عون – جنبلاط: ليس هناك شيءٌ جديد

د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

بصرف النظر عن الجهة التي تقف وراء التسريبات الإعلامية المُتعددة التي تناولت العلاقة بين رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط ورئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون، لا يمكن فهم مضمون هذه التسريبات إلا في سياق ذهنية استخباراتية، الغائية، تنتمي إلى سياق عهدٍ قديم، غلبت على مندرجاته لغة التهديدات، ولغةُ الاتهام والتخوين.

إن إتهام جنبلاط بأنه أجهض مبادرة عون الرئاسية الأخيرة، هو اتهامٌ لا يستند إلى أي مُبررات واقعية، كما أن إلصاق تحليلات غريبة على مواقف العماد عون، تجاوُز للموضوعية في تفسير التصريحات. أوساط الرجلان تؤكد أنه لا يوجد أي جديد متوتر في علاقتهما، كما أنه لا يوجد أي تقدم في سياق هذه العلاقة، فهي على الوتيرة ذاتها من التفهُّم والتفاهُم اللذين يأُخذان خصوصية كل منهما في الاعتبار.

مبادرة العماد عون في إستعداده للنزول إلى مجلس النواب لإنتخاب رئيس للجمهورية، إذا ما انحصرت المُنافسة بينه وبين الدكتور سمير جعجع ليست موجهة ضد جنبلاط، كما أن مبادرته السابقة لتعديل الدستور وإنتخاب رئيس من الشعب مباشرةً لم تكُن كذلك. بالمقابل لا يبدو أن هاجس جنبلاط هو الحؤول دون وصول العماد عون إلى رئاسة الجمهورية، على ما يحلو لبعض المُستفيدين إستنتاجه، فهو إعترف لعون بحيثيته التمثيلية، وأكد من الرابية على التمسُّك بتأييد ترشيح النائب هنري حلو.

مبادرة العماد ميشال عون الأخيرة في طلب حصر الترشيحات للرئاسة فيه وفي رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، لحضور جلسات الانتخاب التي يُقاطعها  على مدى 18 دعوة، منذ ايار/مايو الماضي، تُعتبر تقدماً ملحوظاً، لأن ما سبقها من مواقف كانت تحمل إصراراً على أحقيته بتولي الرئاسة، كونه يترأس أكبر كتلة نيابية مسيحية، وبالتالي كان يرفض الإعتراف لغيره بحق تولي المنصب، بما في ذلك للدكتور سمير جعجع، وبطبيعة الحال للمُرشحين الأقوياء الآخرين، وعلى وجه الخصوص الرئيس امين الجميل ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية.

إلا أن مبادرة الجنرال عون بحصر المنافسة بينه وبين جعجع، إصطدمت بمعوقات قانونية قبل أن تصطدم بمعوقات سياسية. فالمادة 49 من الدستور التي تتحدث عن كيفية انتخاب رئيس الجمهورية، لا تلحظ اي كلمة عن الترشيحات للرئاسة، بل هي تنص على انتخاب الرئيس بأغلبية الثلثين من النواب في الدورة الأولى، والنصف زائد واحد في الدورة الثانية، من بين الذين تتوافر فيهم المؤهلات للترشُح للنيابة، وبالتالي فالنواب غير مُقيدين قانوناً بإنتخاب أحد المُرشحين، ولهم حق إختيار اي كان، لا سيما أن عملية الاقتراع سرية، وتجري بواسطة ورقة مطوية يضعها النائب في صندوقة الاقتراع. هذا الامر يُفقد مبادرة عون مضمونها القانوني، ويسحب اي ضمانات يريدها الجنرال، بصرف النظر عن تأكيد جنبلاط التمسُّك بتأييد هنري حلو، أو عدم إعلان هذا التأييد. فالقانون الدستوري لا يُلزِم اي من النواب بالاقتراع لمُرشحين مُحددين، بل ان الاولوية في الاختيار هي للاعتبارات السياسية.

