إيران بعد فيينا

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

استكمالاً لما تم التوصل إليه بين إيران ومجموعة 5+1 في فيينا، وفي سياق الاستعداد للدخول في النقاش السياسي حول الدور الإيراني في الإقليم، بدأ كل طرف بتجميع وتحريك أوراقه. الأميركيون أعلنوا مشاركة إيران في ضرب مواقع «داعش» في العراق.

إيران نفت في بداية الأمر، ورئيس الحكومة العراقية قال: «لا علم لي»، ثم أعلنت دوائر عراقية أن طائرات إيرانية أغارت على مواقع «داعش» وتعاملت طهران مع الإعلان دون أي ردّ فعل، هي إشارة إيرانية حول الاستعداد الفعلي للمشاركة في مواجهة «الإرهاب»، كما ألمحت واشنطن إلى هذه الرغبة أكثر من مرة، العرب لا يشاركون في العمليات في العراق، ومشاركة إيران أثارت انقساماً في الوضع السُني العراقي وتساؤلات لدى بعض العرب.

العشائر التي ينتظر زعماؤها تسليماً من حكومة بغداد، أو تسليماً مباشراً من أميركا، وقد زار وفد منهم واشنطن والتقى المسؤولين الأميركيين، وتقدموا بطلبات واضحة، هذه العشائر تعتبر أن كل الوعود التي قطعت لم تنفذ لا من قبل الأميركيين، ولا من قبل العراقيين حتى الآن.
ذهب البعض منهم إلى طهران وطلبوا المساعدة، وعندما بادرت إيران إلى الضرب، كان التوقيت مدروساً.

وفي طهران عُقدَ لقاء ثلاثي بين وزراء خارجية العراق وسوريا وإيران، تحت عنوان تحالف إقليمي لمواجهة الإرهاب في إطار حركة إيرانية واضحة تهدف إلى التأكيد على أهمية الموقع العراقي ودور طهران فيه، مع الشيعة طبعاً، ومع الأكراد بعد استهدافهم من قبل «داعش» وتدخل قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني إلى جانبهم، والمساهمة في وقف تمدّد تنظيم «داعش»، ومع السنة الآن من خلال الحركة الانفتاحية في الداخل العراقي بتركيبة الحكومة ومؤسساتها بعد تغيير نوري المالكي، أو من خلال العلاقة مع رموز بعض العشائر، كما ذكرنا وإبداء الاستعداد لتسليحهم ومساعدتهم والمشـاركة الفعلية في ضـرب مـن يهـددهم أي «داعش»، لا شك في أن طهران تخشى خطر «داعش»، وما يمكن أن تمثله من تهديد لها وللعلاقات الإسلامية الإسلامية، وما يمكن أن يتركه هذا الأمر من انعكاس مباشر عليها في الداخل، وعلى مصالحها وحلفائها في الخارج.

وهي أيضاً أكثر تمسكاً من أي وقت مضى بالنظام السوري، واستعداداً للدفاع عنه من خلال «حزب الله» وميليشيات شيعية عراقية والدعم المالي والعسكري الذي تقدمه لهم، والتلاقي مع الدعم الروسي الكبير، والذي سيتضاعف في هذه المرحلة في ظل الخلاف الاستراتيجي الكبير الذي يحكم العلاقات الروسية – الأميركية، بعد سعي أميركا الدائم لإذلال الروس من خلال تشديد العقوبات عليهم وتخفيض أسعار النفط بهدف تركيعهم! كذلك سجل في طهران حضور وفد رفيع المستوى من «حماس» في مؤتمر «مواجهة العنف والتطرف» ولا نقاش في التزام إيران بدعم «حزب الله» بشكل مفتوح، نظراً لما يمثله من دور أساسي في لبنان وبعض الجوار.

هل يعني ذلك أننا ذاهبون إلى مواجهات أو صدامات أميركية إيرانية أو ما شابه؟ بالتأكيـد لا.

هي عملية تجميع أوراق، ولعبة مفتوحة، تحصل فيها مناوشات ومناكفات، ولكن لن تحيد عن مسار الرغبة في استكمال التفاوض للوصول إلى تحديد دور إيران الإقليمي، بحيث لا تكون «الدولة الأهم» في المنطقة، كما يقول المسؤولون الإيرانيون.

ولا تكون سياسة الأخطبوط الممدودة الأيدي في أكثر من اتجاه، وإلى أكثر من موقع هي السياسة الإيرانية المقبولة، لأن التوجه الأميركي هو الاتفاق على ومع ايران دولة منضبطة، وعلى قاعدة وجود إسرائيل دولة آمنة ومستقرة !

ويجب ألا ننسى أنه في ظل هذه الرغبة، بل هذه الاستراتيجية يعود المستشارون الأميركيون إلى بغداد، وينتشرون في أكثر من موقع.

فهل يمكن إعادتهم رهائن أو أهدافاً لإيران، وغيرها بعد القرار الكبير بالانسحاب من بغداد؟ المنطق يقول: لا إنهم يعودون في إطار دور لا بدّ أن ينسّق مع طهران، فكيف إذا كانت علامات التنسيق الظاهرة فاجأت كثيرين، وإذا كان تأكيد من «عبادي» بأنه لم يوقـّع على حصانات لأحد؟ وكيف إذا كان التأكيد الأميركي أنهم لا يعملون لتغيير نظام الأسد كأولوية اليوم. وذهب رئيس الائتلاف السوري هادي البحرة إلى حد القول: أميركا نسيت الأسد!