البابا فرنسيس الأول، أردوغان وحوار الأديان

محمود الاحمدية

“لو أن البشر عرفوا الله لما قسموه إلى عبراني ومسيحي ومسلم وبوذي ووثني ولما أرهق إنسان دم إنسان”.

في زيارة تاريخية لتركيا قام بها البابا فرنسيس الأول، ارتسمت في الأفق معالم جديدة عنوانها الأساسي حوار الأديان… ومما لا شك فيه أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قدم نفسه كزعيم مسلم قائد وببُعْدٍ عالمي… فمنذ أسبوع وقبل وصول البابا إلى تركيا، قام بتدشين جسر ضخم في اسطنبول وأطلق عليه إسم جسر سليم الأول مع كل ما يرمز هذا الإسم من عنفوان تركي مسلم قاد تركيا إلى تكريس الدور العثماني المقارع للغرب كله وعلى قدم المساواة ومجرد إطلاق هذا الإسم يُعدّ مشروع عرض عضلات وتذكير العالم أجمع بأسماء كادت مع كمال أتاتورك أن تمحى من الخارطة وتذهب إلى النسيان…

 ولكن تركيا أردوغان غير تركيا أتاتورك.. وقبل فترة وجيزة أعلن أردوغان وبمبادرة شكلت صدمة كبرى للغرب عندما أعلنها بأنه من الخطأ التاريخي القول أن كريستوف كولومبس هو الذي إكتشف أميركا بل هم المسلمون الذين إكتشفوها وأن هناك تعتيم حقيقي على هذه الحقيقة حسب قوله واستطرد متوجهاً إلى مسلمي العالم قائلاً يجب إلا نغرق في الشعور بالنقص اتجاه الآخرين وعلينا أن نرفع رأسنا أمام العالم كله ويجب ألا نتعجب من انتصاراتنا فهي تكملة لتاريخنا.. وفي استقباله البابا فرنسيس الأول قدم نفسه قائداً مسلماً عادلاً عندما تحدث عن (الإسلاموفوبيا) محذراً العالم من خطر التطرف وفي الوقت نفسه منبهاً العالم على التنبه وعدم التجاهل لهذه الحقيقة المرّة التطرف الإسلامي ولكن في الوقت نفسه يجب معالجة الأسباب والجذور وليس فقط النتائج!

وهنا وبالذات عند هذه النقطة اصطدام الحوار بنوع من الحدّة على أساس أن البابا فرنسيس الأول وبمبادرة تاريخية قام بتأييد الحملة العسكرية للإتحاد الدولي على داعش والفاتيكان وتاريخياً معروف عنه إقصاء نفسه عن تأييد أي حملة أو هجوم عسكري مهما كانت أسبابه وذلك كمبدأ أساسي وعام ولكن البابا فرنسيس الأول قلب المعادلة إيماناً منه بخطر داعش والإسلام المتطرّف.. والموقف التركي واضح في هذا المجال عندما يربط التأييد المعنوي والعسكري للإتحاد الدولي في كاباني بسقف شكله شرطاً أساسياً وهو إسقاط النظام، على أساس أن الإرهاب وأحد والقتل واحد وتفجير البشر بالبراميل المتفجرة والغازات السامة لا يقل إرهاباً عن ذبح الآخرين على يد داعش.

erdoghan-pope

وفي هذا المفصل بالذات يظهر التباين بين الموقف التركي والفاتيكان الذي يبدي مرونة أمام السياسة الأميركية في هذا المجال في وضع أولويات لأهداف الحملة وهي إسقاط داعش أولاً أما تكملة الأهداف فحتى هذه اللحظة غير واضحة وترتبط مباشرة بالملف النووي مع إيران والمحافظة على كامل أوراق التفاوض وهذا يشكل دعماً لضبابية الصورة أن هناك “قبة باط” أميركية في مساحة ما عن داعش لإبقائها ورقة إختراق في قلب الهلال الشيعي الذي تحدث العالم عنه كثيراً وإبقاء داعش ورقة ضغط على الجميع ومن هنا يفهم الحديث عن سنين عديدة لإمكانية القضاء على داعش مما جعل العالم كله يقف مشدوهاً أمام كاريكاتورية إتحاد عسكري دولي من أربعين دولة ضد إمارة إسلامية متخلفة ومحاولة نفخ خطرها إلى درجة تحويلها إلى بعبع عالمي يحتاج إلى جهد عسكري خارق للقضاء عليه!!! وعودة إلى الزيارة التاريخية لفرنسيس الأول لتركيا كانت هناك مهمة تقريب الكنيسة البيزنطية من الفاتيكان وخاصة وبالتفصيل الدقيق توحيد توقيت الميلاد…

 أما المباحثات مع أردوغان فإن خطوة فرنسيس الأول تعتبر بكل المقاييس إختراقاً لكل الذكريات الأليمة التي صبغت علاقة الفاتيكان بتركيا ومجرد الحوار وبعمق مع الأتراك ومجرد تقديم أردوغان نفسه كمحاور مسلم أولاً وكقائد لمحور إسلامي يطال مساحة العالم أجمع، فإن المباحثات والحوار اكتسبت أهمية قصوى ومفصلية على مستوى محاولة فك الإشتباك الديني بالحوار فقط وهذه هي وجهة النظر الأساسية للفاتيكان.. بالرغم من دعمه للحملة العسكرية على داعش..

إن هذه الزيارة حقّقت خطوة أولى في مسيرة التقارب بين العالمين المسيحي والإسلامي ولولا هدير المدافع والطائرات وتغليب لغة السلاح والقوة في كل زوايا منطقة الشرق الأوسط لقُدّر لهذه الزيارة أن تبرز أكثر وتلقى صدى أكبر في مساحة إحياء السلام بين الشعوب وتركيا بما تمثله من تاريخ وواقع وحضور إسلامي تستطيع أن تشكل مع الفاتيكان نقطة البيكار لعنوان جديد يصنع المرحلة الحالية ويختصر بكلمتين: حوار الأديان…

كم كان رائعاً نصري سلهب عندما عندما قال: “أنا المسيحي، المؤمن بسر التجسد وبجميع الأسرار المسيحية والمتعبد لشخص المسيح كإنسان وإله، أنا المسيحي، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن المسلم أخي أحبه كما أحب المسيحي بل أكثر، لأنّي أعمل بوصية المعلّم القائل: “أحبّوا بعضكم بعضاً كما أن أحببتكم ليعلم الناس أنكم تلاميذي”.

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة