اين نحن من الاستقلال؟

فيصل مرعي

مر عيد الاستقلال في لبنان، وهو متخبط في ازماته، سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وحتى امنياً. وما من احد يعمل على انتشاله من هوة الوادي السحيق، قبل ان تنكسر الديمقراطية فيه، فينكسر معها لبنان. فإذا كنا نؤمن بهذا الوطن، وباستمراريته، فإنه بات لزاماً على الجميع تجديد الحياة السياسية فيه، بدءاً بتطوير البنى الفوقية، وصولاً الى تحديث الدستور، ومنطق الطائف. فاي استقلال في ظل فراغ في رأس السلطة السياسية؟ وأي اسقلال في ظل قانون انتخابي لا يعرف لصيغة التمثيل معنى، ولا يوصل الا سلاطين المال ودهاقينه الى الندوة النيابية، ولا يعزز اللحمة والمساكنة بين اللبنانيين؟ قانون هو نتاج انظمة بائدة، ظلامية، مريضة، ابقى كلاً في مكانه، وحرم المرأة من المشاركة في لعب دورها السياسي، وحتى الاجتماعي والعلمي، كما حرم الشبب من التعبير عن تطلعاتهم وتحقيق طموحهم.

فالاستقلال الحقيقي، يبدأ برفع هذا الوجع الاقتصادي، والاجتماعي، والامني… عن كاهل المواطن اللبناني، وبإعطائه حقوقه السياسية، وتأمين لقمة عيشه، والحد الادنى من الضمانات الاجتماعية.. فأين نحن من الاستقلال في ظل هذا الاهتراء على كل الاصعدة والمستويات؟ ناهيك عن طائفية سياسية شكلت مقتلاً للبنان في الصميم، فنخرت في النفوس كما ينخر السوس في العماد. أما العجيب الغريب، بعد كل هذه المعاناة، فهو هذا الفارغ والشغور في سدة الرئاسة، علماً أننا كنا نعيش القهقرى قبل هذا الفراغ ، فكيف بنا اليوم، نعيش جسداً بلا راس؟ اما الاكثر تعجباً فهو، ان البعض يتغنون بلبنان الألق، والنوذج، والحضارة والثقافة والحوار.

كلمات، وعناوين باتت من الماضي، يستذكرونها في ذكرى الاستقال لا غير. استقلال يتيم، نتيجة غياب رأس الدولة، وقادة كبار، استثنائيين، واعدين، كانوا وسيبقون الصوت الوطني المدوي، فانتقتهم يد الغدر، ولكنها لم تستطع كم افواههم، ودحض اقوالهم. هؤلاء سيتكلمون حتى بعد استشهادهم ورحيلهم. قادة لن يستطيع احد اسكاتهم ولو بعد حين. واغلب الظن، ان اجيالاً آتية، امتداداً لهؤلاء القادة، سيكونون في اساس استقلال لبنان حقيقي. صحيح ان هذه الذكرى يكتنفها الشعور بالاسى، والحزن، والسير في المجهول في المرحلة الراهنة، باعتيار ان الفراغ يدق ابواب اللبنانيين دون استثناء، واهالي المخطوفين ينتباهم القلق على مصير اولادهم، سيما وانهم يقبعون في الاقبية، والمغاور، والكهوف، ووراء القضبان الحديدية. فالازمة تلو الازمة تعلو ذرى الوطن، فضلاً عن هذه الفرقة، وهذه الممحاكات والتجاذبات بين السياسيين.

Istiklal1

هنا، لا نرسم صورة قاتمة، بل نروي الوقائع كما هي دون الغلو في ذلك. إلا اننا نؤكد في نفس الوقت، ان هذا الوطن لن يتهاوى، سيما وانه يربى تحت ظلاله شباب هم ثروة لبنان، وغده ومستقبله، بطموحهم ورؤاهم، سيقذون الوطن، وسيصدعون الارض ثانية ليروا وطن الحرية والنور والطموح، وبسواعدهم سيبنون مداميك لبنان جديد، تسوده العدالة والحرية والديمقراطية والمساواة. ذلك ان الشراكة الحقيقية لن تقوم الا بصحوة هؤلاء الشباب، تثبيتاً للعيش المشترك، والعقد الاجتماعي القائم على التلاقي والحوار والانفتاح.

نعود ونذكر في ذكرى الاستقلال لنقول: تبّاً للذين يؤخرون مسيرة الاصلاح، ويغرقون الوطن في الازمات، ويبيعون ويشترون كما يحلو ويطيب لهم، غير عابئين بقيامة شعب ونهوض وطن. من المؤسف حقاً ان تأتي هذه الذكرى، والوطن على شفير الهاوية، حيث المؤسسات كل المؤسسات على شفير الهاوية، بما فيها الدستورية، حاضنة القانون والوطن والمحافظة على ما تبقى من السيادة والتراب. فأنا او لا احد، مقولة تعدّاها الزمن، والتمديد للمجلس بحجة خصوصية الوضع الامني، والظروف القائمة، لم تشهده الدول الاكثر ديكتاتورية، وحتى الاكثر ملكية، لا بل لم تشهده الدول الاكثر ظلامية في العصور الوسطى. فالى متى نبقى نمدد ونمدد؟ والى مى تبقى مؤسساتنا هياكل جامدة، لا حراك فيها ولا حياة. فالشعب المصدر الاساسي لدستور، فلا يعتقدن احد انه بمقدوره المس به، او اشاحة النظر عنه. فلنسرع في الحوار تفادياً لما هو آب، قبل فوات الاوان!

اقرأ أيضاً بقلم فيصل مرعي

المعلم كمال جنبلاط مصباح الديمقراطية المتكاملة..

خطاب القسم وحكومة استعادة الثقة

ارحموا لبنان يرحمكم التاريخ..

فلننقذ لبنان اليوم قبل الغد..

طبّقوا الطائف تنقذوا لبنان

لبنان: ديمقراطية مشوّهة وتخبط سياسي…

الاجماع والتوافق (وأي اجماع وتوافق!)

لا للصفقات ولا للاستئثار بعد اليوم

قادة بحجم الوطن أحسنوا قيادة السفينة

النزوح السوري وقانون التجنيس..

حماية لبنان من اولى اولويات الحكومة..

قانون انتخابي بلا نكهة سياسية

لبنان لا تطبيع ولا علاقات…

النأي بالنفس حاجة وضرورة..

..إذا قلنا: أخطأنا…

تسوية جديدة لا استقالة

سلسلة الرتب والرواتب..

لبنان وازمة النازحين..

قانون بلا نكهة سياسية وقيمة اصلاحية؟!

الدولة وحدها تحمي لبنان…