تحويل القدس العربية إلى غيتو

رندى حيدر (النهار)

لا يمكن وصف الاجراءات الصارمة التي اتخذتها السلطات الإسرائيلية رداً على الهجوم الفلسطيني على كنيس ومقتل ثلاثة حاخامين وشرطي الا بأنها عقاب جماعي يدفع ثمنه الفلسطينيون في القدس الشرقية كافة، وهي خطوة حقيقية نحو عزل الأحياء العربية وتحويلها الى غيتو.

ومن سخرية القدر أن تفرض إسرائيل على الفلسطينيين في القدس العيش داخل غيتو بعد المعاناة التي عاشها يهود أوروبا في ظل الحكم النازي ونظام المعازل الذي اقامه في حينه لتجميع اليهود قبل ترحيلهم الى معسكرات الابادة. كما من المفارقات الغريبة ان سياسة عزل الاحياء العربية أدت بصورة من الصور الى تقويض الشعار الذي لطالما رفعه اليمين الإسرائيلي القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل. فالخطوات العقابية التي تتخذها إسرائيل اليوم من خلال وضع الحواجز على مداخل الاحياء العربية وقطع الطرق التي تربط هذه الاحياء بالاحياء اليهودية هو عملياً بمثابة تقسيم للقدس الى قدس عربية وأخرى يهودية، وإقرار ضمني بواقع هذا التقسيم، وهو تالياً هزيمة للفكر اليميني الصهيوني.

لكن الطابع التعسفي للرد الإسرائيلي لا يقتصر على عزل المدينة العربية، بل يتعداه الى قطع أرزاق الفلسطينيين من خلال الدعوة الى طرد العمال الفلسطينيين من مراكز عملهم داخل إسرائيل، وتهديد اليمين الإسرائيلي بمقاطعة أي مؤسسة تستخدم عمالاً عرباً، ومنع العرب من قيادة الحافلات العامة، والتعامل معهم مشتبه فيهم، ومطالبة المستوطنين اليهود بالفصل بين الاوتوبيسات التي تنقلّ يهوداً وبين تلك التي تقلّ فلسطينيين. وبذلك يكتمل مشهد العزل بحيث تبدو المدينة القديمة معزولة شرقاً بجدار الفصل عن الضفة الغربية، وغرباً بحواجز الشرطة الإسرائيلية، لتتحول الى سجن آخر يشبه السجن الذي يعيش فيه الغزّاويون منذ سنوات بفعل الحصار الإسرائيلي المفروض عليهم وتضييق السلطات المصرية على تنقّلهم عبر معابرها.

وما لايقل خطراً عن هذا كله المحاولات الإسرائيلية لتحريك الفتنة الطائفية بين أبناء الأقلية العربية من خلال التمييز بين عرب “طيبين” موالين للدولة وعرب “أشرار” معادين لها، وخصوصاً التفرقة بين أبناء الطائفة الدرزية الذين يخدمون في الجيش والشرطة، والذين سقط اثنان منهم في الهجمات الفلسطينية، والمسلمين، الأمر الذي أدى الى مواجهات بين المسلمين والدروز بالقرب من عكا.

إن اتهام إسرائيل للمسلمين في القدس الشرقية بالتطرف والتأثر بحركات أرهابية مثل تنظيم “الدولة الإسلامية” ليس سوى ذريعة تحاول بواسطتها تبرير سياستها العنصرية والتعسفية واجراءاتها القمعية وعقابها الجماعي. والواقع إن هذه السياسة دون سواها تتحمّل مسؤولية تفاقم مشاعرالكراهية وتصاعد العنف المتبادل بين اليهود والفلسطينيين.

اقرأ أيضاً بقلم رندى حيدر (النهار)

خلاف إسرائيلي – روسي على سوريا

جيش “حزب الله” والحرب المقبلة

اليمين في إسرائيل يؤبد الاحتلال

فوز ترامب هدية لليمين الإسرائيلي

النكبة الفلسطينيّة والنكبات العربية

تغيّر الموقف الإسرائيلي من سوريا

الجولان أرض سورية محتلة

هل الهدنة مدخل لتقسيم سوريا؟

الوجه الجديد للفاشية الإسرائيلية

موسكو ترسم مستقبل المنطقة

القضية الفلسطينية الخاسر الأكبر

الاستغلال الإسرائيلي للتوتر السعودي – الإيراني

خطورة التحالف الروسي – الإيراني

في مواجهة شرق أوسط مضطرب

عودة الابن الضال: نتنياهو

هستيريا التحريض الإسرائيلي

علامَ يتفق الإسرائيليون مع الروس في سوريا

عَلَمْ فلسطين والحلم المستحيل بالدولة

إسرائيل تواجه سوريا إيرانية – روسية

الجيش الإسرائيلي وتجارة الموت