بري – عون: بين التحالف والخصومة

د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

لم يَعُد التباين بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون سراً من أسرار الدولة، ذلك أن الملفات الخلافية أكبر من أن تُخفى على المُتتبعين للحركة السياسية في لبنان، وبراعة إنتقاء الألفاظ عند نائب رئيس مجلس النواب السابق  إيلي الفرزلي– الصديق المُشترك للرجُلين – لم تَعُد قادرة على تدوير زوايا التبايُنات لأن الأمر تجاوز كونه خلاف سياسي على مسألة أولوية إستدراج عروض لتلزيم بلوكات النفط، او تصديق عقود تأهيل معامل إنتاج الكهرباء في الجية والزوق ودير عمار، بل إنه خلاف واسع ومُتأصِّل حول العديد من القضايا الجوهرية، تستغرِب الأوساط المُتابعة، كيف هو مضبوط في هذه الحدود المعقولة من التنظيم حتى الآن.

بري وعون من ضمن فريق سياسي واحد على المستوى العام، فكلاهما يترأسان كتلة نيابية كبيرة وينتميان إلى فريق الثامن من آذار، ولهما التحالفات الداخلية والخارجيةذاتها، لا سيما في علاقتهما مع حزب الله، ومع ما يُسمَّى “محور المُمانعة”.

وما بين الرجُلين مساحة واسعة من الخلافات، يحتاج ضبطها إلى مهارةٍ كبيرة، بل إلى عناء وصبرٍ وتمرُّس. فمنذ الإنتخابات النيابية في العام 2009 كانا حلفاء واخصام في الوقت ذاته، ولم يقبل العماد عون في حينها ترشيح نائب جزين السابق سمير عازار على اللائحة المُشتركة، وخاضت حركة أمل معركة إلى جانب عازار في مواجهة مُرشح التيار الوطني الحر ميشال الحلو ( الذي توفيَّ منذ شهرين). وتمددَّت التباينات إلى ملفاتٍ جديدة، لا سيما ملف النفط، عندما كان صهر الجنرال عون جبران باسيل وزيراً للطاقة، حيث رفض الرئيس بري تجزئة تلزيم التنقيب عن النفط والغاز، بينما أصرَّ باسيل على البدء بالتنقيب في المناطق المواجهة لقضاء البترون كمرحلة تجربة بدائية.

تتَّسع التباينات بين الرئيس بري والعماد عون اليوم اكثر فأكثر، رغم مساعي حزب الله والنائب السابق إيلي الفرزلي لإحتوائها. فالتمديد لمجلس النواب كان نقطة خلافية، لأن عون نكث بالوعد في حضور جلسة التمديد والتصويت ضده، على ما تقول أوساط الرئيس بري، بينما ترى أوساط عون أن بري فهم موقف الجنرال خطأً، ولم يَعِد عون بري بالحضور.

وكتلة بري النيابية تحضر إلى مجلس النواب أثناء الجلسات المُخصصة لإنتخاب رئيس الجمهورية، بينما تغيب كتلة عون وحلفاؤه ويتعطَّل النصاب.

والرئيس بري قدم إقتراح بواسطة النائب علي بزي، يُدرس أمام اللجنة المُكلفة إعداد قانون جديد للإنتخابات، يقضي بإختيار 64 نائباً عن طريق نظام الانتخاب الاكثري في الاقضية، و64 نائباً عن طريق الاقتراع النسبي على أساس المحافظات الست، على أن تكون محافظة جبل لبنان دائرتين. بينما العماد عون يُصرُّ على إختيار النواب على قاعدة التمثيل الطائفي، اي أن المسيحيين هم مَن ينتخب النواب المسيحيون، والمُسلمون ينتخبون نوابهم، وعلى هذه الخلفية أرسل عون عضو كتلته النيابية الآن عون الى الرئيس بري يطلب عقد جلسة عامة للمجلس، تناقش تفسير المادة التي تنصُّ على المناصفة بين المُسلمين والمسيحيين في عدد النواب.

