حوار المستقبل – حزب الله وحوار عون – جعجع

د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

في المنطقة حوار يسير على عجلاتٍ غير مُتناسقة، تهزُّ العربة صعوداً ونزولاً، ولكنها تسير ببطء، وقد يندفع ركابُ العربة إلى تغيير العجلات في أية لحظة، وبالتالي تسوية الاندفاعة لتسير بإنتظامٍ، قد يُوصِل إلى المحطةِ المرجوة.

 ولبنان، لا بُد له أن يواكِب الاندفاعة الحوارية، مهما كانت الصعوبات التي يواجهها كبيرة، واياً كانت التحديات، لأنه الساحة الاكثر تأثُراً بما يجري حوله، في السلبِ، وفي الايجاب، ومحاولات تحييده عما يجري في سوريا اصطدمت بمعوقاتٍ كبيرة، معظمها كان من صنع الاطراف اللبنانيين، وتحديداً الَّذين انغمسوا أكثر مما ينبغي في مُجريات الاحداث هناك.

 هبوب رياح الحوار البطيئة التي اطلَّت على لبنان، أرخت بشيء من التفاؤل الحذِر على غابات الصعوبات الكثيفة التي تتكوَّن في سواحل لبنان وفي جرود بقاعهِ، وساهمت في تخطي بعض الانسدادات التي كادت أن تؤدي إلى فتنة بسبب الخطف والعزل، لاسيما في أعقاب الإعدام الوحشي الذي تعرَّض له الجندي في قوى الأمن الداخلي علي البزال على يد المجموعات الارهابية في القلمون.

 الحوار المُرتقب بين تيار المُستقبل وحزب الله، يبدو أنه من نتاج الرياح الحوارية البطيئة في المنطقة، ذلك ما اشار إليه على الاقل اثنين من كبار الموفدين الدوليين الذين زاروا لبنان مؤخرا، عنيتُ مبعوث الرئيس الروسي نائب وزير الخارجية ميخائيل بغدانوف، الذي أوضح أن زيارته كانت مُنسَّقة مع وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير سعود الفيصل، الذي كان في زيارة إلى موسكو، والمبعوث الفرنسي، رئيس دائرة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية جان فرنسوا جيرو، الذي أكد أن زيارته تأتي في أعقاب مباحثات حصلت مع إيران والفاتيكان، وتناولت الأوضاع المُعقَّدة في لبنان.

سواء حصل حوار المُستقبل – حزب الله قبل رأس السنة الميلادية أو بعدها، فهو خطوة بالغة الاهمية، وقد أنجز جزءاً من مهمته قبل أن يبدأ، لا سيما في بعض الاسترخاء الذي احدثه على ساحة التوتر الاسلامي – الاسلامي، برُغم التشويش الهائل الذي يرافق مراحل التحضير لهذا الحوار، خصوصاً لناحية جدول الأعمال، وهل سيتناول موضوع رئاسة الجمهورية، وإسم الرئيس المُنتظر، أم لا.

التوجُّه الحواري الاسلامي – الاسلامي، سيدفع حُكماً بإتجاه حوار مسيحي – مسيحي، ذلك عُرف إعتادت عليه الساحة اللبنانية منذ زمنٍ بعيد، بصرف النظر عن مدى الخصومة بين أفرقاء الطرفين، أو بمعزل عن النتيجة الذي قد تتمخَّض عن ذلك الحوار.

 مؤشرات الحوار على الساحة المسيحية قائمة، والمناوشات الإعلامية بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية لا تُلغي الغزل الحاصل من بعيد، بين النائب ميشال عون والدكتور سمير جعجع. ومهما كانت إندفاعة هذا الغزل بطيئة، لكنها تحمل دلائل لا يُمكن التقليل من أهميتها. رئيس تكتل التغيير والاصلاح أبدى الاستعداد للحوار حول مستقبل الجمهورية، ودعى رئيس القوات اللبنانية لزيارة مقرِّه في الرابية، والدكتور جعجع أبدى الاستعداد للزيارة، إذا كانت تُساهم في إيجاد الحلول للفراغ في رئاسة الجمهورية. هذا الفراغ في سدَّة الرئاسة بدأ يُلقي بظلال المسؤولية على الافرقاء المسيحيين قبل غيرهم، وأنتج ما يُشبه القطيعة غير المسبوقه بين مُعظم القيادات المسيحية والبطريرك الماروني مار بشارة الراعي.

