«النووي» الإيراني ما بعد التأجيل

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

لم يتم التوصل إلى اتفاق كامل بين مجموعة الـ 5+1 وإيران في فيينا. ولم تقع المواجهة، تمّ تأكيد الاتفاق السابق، وإضافة أشياء جديدة عليه. واستمر رفع العقوبات الجزئي عن إيران التي ستستفيد اليوم من 5 مليارات دولار إضافية جمدتها أميركا سابقاً، وتمديد مهلة التفاوض حتى يونيو 2015.

على مدى أسبوع، كان العالم كله منشغلاً بالمفاوضات في فيينا. زيارات مكوكية، واتصالات مفتوحة، ولقاءات سرية وعلنية، ومتابعة إعلامية وسياسية ودولية وإقليمية وعربية وإسلامية غير مسبوقة. قادة ومسؤولون وحكام بنوا حسابات كثيرة على ما يمكن أن تسفر عنه المفاوضات. وإيران كانت محور كل ذلك. كانت هي القضية ومحور الاهتمام. ونجحت في النهاية سياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً. إذا كان المقصود ضربها منذ سنوات، فهذا لم يحصل ولن يحصل. تمددّ نفوذها ودورها أكثر، أرهقتها العقوبات، هذا صحيح. لكنها أرهقت الآخرين أيضاً في ساحات عدة من أفغانستان إلى اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين والسودان والصومال وليبيا ومواقع أخرى في العالم. أصيبت مالياً واقتصادياً، فأصيب غيرها سياسياً وأمنياً ومالياً واقتصادياً ومعنوياً. واستهلكت هي إدارات أميركية متعاقبة وحكومات غربية كثيرة وحافظت على مسارها. لم تأخذ في اتفاق العام الماضي كل ما كانت تخطط له. ولم تأخذ أميركا ما كانت تريده. كان اتفاق الضرورة كما أسميناه في حينه. الاتفاق الذي أرسى موقع إيران ودورها ومشروعها النووي ولو السلمي، إذ كان ثمة من يخشى مشروعها النووي العسكري في حال تأكد اعتباره هدفاً استراتيجياً لها. استفادت من كل الأوراق والوقائع في المحيط والعالم، واستطاعت تطوير الاتفاق والتقدم خطوات إلى الأمام. وليس ثمة مبالغة إذا قلنا إن الحدث الأبرز دولياً كان هذا الاتفاق. عام 2014 كان عام إيران، دون أن ننسى الحدث الأوكراني، وما سببه من حصار لروسيا وقد استفادت منه أيضاً إيران. صحيح أن القوى التي لا تريد اتفاقاً مع إيران، وعلى رأسها إسرائيل، قد نجحت في ضغوطاتها لكن في النتيجة ما قاله الرئيس أوباما يتطابق مع ما أعلنه رئيس حكومة الإرهاب في إسرائيل نتنياهو. الأخير قال : «عدم التوصل إلى اتفاق أفضل من التوصل إلى اتفاق سيئ. والتمديد هو الخيار الأفضل في الوقت الراهن»!

البيت الأبيض علّق على لسان المتحدث باسمه جوش إيرنست: «أوضح الرئيس أن عدم التوصل إلى اتفاق أفضل من التوصل إلى اتفاق سيئ. لكننا نعتقد أنه تحقق تقدم كاف يبرر إتاحة مزيد من الوقت للنظام الإيراني للرد على مخاوف المجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي»! قبل ذلك، كانت اتهامات بين الطرفين. نتنياهو «سخر من أميركا التي بينت كم هي تواقة إلى اتفاق مع إيران خوفاً من الانزلاق إلى حرب معها». والأميركيون ردوا بسخرية جديدة «إن نتنياهو ادعى أنه انفق مليارات الدولارات لضرب المواقع النووية الإيرانية، ولكنه لم يفعل شيئاً». وسابقاً اتهمه البعض بالجبن لعدم إقدامه على مثل هذه الخطوة. في النهاية لا إسرائيل ولا أميركا ولا أي جهة ضربت إيران عسكرياً. إيران ضربت ضربتها السياسة والدبلوماسية والإعلامية والمعنوية وتحاول فرض نفسها لاعباً وشريكاً في تقرير مصير المنطقة.

هذا هو الواقع السياسي وتؤكده الوقائع الميدانية. ماذا بعد التمديد ؟؟ الذهاب إلى تحديد الأدوار. لم تعد المسائل تقنية. التقنية هي الظاهر. المسألة سياسية. أين هو دور إيران؟؟ وما هي مواقف الدول الأخرى في المنطقة؟؟

جون كيري يعتبر أن ما تم التوصل إليه يؤسس لمرحلة جديدة يمكن الاستفادة منها لطمأنة حلفائنا في المنطقة. إسرائيل ودول الخليج والتفاهم مع إيران. الآن مرحلة البحث في حسابات الربح والخسارة وتوزيع الأدوار والأرباح. الأشهر المقبلة ستشهد عروضاً وتجاذبات كثيرة ستستمر المفاوضات الثنائية الأميركية – الإيرانية ومتعددة الأطراف. وستحصل اصطدامات بين قوى مختلفة قبل التوصل إلى تفاهمات. هذه طبيعة اللعبة. لكن المسار بات واضحاً، وعلى هذا الأساس يجب أن يتصرف من تبقى من عرب!