حملة سلامة الغذاء تسير نحو التأطير المؤسساتي

دخلت حملة سلامة الغذاء التي أطلقها وزير الصحة وائل أبو فاعور، مرحلة جديدة تؤكد ضمان نجاحها واستمراريتها، بعد نيلها ثقة المواطن اللبناني، وثبات شفافيتها مصداقيتها العلمية والمخبرية، وتجاوزها لمطبات السياسة اللبنانية، ومعوقات التركيبة الطائفية والمناطقية.

لقد قطع الوزير أبو فاعور خلال اطلالاته الإعلامية، الشك باليقين، وقدم المعطيات العلمية المثبتة بالأدلة المخبرية والصور الفوتوغرافية والتلفزيونية، أن المواطن هو الضحية وهو الخاسر الأول وأنه في نظر التاجر ليس سوى سلعة وحقل تجارب.

لقد تبين ومن خلال الفضائح الكبرى التي كشفها، ان صحة المواطن هي دون المستوى والمقام والمكانة التي يجب ان تكون عليها في أي دولة، وأن التاجر بائعاً متجولا كان أو صاحب مؤسسة من الدرجة الأولى، لا يكترث لأبسط معايير السلامة الغذائية والصحية، ولا يلتزم بها.

 كما وان التاجر كما المواطن لا يثق بالدولة ومؤسساتها، فالأول يستقوي عليها، فيما الثاني يرزح تحت أعباء فشلها وتداعيات صفقات المسؤولين فيها، كما ان افتقاد الأجهزة الرقابية والوزارات المعنية بقضايا المواطن، لأبسط قواعد التنسيق، وغياب الآليات الملزمة للتعاون البناء من اجل مصلحة المواطن وسلامته، ما تبقي بوابات الفساد مشرعة أمام الانتهاكات القاتلة للدولة وللمواطن على حد السواء. ولا ننكر هنا تقاعس مؤسسات الدولة والوزارات المعنية دون استثناء عن تحمل مسؤولياتها، ان لناحية تحديد المعايير والشروط المطلوبة للسلامة الغذائية والصحية، او في فرض هيبتها وملاحقتها للمخالفات، إضافة الى غياب ديمومة الملاحقة والمتابعة الدائمة والمستمرة لمثل هذه المخالفات.

بوجه كل تلك الأخطاء والخطايا، وقف الوزير أبو فاعور، مسلحاً بقرار حزبه وضميره، ليقول، “ان مصلحة المواطن وحقه بالغذاء السليم وبالصحة السليمة، فوق كل اعتبار”، وهذا ما وفر له التأييد الشعبي والرسمي، ليس لخطوته الجريئة فحسب انما لشفافية وعلمية وصدقية الطريقة التي عمل عليها لكشف المخالفات ومدى تطابقها مع شروط السلامة الصحية، لا بل فإن ما كشفته حملة وزير الصحة من تلوث يطال الزراعة ومياه الشفة استدعى تحرك الوزارات الأخرى، وكانت أولى نتائج هذه الحملة، بعد سلسلة إقفال المسالخ في بيروت والجنوب وصيدا وطرابلس، عقد اجتماعاً وزاريا بدعوة من الرئيس تمام سلام يضم الى وزارتي الصحة والزراعة وزارات الاقتصاد والسياحة والطاقة والمياه، والذي سيضع آليات التنسيق والمراقبة والمتابعة، ومعالجة المخاطر التي تصيب المواطن.

ومن نتائج حملة الوزير أبوفاعور، ايضاً تحرك الضابطة العدلية وإقفال المؤسسات المخالفة، والادعاء عليها، وتوقيف العمل في محلات وشركات تكرير وتعبئة وتوزيع المياه غير المرخصة وغير المستوفية لشروط السلامة الصحية والبيئية، بعدما تبين تلوث المياه لدى هذه الشركات بمياه المجارير بما نسبته 90% من عدد هذه الشركات والمحال. كما عمّم الشروط الواجبة اعتمادها لتسوية أوضاعها وإتمامها التراخيص القانونية.

وبعد ان أوقف محافظ بيروت العمل بمسلخ بيروت، أصدر الوزير ابوفاعور قراراً يقضي بإقفال مطحنة العظام المتاخمة للمسلخ، والتي تحول البقايا الملوثة إلى مجرى نهر بيروت، وطلب من وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق التعميم لمن يعنيهم الأمر اتخاذ الإجراءات المناسبة لتنفيذ ذلك. وأصدر أبو فاعور قراراً بإقفال مزرعة تويت في الشويفات التي تبيّن أنها غير مستوفية لأدنى شروط الصحة والنظافة وتعمل دون ترخيص وتصرّف المياه المبتذلة مباشرة إلى نهر الغدير، إلى حين تسوية أوضاعها القانونية وتلبية الشروط والمعايير الصحية تحت طائلة الإقفال النهائي، طالبًا من وزير الداخلية والبلديات الإيعاز لمن يلزم لتنفيذ ذلك.

ومن النتائج التي حققتها حملة سلامة الغذاء، مبادرة الرئيس بري دعوة اللجان النيابية المشتركة دراسة قانون سلامة الغذاء وتحويله الى الهيئة العامة لإقراره، وهذا القانون الذي يغط في ادراج المجلس النيابي منذ سنوات، بات من الملح إقراره.

كما أدخلت حملة سلامة الغذاء مفهوم التنسيق الوزاري الى مجلس الوزراء بعد ان حاول البعض التغريد خارج السرب الحكومي، ومعارضة حملة الوزير الاصلاحيىة، فكان أن شكل رئيس الحكومة تمام سلام ، مجلساً وزاريا متخصصا بالموضوع المرتبط بصحة المواطن، من وزراء الصحة والزراعة والاقتصاد والصناعة والسياحة، وبدأ العمل على تشكيل هيئة مستقلة من الوزارات المعنية تعنى برقابة تطبيق معايير السلامة الغذائية وفق اقتراح تقدم به وزراء الحزب أكرم شهيب ووائل أبوفاعور.

حملة سلامة الغذاء، أعادت لرقابة وزارة الاقتصاد فعاليتها، وبعد ان تبين وجود أجبان فاسدة في الأسواق، بادر وزير الاقتصاد آلان حكيم الى إقفال عدد من المصانع وسحب انتاج عدد من الشركات من الأسواق لعدم مطابقتها الشروط.

لقد فجرة حملة سلامة الغذاء مفهوما جديداً من الوعي الشعبي تجاه السلامة والصحة الغذائية، وتحولاً في مفهوم العمل الحكومة، والمطلوب ان تستكمل الاليات التنفيذية لديمومة الرقابة كي تعيد الحملة الى دولة ومؤسساتها الثقة المفقودة، فمأسسة الرقابة مهمة، لكن استعادة ثقة المواطن بالدولة حاجة ملحة.

———————————-

(*) فوزي ابوذياب