بين «الكنيست» و«الكنيس»

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

الحرب التي تشنها حكومة الإرهاب في إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، حرب شاملة. تستهدف الهوية – والأرض – والمقدسات والشرعية الفلسطينية. لا تستثني أحداً. نتنياهو وأركان عصابته هم ضد «حماس»، وضد «فتح»، وضد السلطة الفلسطينية، خصوصاً ضد رئيسها «أبو مازن»، الرجل الذي تصرف بعقلانية وحكمة وحرص على القضية، والشعب، والعلاقات مع ما يسمى المجتمع الدولي، لم يلق إلا التخلي من قبل الأصدقاء والشركاء المعنيين بالتفاوض – ولا أقول من الحلفاء إذ لم يعد ثمة حلفاء – ومن الأعداء الإسرائيليين الذين يشنون حملة عليه تذكّر تماماً بالحملات المتتالية التي كانت تشن ضد الرمز الفلسطيني ياسر عرفات وصولاً إلى قتله مسموماً. نتنياهو يكرر وأركان عصابته أن محمود عباس ليس شريكاً في العملية السلمية. وهو مسؤول عن التحريض والتصعيد! لماذا؟ لأنه رفض حرق محمد أبو خضيرة، وشنق الشهيد يوسف الرموني، واقتحام المسجد الأقصى وحرق محرابه والعبث فيه، وحرق مسجد في الضفة، وبناء آلاف الوحدات السكنية ضمن حدود الـ 67، حدود الدولة المفترض أن تقوم! مطلوب من «أبو مازن» ليس فقط تغطية هذه الجرائم والقبول بها، بل ربما أن يكون شريكاً في تنفيذها. كأنه ليس رئيس السلطة الفلسطينية والمؤتمن على قضية وحق شعبه في إقامة دولته المستقلة على أرضه وفق القرارات الدولية، بل هو قائد من قادة «الهاجانا» و«الشاباك» والعصابات الإسرائيلية. محمود عباس متهم لأنه حذر من خطر انعكاس الممارسات الإرهابية الإسرائيلية في فلسطين على الأمن والاستقرار في كل المنطقة ودفع العرب والمسلمين إلى مزيد من التطرف، ومبايعة المنظمات الإرهابية، خصوصاً بعد استهداف الأقصى في القدس والمساجد في مناطق أخرى! ومتهم لأنه حذر من خطر تحول الصراع إلى صراع ديني إذا استمرت تلك الممارسات الإرهابية. وها قد وصلنا إلى مرحلة التحذير ذاته من قبل مسؤولين إسرائيليين ومسؤولين دوليين يخشون هذا التحول. حتى رئيس الشاباك وفي الكنيست، وبعد استهداف الكنيس في القدس، قال صراحة «إن أبو مازن لا يحرّض على العنف»، ودعا المسؤولين الإسرائيليين إلى تجنب الدخول إلى الأقصى واقتحامه كما حصل في الأيام الماضية.

هذا الكلام فاجأ كثيرين من الإسرائيليين وأحرج الإرهابيين في صفوفهم! أبو مازن يعامل بإذلال، يصبر ولا يتنازل عن حق أقرته الشرعية الدولية. في عمّان كان اجتماع حول فلسطين والقدس والأقصى، حضر وزير الخارجية الأميركية جون كيري، رئيس حكومة الإرهاب الإسرائيلية إلى جانب الملك عبدالله الثاني الذي كان مصراً على وقف كل الممارسات الإرهابية ووقف استهداف الأقصى والعودة إلى التفاوض. أبو مازن كان في عمّان، لكن لم يكن في الاجتماع. ذكرني هذا المشهد بما جرى مراراً وتكراراً مع الرئيس الشهيد ياسر عرفات في عواصم مختلفة في العالم كانت تشهد لقاءات مماثلة. وكان الإسرائيلي يرفض حضوره. اليوم يفعلون الشيء ذاته مع الرئيس الفلسطيني. الإسرائيليون يستغلون الواقع العربي والحروب العربية – العربية المتنوعة على كل ساحاتنا، والحرب الأهلية داخل الإسلام كما قال الملك عبدالله الثاني – والتحالف الدولي ضد الإرهاب، والواقع الدولي المأزوم والوضع الأميركي بعد سيطرة «الجمهوريين» على مجلسي النواب والشيوخ وارتياح الإسرائيليين إلى ذلك، ويستغلون أيضاً كل ذلك في متابعة الملف النووي الإيراني والتفاوض مع مجموعة 5+1، وبالتحديد التفاوض مع الأميركيين، يستغلون كل ذلك لتنفيذ مشروعهم بتصفية القضية الفلسطينية. خففوا الإجراءات نظرياً في محيط المسجد الأقصى، لكنهم ذهبوا إلى إقرار مشروع قانون في الكنيست يؤكد قومية دولة إسرائيل. فهي «دولة قومية للشعب اليهودي»، ستلغى فيها مكانة اللغة العربية كلغة رسمية لتمنح مكانة خاصة! وسيستمر تشجيع البناء اليهودي في حدود إسرائيل – المفتوحة حتى الآن في نظر نتنياهو وأركان عصابته – من دون التزام ببناء مماثل للقوميات الأخرى، بل على العكس يستمر مسلسل مصادرة أراضي الآخرين، وتهجيرهم، وتشريدهم وتدمير بيوتهم ومؤسساتهم! وستكون التعاليم التوراتية المصدر الأهم للتشريع والمحاكم في الدولة اليهودية!

أفيجدور ليبرمان وزير خارجية إسرائيل، قال بعد لقائه وزير الخارجية الألماني الذي حذر من تحول الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى «صراع ديني»: «لن نقبل بوضع حد للبناء في المناطق اليهودية (المستوطنات) في القدس الشرقية. إسرائيل لن تقبل بتعريض البناء في هذه الأحياء استيطاناً. هذا تشويه للحقائق ولن نقبل به»!

على الأرض استيطان واستهداف للأقصى، وفي الكنيست مشاريع قوانين من هذا النوع، إضافة إلى مشاريع أخرى تستهدف الأقصى أيضاً، ونقل السيادة عليه إلى وزارة الأديان الإسرائيلية لتحدد مواعيد وبرامج الصلاة للجميع! ويحدثونك عن السلام! إنه الإرهاب المستمر الذي لن يتوقف، ويستغل رد الفعل الفلسطيني في الهجوم على الكنيس لتبرير هذا الإرهاب المفتوح بين «الكنيس» و«الكنيست»!