 مشهد إنفراط الجلسة 16 المُخصصة لإنتخاب رئيس للجمهورية في 10 ديسمبر 2014، كانت ثقيلة على صدر قيادات التيار الوطني الحُر، وهي بالمقابل لا تبعث على السرور عند أخصامهم في القوات اللبنانية وحزب الكتائب، لأن المكانة المسيحيية تتآكل، ودورهم يضعف مع الفراغ، والدعوة إلى حوار تأسيسي في هذا الوقت بالذات، دونها أخطار كبيرة، وقد تكون نتيجته على عكس ما يتوقع مُطلقيه، خصوصاً إذا ما تمَّ التعرُّض إلى إتفاق الطائف الذي كرَّس المُناصفة بين المسيحيين والمُسلمين. فأيُ حوار تأسيسي غير مدروس اليوم، قد يؤدي بالاطاحة بهذه المُناصفة، لصالح المُثالثة، او المُداورة، ولا يكفي طلب تفسير المادة 24 من الدستور التي تنصُّ على المُناصفة، غطاءً لتلك المُغامرة.

يستفيد لبنان من الاندفاعة الحوارية إذا ما حصلت بين تيار المستقبل وحزب الله، وبين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، ولكن المُبالغة في تكبير أحجام هذه القوى، على إعتبار أنها وحدها التي تملك مفاتيح الحلّ والربط، خطأٌ سياسيٌ كبير. هذه الاطراف الفاعلة على الساحة اللبنانية، قد تكون في مكانٍ ما الاشدُ تأثيراً على مُجريات الاحداث، لأنها تخلق توتراً أكثر من غيرها من خلال حالة الخصومة القائمة فيما بينها، ولكن كلٌ منها يواجهُ إعتراضات واسعة من جمهور البيئة التي ينتمي إليها، ويُحملهم جزءاً كبيراً من الرأي العام مسؤولية ما آلت إليه الامور من تعقيدات.

 هل تدفع الحماسة لترتيب أوضاع الساحة الاسلامية، حماسة مُقابلة لترتيب أوضاع الساحة المسيحية، في ظلِّ بداية تواصُل بين الاطراف الدولية والاقليمية الفاعلة، وبالتالي تتبلور صورة الرئيس اللبناني العتيد قبل 7 يناير القادم؟

اقرأ أيضاً بقلم د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

الشراكة السياسية المهددة

عن لبنان النظيف

زيارة الحريري الى واشنطن.. ما لها وما عليها

جنبلاط في الفاتيكان: المرحلة ليست عادية

مواد مُتفلِّتة في الدستور اللبناني تُربك عمل المؤسسات

قرار رئاسي دستوري، ولكنه مُخيف

بعض ما لم يُقل عن لقاء المختارة

النسبية وبرنامج الحركة الوطنية

عون وجنبلاط والتفهُّم والتفاهُم

اولى قرارات الحكومة لا تشبه البيان الوزراي

حزب الله والواقعية السياسية

لبنان والرياح التأسيسية واللقآت النادرة

مُشكلة السجون اللبنانية وابعادها الامنية والسياسية

لبنان أمام مرحلة من الاختناق السياسي والإقتصادي

محاكمة سماحة: خبرٌ عادي لإعترافات غير عادية

نيسان 1975 ونيسان 2015!

عن الصحافة اللبنانية ونقابتها

حول المؤتمر الـ 13 لحركة أمل

تسريبات غير صحيحة حول الملف الرئاسي

لبنان لا يتحمَّل تجاذبات حول الملفات العسكرية