وفي مُندرجات التباين بين الفريقين أيضاً وأيضاً، عتبٌ ضمنيٌ من عون على بري، بحيث يعتبر الأول أن الثاني قادر على تسويقة رئيسأ للجمهورية على وتيرة أعلى مما هو عليه الأمر حالياً، خصوصاً أن بري له صداقات واسعة بين النواب المُستقلين، لا سيما صداقته الثابتة مع رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط.

كل ما ورد من تباينات في كفة، والخلاف على موضوع مياومي الكهرباء في كفةٍ أُخرى. فموضوع هؤلاء شائك، ومُعقَّد، وهو يُعطِلُ أهم مرفق خدماتي في البلاد، ويُنذر بتفاعلات تطال مرافق أخرى، والشطارة في إخفاء التوتر الذي يحدثُهُ هذا الموضوع، لم تَعُد تنطلي على أحد، وما جرى بين المُعتصمين في منطقة النهر في بيروت نهار الاثنين الماضي – وامام شركة دباس المُتعهدة لصيانة الكهرباء – أكد طبيعة التجاذبات الحاصلة في الملف المُكهرب.

حاول الوزير أكرم شهيب بتكليف من النائب وليد جنبلاط إجراء وساطة بين الفريقين حول ملف الكهرباء، ولكن لا يبدو أن المساعي وصلت إلى النتيجة المرجوة، وتفاقُم الخلاف يُهدد كافة المناطق، بحيث أن عدم قدرة مؤسسة كهرباء لبنان على جباية الفواتير، من جراء عدم تمكُّن الموظفين من دخول مقر المؤسسة المُقفل من قبل المُياومين، أدى إلى عدم دفع المؤسسة مستحقات الشركات المُتعهدة، وبالتالي عدم دفع هذه الشركات رواتب الموظفين، والفواتير، مما يُهدد بتوقف التغذية عن المُشتركين.

طبيعة الخلاف غير المُعلن بين بري وعون حول ملف الكهرباء له عدة أسباب، منها المعروف ومنها غير المعروف، ولكن السبب الجوهري الذي ظهر إلى العلن، هو إعتراض التيار الوطني الحر على تثبيت المُياومين في مؤسسة كهرباء لبنان، إلاَّ على قاعدة المُناصفة بين المسيحيين والمُسلمين، واغلبية المُياومين من المُسلمين، وعلى وجه التحديد من المُسلمين الشيعة المؤيدين للرئيس نبيه بري.

التجاذبات بين الفريقين لها إرتداداتها المؤثرة على ملفات وطنية مُتعددة، فهل يسلك الحوار الجدي طريقه بين الرجُلين، في زمن الحديث عن الحوار؟

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان (الانباء الكويتية)

إخفاق في معالجة زحمة السير

الانتخابات والمحاذير المخيفة

الخلافات العلنية والتفاهمات السرية

انتخابات لإثبات الوجود السياسي

الانتخابات تفرق شمل الحلفاء

هل انتهت الأزمة السياسية بين التيار و«أمل» مع انتهاء الهيجان السياسي؟

كيف أطاح قانون الانتخاب الجديد بالتحالفات التقليدية؟

إعادة الحياة إلى وسط بيروت قرار في منتهى الأهمية

عن ذكرى استشهاد محمد شطح «رمز الحوار»

دوافع بيان مجلس الأمن؟

لا مستقبل للسلاح غير الشرعي

هل شملت التسوية الجديدة كل أطراف العقد الحكومي؟

مساكنة حكومية إلى ما بعد الانتخابات

عن شروط الاستقرار في لبنان

القطاع الزراعي اللبناني على شفير الانهيار

لملمة الوحدة الوطنية

ما أسباب مخاوف بري على «الطائف»؟

زيارة الحريري إلى موسكو بين الواقع والمُرتجى

المجلس الدستوري يربك القوى السياسية

الجيش اللبناني ومواجهة المستقبل