واقع الحركة النقابية وضرورة التغيير

احمد حسان

منذ أكثر من عقدين من الزمن نتبارى على توصيف الواقع النقابي الذي وصلت إليه الحركة النقابية من تراجع ومن تماهي معيب مع الإنقسامات السياسية والطائفية والفئوية السائدة في لبنان، وعن فشل النقابات والقيادات النقابية في تحقيق مصالح العمال، وفي تطوير آليات عملها وإرساء واقع نقابي مستقل وديمقراطي وفاعل يملك المؤهلات المطلوبة التي تخوله طرح نفسه كبديل عن الواقع الطائفي والسياسي الذي ينخر وحدة البلاد ويهدد حاضرها ومستقبلها ومستقبل الحركة العمالية فيها.

إن واقع الإتحاد العمالي العام لا يشي بأية إشارة حياة تدل على وجوده وعلى لعب دوره في تحقيق مصالح الأجراء وحماية لقمة عيش أصحاب الدخل المحدود والفقراء، بل هو غائب تماماً عن مشهد غرق البلاد في الأزمات الإقتصادية والأمنية والإجتماعية، وعن غزو اليد العاملة الأجنبية لكل ما تبقى من فرص عمل ليد عاملة لبنانية لا تجد لها مكاناً في ميادين العمل، بل وتقف عارية أمام المنافسة غير القانونية وغير العادلة التي تطال مختلف القطاعات ألإنتاجية.

لقد فشلت كل محاولات الإصلاح للإتحاد العمالي العام وتوحيد القوى النقابية، واصطدمت هذه الجهود بمقاومة شرسة لمنع التغيير، ومنع إقرار هيكلية نقابية تعكس صحة التمثيل الحقيقي للنقابات والإتحادات النقابية داخل الإتحاد العمالي العام، وتطور آليات عمله وترسخ مفاهيم الممارسة الديمقراطية داخل هيئاته الدستورية.

بالرغم من كل هذا الإنحدار المخيف في العمل النقابي، المستهدف دائماً وأبداً من السلطة السياسية وأصحاب النفوذ الطائفي والمالي، وبالرغم من غياب الظروف الموضوعية والمادية وتوازن القوى بين العمال وأصحاب العمل المدعومين من السلطة السياسية، وبالرغم من المقاومة الشرسة للتغيير، إلا أن هناك نخبة من المناضلين النقابيين الشرفاء الذين يملكون الإرادة الحرة لإنقاذ الحركة النقابية من ما تعانيه من قمع وتهميش وتشويه لتاريخها ولدورها الوطني العريق، والسعي دون كلل أو ملل لتغيير واقع الحركة النقابية، وتعزيز مشاركتها في الحياة الإجتماعية والإقتصادية والمهنية للمواطنين، وتحويل المأزق الذي يعيش فيه العمال ومنظماتهم النقابية إلى فرصة لإنقاذ العمل النقابي من براثن الإنقسامات، ونقله من حالة التبعية والإستكانة والخنوع إلى حالة وطنية عامة تسمو فوق كل الإنقسامات الحادة وتعيد الصراع إلى حقيقته بين عامل مُستغَل وبين طبقة مُستغلّة من أصحاب النفوذ المالي والإقتصادي والطائفي.

إن هذه المحاولات الجادة تستحق منّا كل التقدير والدعم والوقوف إلى جانبها بكل الإمكانيات المتاحة، ومدها بما نستطيع من عوامل الصمود والقوة لإنجاحها وتحقيق الأهداف المشتركة لها، خاصة أن جميع المحاولات السابقة باءت بالفشل نتيجة التسويف والمماطلة وغياب الإرادة والإدارة الصحيحة، والوقوع في مطبات سياسية وفئوية عطلت كل المساعي ودفنت محاولات التغيير في مهدها.

lebanon-56

لقد أصبح من الواجب تجنب الوقوع في تجارب وأخطاء سابقة كانت السبب في فشل معظم المبادرات ومحاولات الإصلاح، وهو ما يدعو إلى الأخذ بعين الإعتبار المسائل التالية:

1- فتح أوسع نقاش وحوار جدي بين مختلف القوى النقابية للوصول إلى الأهداف المشتركة ووضع برنامج عمل وأولويات وخارطة طريق للوصول إلى تحقيقها.

