النظام الأصلح من وجهة نظرها هو القمع والديكتاتورية لتلافي نمو وتصاعد وتكاثر تلك التنظيمات.

لا شك أن هذه النظرية قد تستهوي اليوم بعض المشككين في ما آلت إليه الثورات العربية التي إنتفضت ضد الظلم والطغيان، ولعل الأمثلة التي يمكن لهم سوقها كثيرة في هذا المجال وربما من أبرزها ما حصل في سوريا. ولكن لا بد من لفت الانتباه أن ما حدث في سوريا ليس نتيجة الثورة، بل نتيجة سياسات النظام الذي أجهض الثورة وبذل كل الجهد لعسكرتها ودفعها نحو الملعب الذي يجيد اللعب فيه أي العنف.

والأنظمة الديكتاتورية تتحمّل أيضاً مسؤولية إفراغ المجتمعات لأنها تتحول الى أنظمة  أوليغارشية لا تضم سوى المستلزمين بدل الملتزمين وهي تتقلص لتصبح حلقة ضيقة من أصحاب النفوذ والمصالح والقوة. إذن، جانب من الأسباب التي أدت الى إنحراف مسار المجتمعات والحركات الثورية تعود جذورها الى ممارسات الأنطمة ذاتها.

من ناحية أخرى، من الذي قال أن عدم تأمين المناخات الوطنية والسياسية المطلوبة لإجتياز الحقبة الصعبة بين الديكتاتورية والديمقراطية ليس كفيلاً بتحقيق نتائج إيجابية. هذا المثال التونسي: إنتقال تدريجي مع بعض الخضات الأمنية المحدودة) نحو العمل المؤسساتي والديمقراطي. دستور،  فإنتخابات تشريعية تليها إنتخابات رئاسية.

وقد أعاد الشعب التونسي  تحديد خياراته في الانتخابات التشريعية.  والإسلام السياسي الذي تم التهديد به نال فرصته  في الحكم إلى أن قرر الشعب أن يسلك مساراً جديداً.

صحيحٌ أن المجتمع التونسي متجانس وليس فيه تعقيدات مذهبية كما هو الحال في عدد من الدول العربية الأخرى، ولكن هذا لا يلغي أن التجرية التونسية تستحق التوقف عندها ودراستها بعمق.

كتاب جديد صدر في الغرب مؤخراً يناقش العلاقة بين الديكتاتورية والتطرف ويطرح نظرية تقول أن الديكتاتورية تحد من التطرف، وهي نظرية غريبة بعض الشيء إذ ينطلق الكاتب من مقولة أن الليبرالية والديمقراطية لا يتماشيان سوياً.

قد يكون من المنطقي القول أن وصفة الديمقراطية لا تنطبق بالضرورة على الشرق كما تنطبق في الغرب (وهي متعثرة هناك أصلاً مع نشر فضيحة تقرير وكالة الإستخبارات الأميركية التي تستعمل وسائل تعذيب تماثل، إن لم تكن تضاهي، ما حصل في الأنظمة القمعية العربية)، ولكن هل هذا يعني الإقرار بأن تكون الديكتاتوريات هي الحل؟

وهل من المنطقي وضع الشعوب العربية بين خياري الديكتاتورية والفوضى أو القمع والإرهاب؟

——————————

(*) رئيس تحرير جريدة “الأنباء” الالكترونيّة

Facebook: Rami Rayess II

Twitter: @RamiRayess

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس

عن الخرائط التي تُرسم والإتفاقات التي تتساقط!

التسوية شجاعة وإقدام!

الأحزاب وبناء الدولة في لبنان

أعيدوا الاعتبار لـ “الطائف”!

الإعلام والقضاء والديمقراطية!

وفروا مغامراتكم المجربة… واقرأوا!

عن “الأقوياء في طوائفهم!”

ما بعد الإنتخابات النيابية!

لمن سأقترع في السادس من أيّار؟

إنه السادس من أيار!

لائحة المصالحة: قراءة هادئة للعناوين والتطلعات

لا، ليست إنتخابات عادية!

عن تجاوز الطائف والأكلاف الباهظة!

الشعب الإيراني يريد النأي بالنفس!

الإصلاح ثم الإصلاح ثم الإصلاح!

للتريث في قراءة مفاعيل التريث!

كيف ستنطلق السنة الثانية من العهد؟

تغيير مفهوم الإصلاح!

“حبيبتي الدولة”!

من حقّ الناس أن تتعب!