سلامٌ بعيد جداً / بقلم وليد جنبلاط

علّق رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط على مقال للكاتب وناشط السلام الاسرائيلي أوري افنيري تحت عنوان «الصليبيون والصهاينة» وكتب ما يلي:

صديقي أوري،

لا يمكن لمن يقرأ مقالك عن «الصليبيين والصهاينة» تجاهل التشابه بين الحركتين التاريخيتين رغم أن الفارق الزمني بينهما وصل إلى ما يقارب ستة قرون، علماً أن المسار الفعلي للأحداث في العالم العربي وإسرائيل يأتي ليصب في مصلحة هذا التشابه.

فمن ناحية، بدأ النظام العربي الذي أسس قبل مائة عام تقريباً بالانهيار. لا أعتقد أن بإمكان أي شخص أن يتوقّع ما ستكون عليه نتيجة هذا الانهيار.

والآن هناك نظام عربي جديد أو فوضى عربية جديدة قيد التشكيل، حيث ان الحدود الجديدة، إن وجدت، ستتقلّص أو تتوسّع وفقاً للاعبين الجدد على الساحة.

قد يكون هؤلاء اللاعبون من أمراء الحرب المحليين، أو الكيانات غير الحكومية قيد التطوير مثل «جبهة النصرة» في سوريا، «حماس» في غزة، «دولة الإسلام في العراق والشام (داعش)» في العراق وسوريا، الحوثيين في اليمن وإلى ما هنالك. اللائحة تطول وقد تضم على الأرجح لاعبين جدداً.

أما بالنسبة لمختلف الطوائف أو المذاهب مثل الدروز والمسيحيين، فمن الأفضل لهم أن يتعايشوا مع الواقع. الأفضل بالنسبة للدروز عقد تفاهم الحد الأدنى الواقعي مع غالبية السوريين، أعني «أهل السنة» بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية.

أما بالنسبة للمسيحيين، فيجب أن يبذل مجهود كبير لمنعهم من مغادرة دولهم في الشرق الأوسط حيث لا يزال ذلك ممكناً. في لبنان مثلاً، على أحد ما إبلاغهم بضرورة التوقف عن جدالاتهم البيزنطية.

لا أحسد الأيزيديين على مصيرهم، وهم الذين تخلّى عنهم العالم بأجمعه.

من ناحية أخرى، كما ذكرت في مقالك، فإن «قوة الفكر»، التي أراها «قوة الإبادة»، ستدمّر قروناً من الحضارات، باستخدام سيف التعصّب مقروناً بالترسانات الحديثة من الأسلحة التي يمكن للجميع الحصول عليها في هذه الأيام.

وهنا يأتي دور «داعش».

تزعم «داعش» أنها تحارب الطغاة العرب المترسّخين في الطغيان والفساد.

تزعم أنها تحارب الكفرة مثل اليهود، والمسلمين «الزنادقة» الذين لا يلتزمون قواعد «الاستقامة».

ستزعم في نهاية المطاف تحرير كامل فلسطين المحتلة من قبل الصليبيين الجدد وإخلاء «الأقصى» من الكفار.

بالطبع هذه معركة ستكون من دون رحمة، لأن الدم سيطهّر بالدم. سيشعل مذبح الدمار الكامل مرحلة التنقية الشاملة.

ومن الجانب الآخرـ الجانب الإسرائيلي الذي يعود إليه حلم إعادة بناء «جبل الهيكل»، وهذا نوع من الحرب الصليبية الجديدة، الحلم الذي راود أرماغيدون منذ ألفي عام، وأكثر استناداً إلى الزمن التوراتي، حيث أحفاد النبي إبراهيم يتقاتلون. كما تعلم، فإن «الصهيونية العلمانية» انتهت قبل زمن طويل، وحتى في تلك الفترة التي وصل فيها الصهاينة إلى فلسطين، تخيّلوا أنها ستكون أرضاً من دون سكان، لسكان من دون أرض.

وهنا أعتقد أن (ستيفن) رونسيمان (مؤرخ بريطاني صاحب كتاب «تاريخ الحملات الصليبية») كان محقاً.

وفي هذا الإطار، دعني أختم بالقول إن هذا سلام بعيد جداً، تيمناً بفيلم «جسر بعيد جداً».

————————————–

(*) جريدة “المستقبل” / نشرت الاربعاء 2014/11/19