2- العمل على بناء الموقف والخيار النقابي الواضح، الذي لا يحتمل التأويل والتفسير والمساومة.

3- الإلتزام بالقرارات والمقررات والنتائج التي تنبثق عن جلسات النقاش والحوار، والتعامل معها بجدية وبمتابعة دائمة.

4- تجنب إستنساخ التجربة الفاشلة للإتحاد العمالي العام في إقصاء شريحة واسعة من النقابات والإتحادات النقابية عن سلطة صنع القرار النقابي وتنفيذه.

5- التشبيك مع العاملين في الإدارات والمؤسسات العامة وروابط المعلمين ونقاباتهم، ولا سيما هيئة التنسيق النقابية، وإشراكهم في النقاشات والحوارات النقابية، وفي عملية صنع القرارات وتنفيذها.

6- التشبيك مع المنظمات والجمعيات والروابط والنوادي والأحزاب السياسية من أجل الوصول إلى تحقيق الأهداف المشتركة بنجاح .

7- عدم التفرد والشخصانية في إتخاذ القرارات وتنفيذها بعيداً عن رأي وإرادة الاغلبية، خاصة أن جميع المشاركين على درجة واحدة من المساواة.

8- الإتفاق على صيغة تنظيمية ديمقراطية واضحة، قادرة على جمع مختلف القوى والشرائح العمالية وتوفير المناخ الديمقراطي المناسب للتنسيق في ما بينها وتوحيد جهودها وأنشطتها.

9- الإتفاق على برنامج مطلبي وطني شامل، وتحديد الاولويات فيه، ووضع خطة عمل واضحة وشفافة لتحقيقه.

قد يكون حضرنا شيء وغابت عنّا أشياء، ولكن يبقى أن صدق النوايا والإلتزام الحر والصادق بالمساهمة في إنقاذ الحركة النقابية من مأزقها، وجعلها أكثر حرية واستقلالية وديمقراطية، يتطلب بذل كافة الجهود وعلى كافة المستويات.

لنا كل الأمل بأن تعود جبهة التحرر العمالي إلى لعب دورها التاريخي في تطوير وتفعيل العمل النقابي وتكون سباقة في الدعوة إلى هذا الحراك، خاصة إنها إحدى الدعائم والركائز الأساسية للحركة النقابية اللبنانية، وفيها نخبة من المناضلين النقابيين الذين يملكون الإرادة الحرة والإلتزام الصادق بالتغيير.

———————-

(*) أمين الإعلام في جبهة التحرر العمالي

اقرأ أيضاً بقلم احمد حسان

حزب جلسة الشاي… والتحدي الحقيقي

الإرادة المسبقة بتعطيل مفهوم الدولة

التحدي الخطير والمراقب الحذق

الجنة ليست للفقراء

اليوم العالمي للحرية وبصمة العار اللبنانية

حذار الوقوع في فخ إتفاقية جنيف للاجئين

الحزب والجبهة وتحدي التغيير

المرأة وثقافة العيب

العدالة الإجتماعية كحافظة للسلم الأهلي

الرئاسات ليست ملكاً للطوائف!

كم نحن بحاجة إليك اليوم وليد جنبلاط

سلاح الجيش الأمضى الذي لا يمتلكه غيره

قدر لبنان ورسالته التاريخية

الطاحونة السورية والغلّة اللبنانية

المجموعات الطوائفية والمعارك الوجودية

البديل النقابي الديمقراطي وتحدي التغيير

مفهوم السيادة والدولة الفاشلة النموذج اللبناني

قواعد السياسة الإقتصادية وهاجس الإمساك السلطة