إسرائيل والصراع الديني

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

في متابعة للحملة الإسرائيلية على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، جدّد رئيس حكومة الإرهاب بنيامين نتانياهو القول: «ما جرى في القدس هو النتيجة المباشرة للتحريض الذي تقوده حماس وأبو مازن». وكرر وزير الخارجية الإسرائيلي اتهامه بأنه «أحال» النزاع إلى نزاع ديني بين اليهود والمسلمين والتحريض المنهجي الذي يقوده ضد اليهود – حينما يتحدث عن تدنيسهم لجبل الهيكل بالصعود إليه – هو توجيه بتنفيذ عمليات حقيرة كهذه! أما وزير الاقتصاد «نفتالي بينيت»، فقد قال: «محمود عباس هو من أكبر الإرهابيين الذين أنجبهم الشعب الفلسطيني، يتحمّل المسؤولية المباشرة عن دماء اليهود، التي أريقت في الكنيس. ففيما كنا منشغلين بأوهام العملية السلمية أعد لنا الفلسطينيون بنية إرهاب وتحريض متداخلة. لقد أعلن أبو مازن الحرب علينا ويجب أن نتعامل معه على هذا الأساس»! وتستعد عصابة نتننياهو للقيام بحملة دولية ضد أبو مازن شخصياً، وسعياً لإظهار «الصدمة من المجزرة»، فأنا أريد رؤية اشمئزاز، كما قال نتنياهو.

لقد أصبح أبو مازن أخطر الإرهابيين فيما أركان العصابة دعاة سلام. ويأتي كلامهم هذا في وقت يحذر فيه أقرب الناس إلى إسرائيل- تاريخياً في أميركا وأوروبا- من السياسات المتهورة لحكومة نتنياهو من الاقتحامات المتتالية للأقصى، والاستمرار في الاستيطان واتخاذ الإجراءات الاستفزازية ضد الفلسطينيين، حتى أن نقاشاً يدور في الاتحاد الأوروبي حول الخطوات العملية التي يجب اتخاذها لمعاقبة إسرائيل، وقد اقترح بعضهم المقاطعة الكاملة وتحميلها مسؤولية ما يجري، لأنه يعطّل العملية السلمية! تريد إسرائيل اليوم استغلال ما جرى في الكنيس للادعاء بأنها تتعرض لموجة من الإرهاب، وهي تدافع عن نفسها وعن مقدسات الشعب اليهودي. فماذا عن حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه ومقدساته؟ أبو مازن إرهابي في نظر الإسرائيليين ومدان من قبل «حماس» لأنه انتقد عملية الكنيس!

التركيز الإسرائيلي على تحول الصراع إلى صراع ديني إسلامي – يهودي لاتهام أبو مازن والفلسطينيين عموماً بذلك، أمر مدروس ولا يأتي في سياق رد الفعل، يريدون الاستناد إليه لتسريع الخطوات الآيلة إلى إعلان إسرائيل «دولة يهودية»، ما يهدّد الوجود الفلسطيني داخل أراضي الـ 48، كما يهدّد ما تبقّى لهم خارجها ويقضي على فكرة وحلم إقامة الدولتين، وهذا يعني استمرار الحرب لأن الفلسطينيين لن يتنازلوا عن حقهم، وسيستخدمون كل الوسائل دفاعاً عنه عندما لا يكون أمامهم سوى خيار الموت دهساً أو قصفاً أو خطفاً أو نسفاً أو حرقاً أو شنقاً أو قتلاً جماعياً!

منذ فترة قريبة، التقى أحد المسؤولين العرب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الذي قال لي: «بادرتني إلى القول: أنا صديقة إسرائيل. ماذا تريدون مني؟ أجبتها: اقنعي نتنياهو بالسلام. من دون السلام لن يكون هناك أمن واستقرار في المنطقة، بل سيزيد التطرف، وما تسمونه الإرهاب وتحذرون من خطره، ولن يكون موقع للمعتدلين. هذا دوركم وهذه مسؤوليتكم. أنت صديقة إسرائيل. والصحافي الأميركي توماس فريدمان صديقها أيضاً. هلاّ قرأت آخر كلام له؟ لقد حذر المسؤولين الإسرائيليين من مخاطر ما يقومون به من إجراءات استفزازية ضد الفلسطينيين. (إن الأولوية يا سيدتي يجب أن تعطى لهذا الأمر)»! سألت المسؤول: «ماذا قالت لك»: قال: «لا شيء فعلياً. وعدت بالاستمرار في العمل»!

المسؤول نفسه التقى أحد أبرز المسؤولين العسكريين الأميركيين الذين زاروا المنطقة الجنرال فوكس، قال لي: «فاجأني هذا المسؤول بالسؤال: ماذا تنصحوننا أن نفعل؟؟ استغربت! فالناس يعتقدون أو يتوهمون أن لدى الأميركيين استراتيجية، لا سيما بعد إعلان التحالف الدولي وتنفيذ عمليات ضد (داعش). فإذا بهم يأتون إلينا يطلبون النصيحة . وهل إذا نصحناهم سيقبلون؟؟ على كل حال قلت له: لقد تسببتم بما جرى في العراق. وعدتم إلى المواجهة التي في شكلها الحالي لن تنفع. اذهبوا إلى الموضوع الأساس. السلام. اقنعوا إسرائيل بالتسوية مع الفلسطينيين. ألا ترى ماذا يجري في الأقصى؟؟ هذه نصيحتي. ومن دون أبو مازن لا سلام. لقد قتلوا رابين. ثم قتلوا عرفات. واليوم يهددون أبو مازن. فماذا تنتظرون؟؟»، ماذا كان جواب المسؤول الأميركي؟ قال: «إن الوزير كيري يعمل. لكن الأمور صعبة»!!، قلت: – يضيف المسؤول العربي – «نعرف أن الأمور صعبة ولكن ما تقومون به غير كاف. أنت طلبت نصيحة وأنا قلت لك ماذا يجب أن تفعلوا. الموضوع الفلسطيني هو الأساس. إذا لم يكن لكم حل يعني أننا ذاهبون إلى مزيد من التطرف والإرهاب ويجب أن تتوقعوا كل شيء»!!

يطلبون النصيحة ولا ينتصحون، ونتنياهو يريد أن يرى اشــــمئزازاًَ من تصرفات الفلسطينيين!! وإذا نجح في جعل الصراع دينياً فمعنى ذلك أننا ذاهبون إلى مرحلة جديدة، سنشهد فيها المزيد من العمليات الأمنية بين فعل وردّ فعل ستتجاوز بالتأكيد الساحة الفلسطينية رغم أنها ستكون نوعية ومرعبة عليها، لتصل إلى الغرب كله وإلى أميركا نفسها مجدداً، ولن يكون أحد في أمان …