اتفاقية الطائف سقوط جدار برلين مفارقة مؤلمة في الزمان والمكان

محمود الاحمدية

تاريخ موحَّد لمناسبَتَيْن تبرزان حدثَيْن متناقِضَيْن في المستوى وفي المعنى وفي الأسلوب إلى حدٍّ مؤلمٍ بامتياز… بالأمس القريب رأينا الحكومة الألمانية والشعب الألماني يحتفلان بسقوط جدار برلين بمناسبة مرور ربع قرن من الزمن على المناسبة… وسقوط جدار برلين يشكّل نموذجًا عالميًّا لنهضة الشعوب المتقدّمة حيث رأينا وبسرعةٍ أغرب من الخيال كيف أنّ ألمانيا الشرقية بالرغم من تخلُّفها عن ألمانيا الغربية ساعة انهيار الحائط، استطاعت بحضارة شعبها وشعوره بقيمة الوطن وبعمل وصل الليل بالنهار وبهمّة تتحدّى الخيال، استطاع الوصول إلى مساواة ألمانيا الغربية حيث حسب الإحصائيات دعمت ألمانيا الغربية ألمانيا الشرقية بما يعادل المائة وعشرين مليار دولار أميركي وكان المجد الألماني وخلال ربع قرن يعود إلى عنفوانه ومجده وروعة إنجازاته وقوّته أمام شعوب الأرض كافّة… رأينا الشعب الموحَّد برأسه المرفوع أثناء الاحتفال وبإبداعه وعلو كعبه وابتسامته التي تسكن كلّ الوجوه، رأينا وعبر المرئي مشهد المواطن الذي يفتخر بوطنه ويفديه بدمه ويقدّمه على كلّ شيء… تلك الابتسامة الألمانية اختصار لكلّ معاني الاعتداد والقوّة والنظرة المتعملقة في كل المجالات…

 نظرة بسيطة إلى لبنان ومرور خمسة وعشرين عامًا على اتفاق الطائف ونفس المناسبة تاريخيًّا على بدء مرحلة السلم وانتهاء فترة الحرب، خمسة وعشرون عامًا بدل الحائط ارتفعت حيطان وبدل الحاجز ارتفعت حواجز متعدّدة وكنّا في حرب ظاهرة بين المسلمين والمسيحيين وبعد خمسة وعشرين عامًا أصبحت بين السنّة والشيعة مع تميُّز هذه المرحلة وبعد مرور كل هذا الزمن أنّ الوطن أصبح ظلّ وطن والناس ظلّ للناس والحكومات أشخاص ويأتون ويذهبون موهبتهم الأساسية شفط الأخضر واليابس وتعشّش الفساد واستشراؤه وفي مختلف المجالات فلم يعد المواطن اللبناني بشكل عام يؤمن بقيمة الشفافية عندما يرى صاحب المشروع حراميًّا ومدير مشروع جاهلاً وعندما نرى الشهادات تُوزَّع بالمجّان فتساوي المتفوّق القادر بالذي لم يرَ الكتاب مرّةً واحدة فكأنّك تأتي بنجيب محفوظ وبظلٍّ لأديب وتساوي بينهما..

Berlin-Wall

الحقيقة المؤلمة بشدّة هي لامنطقيّة كل شيء وللمرّة الأولى وبعد ربع قرن من الزمن نسأل أنفسَنا السؤال التالي: ما هو المجال الذي لم يطله الفساد؟ من هو المسؤول المستثنى من هذه المغارة؟ من هو الأمل القادم لشعبنا؟؟ فبدل الجدار جدارات… جدار البؤس ارتفع بدل أن يتحطّم! جدار الذّل والفاقة والعوز ارتفع… جدار الوزراء والنواب وحاشياتهم وسرقاتهم كلّها ارتفعت والجدار الوحيد الذي تقزّم هو جدار الأوادم فأصبحوا بين مواطنيهم مشاريع هبلنة وعفوًا عن هذا التعبير فإذا لم تعرف كيف تسرق فأنت خارج الزمن وقلبك أبيض إلى حدّ التّعتير! وإذا لم تتعدَّ على كل شيء يحمل صفة الهدوء والشعور بالمسؤولية ومراقبة الذات والآخر فأنت دقّة قديمة ومش محنّك وحربوق!!

بنظرة بسيطة إلى المناسبتين نُدرك حجم المستنقع الذي غرقنا فيه! نجد في هذا المستنقع النفايات من جميع الأنواع: بيئة، زراعة، صناعة، سياحة، اقتصاد، تجارة، مصارف، مدارس، مستشفيات، دور حضانة، فنادق، مقاهي، إلخ… هي سادوم وعامورة وانتظار لحظة التحوُّل هي المسألة… الحقيقة منظر الألمان وعنفوانهم وعزّتهم قزّم كلّ قوايَ وجعلني أنسحق كلبناني أمام شعب عرف كيف يفرض احترامه على العالم أجمع…

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة