عيد الإستقلال بأي حال عدت ولبنان دون رئيس للجمهورية؟

مرة جديدة يعود عيد الإستقلال وأوضاع لبنان متأزمة وتعصف بها رياح الأزمات والتوترات والنزاعات المحلية والخارجية التي تضعف استقلال لبنان وسيادته وحريته بفعل تقاعس وتخاذل بعض قياداته عن القيام بالحد الأدنى من الموجبات الوطنية التي من شأنها أن تحمي الإستقلال وتحصنه ليبقى لبنان السيد الحر المستقل نموذج للتعدد والتنوع و العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين  في هذا الكشرق العربي ، وذلك في ظل مرحلة خطيرة عصيبة يمر بها لبنان ومحيطه وجواره تنذر بتنامي العصبيات الطائفية والمذهبية العنصرية المتطرفة التي تضرب أمن واستقرار المنطقة العربية وتهدد بتقسيمها وتفتيتها لمصلحة المتربصين شرا وعدوانا بخيراتها وثرواتها بعد أن ينهار النظام العربي القديم و يقوم على أنقاضه نظام عربي جديد غارق في دوامة الحروب والصراعات الداخلية العبثية التي لا تفيد سوى اسرائيل ومشروعها العدواني في كل أرجاء المنطقة العربية.

والإستقلال الذي من المفترض والطبيعي كما سائر الأمم والشعوب الأخرى أن نحتفل بعيده رسميا وجماهيريا في لبنان لما له من رمزية جامعة لوحدة لبنان و حريته وعيشه الوطني المشترك وسيادته الوطنية من المهم بمكان أن يعلم الجميع بأن  هذا الإستقلال لم يقدم منة وعلى طبق من فضة من أحد  إلى شعب لبنان، بل أ قد تحقق بفعل نضالات ومعارك وتضحيات كبيرة أتت تتويجا للإرادة الوطنية التي سمحت للبنان أن ينتزع استقلاله عن الإنتداب الفرنسي عام 1943،وتحرير الجنوب في العام 2000 من نير الإحتلال الصهيوني، وإسقاط عهد الوصاية والتحرر من قبضة النظام الأمني السوري – اللبناني في العام 2005 على أثر جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

وعلى الرغم أهمية عيد الإستقلال في الذاكرة الوطنية، يعود هذا العيد في هذا العام ولبنان دون رئيس للجمهورية ودون حوار وطني جامع قادر على تحصين الوحدة الوطنية في مواجهة التحديات والمخاطر التي تعصف بلبنان خصوصا أن دعم الجيش اللبناني الذي يحمي بتضحياته وبطولاته استقلال لبنان وحريته وسيادته  لا يمكن أن يكون فقط من خلال التصريحات والبيانات والمهرجانات الخطابية الرنانة دون خطوات سياسية عملية تؤدي فعليا وعلى أرض الواقع إلى  قيام جبهة داخلية متماسكة قوية يمكن للجيش أن يرتكز عليها في دفاعه عن الوطن وسيادته وحريته واستقلاله،خصوصا أن ما يشهده لبنان اليوم من خلافات وانقسامات عامودية طائفية ومذهبية هو أمر يضعف لبنان بإستقلاله وسيادته وحريته.

  فبعد 71 عاما على عمره الإستقلالي لا يزال لبنان يعيش في ظل نزاعات محلية سياسية وطائفية ومذهبية  وصراعات اقليمية ودولية شديدة التأثير  سلباً على أمنه واستقراره وسلمه الأهلي ما يعني بأن هناك قوى سياسية في لبنان لا تزال تكابر وتزايد بمواقفها وسلوكياتها السياسية العصوية والشعبوية الضيقة التي ترفض أن تتعظ وأن تأخذ العبر من دروس الماضي القريب اوالبعيد الذي يؤكد بأن حماية الإستقلال وتجسيده في الحياة السياسية يتطلب رجال دولة كبار هم قلائل اليوم في هذا البلد إذا كنا لا نريد أن نقول بأنهم نادرين الوجود  ولا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة.

أن ما يمر لبنان به اليوم هو أبعد من أزمة نظام بل هو أزمة رجال حكم حيث يغيب عن المشهد السياسي رجال الدولة الكبار أمثال كمال جنبلاط وبشارة الخوري ورياض الصلح وفؤاد شهاب  وصائب سلام وشيد كرامي الذين مارسوا السياسة بحلوها ومرها أي بمعاركها و نزاعاتها وخصوماتها ومصالحاتها وتسوياتها التي كانت دائما تحفظ لبنان وتنقذه من المخاطر الذي تتهدده، فهؤلاء جميعا احترموا دائما  بكبر وعلياء الدستور الذي لم يكن يوما يفصل على قياس أحد أو يعطل تحت شعار أنا أولا أحد كما يجري اليوم على صعيد الإستحقاق الرئاسي الذي لا يزال غارقا في الفراغ بعد 15 جلسة انتخاب رئاسية في مجلس النواب عين منتجة بسبب تعنت فلان وشعبوية علان فيما يمر عيد الإستقلال دون احتفالات ومراسم رسمية احتفالية لأن الدولة اللبنانية لا تزال دون رئيس للجمهورية وفق لما تقتضيه طبيعة هيكلية الدولة الدولة اللبنانية وانتظام عمل إداراتها ومؤسساتها.

وفي عتمة هذه الظلمة يستمر هؤلاء القلة من رجال الدولة الكبار أمثال الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط في محاولاتهم الدؤوبة لإطلاق عجلة الحوار العقلاني والهادئ الذي ينقذ لبنان، خصوصا أنه الزعيمين مدركان بأنه في الحوار وحده وبعيدا عن النكايات وسياسة تسجيل النقط  يمكن فتح كوة في جدار الازمة من أجل التوصل إلى التسوية المطلوبة التي تنظم الخلافات وتؤكد على تحييد لبنان عن آتون حروب المنطقة والتي تتيح بطبيعة الحال انجاز الإستحقاق الرئاسي واقرار قانون جديد للإرنتخاب على قاعدة التوافقية التي تحفظ لبنان ضمن معادلة لاغالب ولا مغلوب  الذهبية التي لطالما شكلت صمام أمان لحماية أمن واستقرار لبنان ومنع انزلاقه نحو مغامرات لا تجلب سوى الفوضى والفتنة.

وفي هذا الإطار، أشار وزير الصحة وائل أبو فاعور بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى انه “لدينا قناعة مشتركة ان الأمور لا يمكن ان تستمر كما هي عليه”.وأكد ان “بري يقوم بجهد إستثنائي وكبير لجمع اللبنانيين والتواصل فيما بينهم”، موضحا ان “جهد بري منسق مع رئيس اللقاء الوطني الديمقراطي النائب وليد جنبلاط لإعادة وصل ما انقطع بين اللبنانيين”.وأضاف أن “هناك حوار جدي بين تيار المستقبل وحزب الله للوصول الى تسوية ونحن في المرحلة التمهيدية للحوار وهناك نوايا ايجابية”.

وأوضح انه “لمست دعما كاملا من بري على الحملة التي اقوم بها وقد اعتبرها قضية وطنية وهو سيحدد غدا موعدا لعقد جلسة للجان المشتركة للبحث في قانون سلامة الغذاء”.

إلى ذلك،لم ينجح مجلس النواب في تأمين النصاب القانوني لعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية للمرة الخامسةعشرة على التوالي، فالجلسة التي كانت مقررة ظهر الأمس لم يتأمن نصابها الذي يحتاج إلى 86 نائبا،و بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية أرجأ رئيس مجلس النواب نبيه بري جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية الى يوم الاربعاء الواقع فيه 10 كانون الاول المقبل.

______________

(*) – إعداد: هشام يحيى