بعض الأوساط السياسية تبالغ في توصيف الواقع، وتُلقي تبعات إجهاض مبادرات عون على جنبلاط، وهذا غير صحيح، فالمطبات التي تعترض مسيرة عون نحو قصر بعبدا كبيرةٌ جداً، منها مطبات من صنعٍ داخلي مُحكم، ومنها مطبات لها تركيبتها الخارجية الواضحة، وهذا الأمر ينطبق على غيره من المُرشحين المُعلنين، مما يُغلِّب فرضية التوافق المُتأخر على الرئيس العتيد، أكثر مما يعطي الفرص لمُرشحي التحدي.

والتهديدات التي تُسربها بعض المصادر- المجهولة/ المعلومة- بقصد حشر النائب وليد جنبلاط، أو بقصد التخويف، إذا لم يقترع مع كتلته للعماد عون، تنتمي إلى ذهنية مرحلة مرَّ عليها الزمن، خصوصا أن هذه المصادر تُنسب إلى حزب الله بعض المعلومات، رغم أن تنظيم العلاقة بين جنبلاط وحزب الله ما زال قائماً بوتيرة واضحة، والاجتماعات بين الحزبين تجري على مستوى مناطقي، والاتفاق على تنظيم الخلاف فيما يتعلق بالاحداث في سوريا لم يُلغى من أجندة الطرفين، وحزب الله لم يطلب من جنبلاط اي شيء يتعلق بإنتخابات رئاسة الجمهورية.

عندما قرر جنبلاط إعتماد الوسطية في سياسته الداخلية، كانت تلك مقاربة تحمل خلفية التقارب مع أطراف قوى 8 آذار، ومنهم التيار الوطني الحر الذي يترأسه العماد عون، ومُحاصرة الانقسام العمودي المُخيف الذي عاشته البلاد آنذاك، وجنبلاط خرج في العام 2009 من الحلف الذي كان يجمعه مع قوى 14 آذار، وليس العكس، وبالتالي فلا يبدو أن جنبلاط لديه قرار بمخاصمة أحد أهم أطراف قوى الثامن من آذار، اي العماد ميشال عون.

الاعتبارات الوسطية التي يستند اليها جنبلاط، لا تعني بأي حال من الاحوال تحولهُ إلى جزء من المكونات السياسية الأُخرى، ولا يعني الامر أنه قابل للترويض سريعاً والانخراط مع هذا او ذاك من الاحلاف القائمة، ولا مُخاصمتها في آنٍ واحد. وهذا الامر ينطبق على خصوصية علاقاته الخارجية، فهو من ناحية يُحافظ على تواصله المُميزة مع المسؤولين السعوديين، وعلى اتصالاته مع الدول الغربية، ولا يُفرِّط بصداقاته مع العديد من القيادات في روسيا.

لا يبدو أن العلاقة بين العماد عون والنائب جنبلاط أمام مُقاربات جديدة، ولا هي تسيرُ بإتجاه التأزُّم.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

إخفاق في معالجة زحمة السير

الانتخابات والمحاذير المخيفة

الخلافات العلنية والتفاهمات السرية

انتخابات لإثبات الوجود السياسي

الانتخابات تفرق شمل الحلفاء

هل انتهت الأزمة السياسية بين التيار و«أمل» مع انتهاء الهيجان السياسي؟

كيف أطاح قانون الانتخاب الجديد بالتحالفات التقليدية؟

إعادة الحياة إلى وسط بيروت قرار في منتهى الأهمية

عن ذكرى استشهاد محمد شطح «رمز الحوار»

دوافع بيان مجلس الأمن؟

لا مستقبل للسلاح غير الشرعي

هل شملت التسوية الجديدة كل أطراف العقد الحكومي؟

مساكنة حكومية إلى ما بعد الانتخابات

عن شروط الاستقرار في لبنان

القطاع الزراعي اللبناني على شفير الانهيار

لملمة الوحدة الوطنية

ما أسباب مخاوف بري على «الطائف»؟

زيارة الحريري إلى موسكو بين الواقع والمُرتجى

المجلس الدستوري يربك القوى السياسية

الجيش اللبناني ومواجهة المستقبل