الحطب لمواجهة ثلوج جبل الشيخ

راشيا – عارف مغامس   

تنشغل مئات العائلات في قرى راشيا، لا سيما تلك التي تسكن القرى الجبلية العالية، بالتحصن لمواجهة فصل الشتاء، الذي وجه انذارا مبكرا هذا العام بصقيعه وأمطاره وعواصفه، وتدني درجات الحرارة.

 قرى راشيا المتاخمة لجبل الشيخ وثلوجه، والتي تتراوح ارتفاعاتها بين 1100 و1550 مترا، غالبا ما تتعرض لحصار الثلوج والجليد، وما يرافق ذلك من انقطاع الطرق وغياب التيار الكهربائي الذي يصح فيه قول أحد كبار السن” لا تهزو واقف على شوار”، فيتحصن الأهالي بمادة الحطب للتدفئة ومواجهة جنون الطبيعة، حيث تتدنى درجات الحرارة في بعض القرى إلى ما دون الخمس درجات تحت الصفر، وتصل كثافة الثلوج إلى اكثر من 150 سم، وليس اقدر من الحطب في التصدي لموجات البرد حيث لا تنفع مدافىء الكهرباء أو الغاز، ولا ترد صوبيات المازوت غزوات الصقيع المتتالية.

استنفار الأهالي، لا سيما الفلاحين والمزارعين بدأ منذ مطلع الصيف، حيث يدأب معظمهم على جمع الحطب اليابس، نتيجة تكسر الأغصان شتاءا، وتقليم الأشجار وتفريعها، أو حتى استبدالها أحيانا، لتكون وقودا توفر عليهم الإكتواء باسعار المازوت أو الحطب الذي يتدافع التجار في مطلع الشتاء على عرضه وبيعه، حتى على جوانب الطرق.

image-12

أحراج قرى راشيا التي كانت عرضة للغزوات الدائمة من قراصنة الحطب والتجار والسماسرة وبعض الأهالي،باشر مركز أحراج راشيا بضبطها نسبيا، في المناطق القريبة ، بعد الخطوات التي اتخذتها وزارة الزراعة من خلال التعاقد مع شبان جدد يساندون موظفي المركز في الدوريات التي باتت تنفذ بأوقات مختلفة على بعض الأحراج، خاصة في راشيا وكفرقوق وعين عطا، وكفردينس ومذوخا،وكفرمشكي، في حين ان بعض الاحراج البعيدة او التي لا تصل اليها دوريات المركز، لا تزال تتعرض للنهب المنظم خاصة في الليل وفي ايام العطل الرسمية والطقس الماطر.

وبحسب مصادر في المركز  فإن حماية الأحراج تحتاج الى تزويد المراكز بآليات وسيارات رباعية الدفع وموظفين دائمين يقومون بدوريات مكثفة ليلا ونهارا، اضافة الى تعزيز دور مراكز الدفاع المدني للتدخل السريع عند نشوب الحرائق.

رئيس بلدية راشيا المحامي أنطوان معلولي اعتبر أننا نتفهم وجع الناس واوضاعهم المعيشية الصعبة، في ظل ضائقة مادية على أبواب الشتاء، ولكن حماية الطبيعة واجبنا، وأولوية تحتاج إلى رعاية واحتضان من جميع مكونات المجتمع لتوسيع المساحات الخضر والمدى الحرجي، خاصة أن راشيا تنعم بأحراج السنديان والملول التي تساهم في حماية البيئة وجمالها.

ولفت معلولي إلى أن البلدية قامت بحملات تحريج واسعة بالتعاون مع جمعيات ومنظمات محلية ودولية، لا سيما تلك التي نفذتها الوكالة الاميركية للتنمية الدولية في منطقة اليابسة وسفوح جبل الشيخ لتوسيع الرقعة الحرجية وتعويض الخسائر التي كانت تتعرض لها أحراج البلدة نتيجة الاعتداءات التي كانت تحصل من قراصنة الحطب، مؤكدا أن عمليات القطع العشوائي كانت تطال أشجار السنديان الخضراء وتلك المعمرة بينما بعض الفقراء كانوا يقومون بجمع الأغصان والأحطاب اليابسة من اراضيهم ومن الاحراج احيانا.

