بدا الاستنـزاف نصاً مقروءاً بامتياز بعد مرحلة خطف العسكريين اللبنانيين وعملية عرسال. سبق ذلك العمليات المتبادلة بين المقاومة الاسلامية (حزب الله) والمقاومةالسورية (داعش والنصرة والجيش الحر والفصائل الجهادية الأخرى) بعد “تحرير” واستعادة الجيش النظامي لجبال القلمون بمساندة “حزب الله”، ولجوء الفصائل الجهادية السورية إلى سلسلة جبال لبنان الشرقية وانتشارها في القرى والبيئات الحاضنة لها بين عرسال وشبعا وصولاً إلى جبل الشيخ والقرى المقابلة له في القنيطرة وحوران.

تتالت الأحداث والوقائع التي جرت في المناطق اللبنانية، والتي كانت تنال من السوريين والمخيمات السورية. ولم تتأخر ردة الفعل على ذلك. فتوالت الاعتداءات على مراكز الجيش اللبناني بالقذائف والسيارات المفخخة. وكذلك على مواقع ومراكز حزب الله في لبنان، ولم تسلم بعض القرى اللبنانية من القذائف ومن محاولات خطف الأهالي والمواطنين والعسكريين على حدّ سواء دون أي اعتبار للأخوة وأخلاقيات المنافرة والقتال بين الأخوة.

وكشفت الاتصالات بين أهالي العسكريين المخطوفين والجماعات الخاطفة عن شروط إطلاقهم: شروط أولية وشروط مبدأية وشروط جديدة. شروط معلنة وشروط غير معلنة. وكانت رسائل قطع رؤوس العسكريين النافذة، وتلك التي يهدد بها ولم تنفذ، تجعل الحراك السياسي كما الحراك العسكري، كما الحراك المسلح على الساحة اللبنانية في غاية التعقيد. وبدا للبنانيين والأخوة السوريين أن مرحلة العض على الأصابع قد بدأت وهي آخذة في التطور حتى حدود الاستنـزاف.

وهذه المرحلة يمكن أن نقرأ في طرسها المكتوب بالدم، أموراً عديدة على ضوء التجربة اللبنانية من حرب السنتين 75 و76. فنحن لا نريد أن نقع فيما وقعنا به من حروب دامية. فأدت إلى تهجير وتقتيل وفرز طائفي وعزل سياسي، دفع اللبنانيون ثمنه باهظاً من أرزاقهم وأرواحهم وأموالهم وهو لا يزال يستنـزف طاقاتهم وطاقات هذا “الوطن الحلو الصغير” وطنهم حتى اليوم.

يشي طرس الاستنـزاف: 1- بفرز مذهبي بين المناطق اللبنانية، بدل الفرز الطائفي في حرب السنتين. 2- فرز مقاومة سورية من فصائل جهادية تدور في فلك داعش والنصرة تعمل على الساحة اللبنانية، تحاكي المقاومة الفلسطينية التي كانت تتكون من الفصائل الثورية الفلسطينية التي تدور في فلك فتح والصاعقة والتي كانت تناضل على الساحة اللبنانية أيضاً. 3- فرز أحزاب لبنانية داعمة “للثورة السورية” وأحزاب لبنانية اخرى مواجهة ومقاتلة لها. ويتصل بذلك التجهيز العسكري العلني والسري. إذ إن معركة تحرير سورية من النظام تحتاج إلى السلاح النوعي المضاد لسلاح حلفاء النظام. 4- فرز الكتل الشعبية والرسمية المؤيدة للمقاومة الجهادية السورية الداعية لإسقاط النظام، وتلك المواجهة لهذه المقاومة وثورتها الداعية لإحباطها بتعويم النظام والمتمثلة بحزب الله والمقاومة الاسلامية. 5- الاشتغال على تهريب السلاح إلى البيئات المفروزة مذهبياً وتجهيزها للنـزول إلى أرض المعركة عند اللزوم. 6- الاشتغال على صناعة مربعات أمنية ومخيمات آمنة وأحياء محصنة في وجه القوى المسلحة النظامية اللبنانية. 7- ارباك القوى المسلحة اللبنانية بالمواقف والقرارات والبيانات والإعلانات والتغريدات لأجل ضعضعة صفوف القوى اللبنانية المسلحة وقوى المجتمع اللبناني المدني، وبلبلت الرأي العام المدني والعسكري معاً على حدّ سواء. 7- إن غياب موقع الرئاسة في الجمهورية اللبنانية يسهل الدرب إلى الفوضى السياسية، حيث يكون كل فريق حكومي او كل وزير منه يرى نفسه بمثابة رئيس جمهورية. أما الوحدة الوطنية في نقيع طرس الاستنـزاف الدموي، فهي عبارة عن نسيج متهلل أوهى من الشبكة العنكبوتية، او هي مثلها في أعظم تقرير.

برأينا، يجب المسارعة إلى توجيه دعوة تحذيرية توبيخية شديدة اللهجة لجميع القوى المدنية وغير المدنية الناشطة في لبنان على تأمل طرس الاستنـزاف الدموي في لبنان وفيه مؤخراً غيلة الجندي اللبناني شهيد الجيش اللبناني وشهيد بلدة الريحانية وشهيد عكار وشهيد لبنان ميلاد محمد العيسى الذي نشفّ اسمه في طرس الاستنـزاف صباح يوم الخميس 9/10/2014، مضافاً إلى أسماء عسكريين ومدنيين ومقاومين وجهاديين، لبنانيين وسوريين وغيرهم، أخذت دماؤهم ترسم أمام أنظار العالم طرس الاستنـزاف على الساحة اللبنانية/ الساحة الفتنة غير المشرفة لأحد.