وأكد معلولي أن البلدية وضعت المولدات الخاصة التي تغذي البلدة اثناء غياب التيار الكهربائي بعهدتها وبسعر الكلفة لتأمين التغذية للأهالي خاصة في فصل الشتاء، الأمر الذي يفسح المجال أمامهم للتدفئة والتخفيف من استخدام الحطب والمازوت، كما قامت البلدية بتعيين نواطير لحماية الاحراج من عمليات القطع ومن اعتداءات رعاة الماشية لا سيما الماعز، وتسلمنا هبة عبارة عن سيارة ومعدات إطفاء لبلدية راشيا،من مشروع التحريج في لبنان، وهو برنامج تموله الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) وتنفذه مديرية الأحراج الأميركية (USFS)،بالتنسيق معLRI، لافتا إلى أن معظم أهالي راشيا يعتمدون على مدافىء الحطب، تبعا لقساوة الظروف المناخية، والطبيعة الجبلية التي تشهد تساقط الثلوج  بكميات كبيرة، وسط تدن في درجات الحرارة، لكننا ندرك حرص أكثرية الاهالي على هذا الرصيد البيئي الثمين في المنطقة.

فراس جمال الذي يملك مستودعا لاستيراد وتوزيع الحطب في بلدة المحيدثة، في قضاء راشيا والبقاع الغربي أشار إلى أن مبيع الحطب انخفض بمعدل 40% عن السنوات السابقة، حيث كنا نوزع اكثر من 400 نقلة حطب في العام للاهاللي في قرى راشيا والبقاع، في حين لم تتجاوز الكمية 250 نقلة في العام الحالي، بسبب الأوضاع الاقتصادية المزرية وتراكم الديون ، اضافة الى أن عشرات الزبائن يخزنون الحطب من العام الفائت الذي لم يكن قاسيا، اضافة الى انخفاض أسعار المازوت، مشيرا إلى مشكلة ديون تتفاقم عاما بعد عام، وفقدان السيولة، وأكد جمال أن اسعار الحطب ارتفعت هذا الموسم عن المواسم السابقة، بسبب الأزمة السورية، حيث يستورد لبنان نصف حاجته من تلك المادة عبر الاراضي السورية، فانخفضت الى ما دون ال 20 % من المعدل العام، وما يتم استيراده لا يزال اخضرا، في وقت نعتمد فيه على احطاب الليمون والكازالينا والشجار التي تصون فيها بساتين الليمون، مشيرا غلى ان المعدل العام لطن الحطب 250$.

وبحسب جمال فإن الحطب الذي يتم استيراده من اوروبا الشرقية ومن افريقيا لم ينجح في السوق اللبنانية،كونه يزرع  في مزارع خاصة ويعتمد على الري، خاصة السنديان والانواع الأخرى، مؤكدا أن الحطب هو ملاذ الفقراء والعائلات الكبيرة وموئل الدفء في الشتاء، وحاضنة تجمع الاسر حول الوجاق خاصة في ايام الثلوج والبرد القارس الذي لا يمكن مواجهته الا بالحطب.

أما أبو رامي فوزي مغامس فأشار أنه يؤمن مونته ومونة اقاربه من مادة الحطب من ضمان البساتين الخاصة والعرائش التي يتم قلعها واستبدالها بنصوب جديدة وهو يوزع على بعض منازل البلدة رغم حجم الديون التي ارتفع منسوبها هذا العام، لافتا الى أن دفء الحطب نواجه به صقيع صلوج جبل الشيخ ولا بديل عنه، لأننا نحس من خلاله بالانتماء الى القرية والى البساطة والى الطبيعة الى الدفء الحقيقي.

إستخدام الحطب دخل على خط النازحين السوريين، حيث أشار أبو طارق الحسن أن عشرات العائلات السورية في قرى راشيا تحولت الى ورش عمل لجمع الحطب من الكروم والعرائش والبساتين في كوكبا وكفرمشكي والرفيد والعقبة، لتأمين بعض حاجات الشتاء الذي يبدو بحسب الأخبار المتناقلة سيكون قاسيا هذا العام على عكس العام الفائت الذي مر علينا بسلام، داعيا المنظمات الانسانية والدولية الى تزويد النازحين بمصادر التدفئة خاصة المازوت والمدافىء والألبسة الشتوية لا سيما للاطفال والفتية.