من يردع التطرف الإسرائيلي؟

التعديات المتلاحقة للجماعات اليهودية المتطرفة على الحرم القدسي الشريف، والتي دخل وزير الخارجية الأميركي جون كيري، مباشرة على خط تخفيف وطأتها، تنذر باندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة بفعل الغضب الكبير الذي تثيره في نفوس المقدسيين خاصة والفلسطينيين عامة، وما حال التوتر التي تعيشها مدينة القدس وأعمال العنف المتبادلة سوى مؤشر قوي وواضح على حال الاحتقان، الذي تدفع تلك الجماعات الصهيونية المتطرفة والمدعومة من الحكومة الإسرائيلية، إلى تسعيره في نفوس المقدسيين.

ويؤشر الى هذا الاحتقان أيضا، السياسة الاستيطانية المتصاعدة التي تقرها حكومة الاحتلال، والتي تنسف ما تبقى من أمل بأي حل سلمي، فالسياسة الاستيطانية المترافقة مع سياسة تهويد القدس، والتي تمارسها الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، تدفع باتجاه فرض واقع جديد، مقابل الدعم الأوروبي المتفرق لحل الدولتين.

الدفع الإسرائيلي الى توتير الأجواء في القدس ومناطق الـ 48 المحتلة، والتي أدت الى ارتفاع منسوب العنف في هذه المناطق، هو جزء من مشروع إسرائيلي أرعن يسقط مشروع حل الدولتين، ويؤسس لإسرائيل دولة يهودية، تنهي تدريجاً أي وجود عربي في القدس الشرقية ومناطق الـ 48، مستفيدة من الصراعات العربية والإقليمية المستعرة في سوريا والعراق واليمن، ومن تغاضي المجتمع الدولي عن تلك السياسة بدليل ارتفاع عدد المستوطنات الإسرائيلية اربع أضعاف عما كانت عليه قبل احداث سوريا والعراق.، والتي استنكرها بيان الاتحاد الاوروبي الذي ناقش عملية السلام في الشرق الاوسط في جلسته أمس، “مستنكرا خطط البناء الاستيطانية الاسرائيلية الجديدة”، وانه “ينبغي تجنب التحركات التي تشكك في الالتزامات المعلنة لحل تفاوضي”.

كما صرحت الممثلة العليا للاتحاد الاوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الامنية فيديريكا موغيريني بان الاتحاد الاوروبي لا يعتزم فرض عقوبات على اسرائيل اذا ما اتخذت خطوات لعرقلة حل الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني على اساس قيام دولتين، حيث كانت صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية اوردت انها حصلت على وثيقة داخلية خاصة بالاتحاد الاوروبي عن العقوبات التي يمكن فرضها على اسرائيل اذا اتخذت خطوات تمنع قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.

واوضحت ان النقاش بين وزراء الخارجية للاتحاد الاوروبي تركز بدرجة اكبر على “كيفية بدء عملية ايجابية مع الاسرائيليين والفلسطينيين لإعادة اطلاق عملية سلام… لم تكن على الاطلاق قضية عزل او معاقبة احد”.

وفي نيويورك، حذر مساعد الامين العام للامم المتحدة ينس تويبرغ فراندزن خلال جلسة لمجلس الامن عن الشرق الاوسط من ان العنف في اسرائيل والاراضي الفلسطينية سيتصاعد في حال عدم عودة الطرفين سريعا الى محادثات السلام. وقال: “العودة الى المفاوضات لم يكن يوما اكثر اهمية مما هو اليوم… من دون التزام صادق من الطرفين وتحسن شامل لحياة الفلسطينيين، يجب ان نتوقع تدهورا اضافيا للوضع الامني وتوسع اعمال العنف الحالية”.

ولاحظ ان “واقع استمرار نحو 50 سنة من الاحتلال وعدم احراز تقدم في اتجاه حل الدولتين يشير الى ان جولة العنف الجديدة ليست بعيدة”.

من جهة أخرى وفي سياق متصل، تبنّت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (كتائب الشهيد أبو علي مصطفى) الهجوم على الكنيس اليهودي في القدس المحتلة والذي أدى إلى مقتل أربعة إسرائيليين.

وأصدرت الجبهة بياناً نشر على موقعها الإلكتروني مرفق بصورة للمنفّذين، قالت فيه “إننا في كتائب الشهيد أبو علي مصطفى الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، نبارك العملية البطولية التي نفذها الرفاق أبطال الجبهة الشعبية الشهداء غسان وعدي أبو جمل من جبل المكبر في القدس صباح اليوم، حيث اقتحما معهداً دينياً يهودياً في معهد “هارنوف” في دير ياسين غربي القدس متنكرين، مسلحين بمعاول وسكاكين ومسدسات وإرادة المقاومة”.

وأضافت أن الهجوم “أسفر عن مقتل أربعة مستوطنين بينهم رجل أمن صهيوني و حاخام وإصابة تسعة آخرين وصفت جراح أربعة منهم بالخطيرة، واستشهاد الرفاق منفذي العملية برصاص قوات الشرطة الصهيونية بعد الاشتباك معهم”.

وتابع البيان: “إننا في كتائب الشهيد أبو علي مصطفى نبارك أي عمل مقاوم يستهدف اقتلاع المستوطنين و المحتلين الذين يدنسون أرضنا، و هذه العملية وغيرها من العمليات البطولية التي ينفذها أبطال القدس رد طبيعي على جرائم الاحتلال وشكل من أشكال المقاومة الشعبية”.

ودعت الجبهة وهي تنظيم فلسطيني يساري، إلى تطوير العمليات وتوحيد كل الجهود “نحو مقاومة موحدة و تصعيد المواجهات ضد المحتلين وقطعان مستوطنيه، فلا مكان لهم على أرضنا “. ولاحقاً، باركت حركتا “حماس” و”الجهاد الاسلامي” الهجوم الذي اعتبرته الجهاد “ردا طبيعيا على جرائم الاحتلال” الاسرائيلي.

واعتبرت “حماس” ان هذا الهجوم الاكثر دموية منذ سنوات في المدينة المقدسة هو “رد على جريمة اعدام الشهيد (يوسف) الرموني” السائق الفلسطيني الذي عثر عليه مقتولا الاثنين في حافلته في القدس الغربية.

وقال سامي ابو زهري المتحدث باسم حماس ايضا ان الهجوم هو رد ايضا “على جرائم الاحتلال المستمرة في الأقصى وان حركة حماس تدعو الى استمرار عمليات الثأر”.
من جهته هدّد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بأنّ إسرائيل سترد بقوة على الهجوم الذي استهدف الكنيس اليوم، فيما دان الرئيس الفلسطيني محمود عباس الهجوم، مشيراً إلى أن “الرئاسة الفلسطينية تدين عمليات قتل المصلين اليهود في أحد دور العبادة في القدس الغربية وتدين عمليات قتل المدنيين من اي جهة.” وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قد اتهم عباس بالتحريض على العنف في القدس.

كما دان وزير الخارجية الاميركية جون كيري الهجوم، واعتبره عملا “ارهابيا بحتا”، وقال من لندن انه “عمل ارهابي بحت ووحشية عبثية”.

من جهة أخرى كشفت وثائق داخلية لما تسمى بسلطة الآثار الإسرائيلية، عن حفريات تقوم بها جمعية “إلعاد” الاستيطانية بإدارتها، وكيف تعتدي على المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية الأُخرى بما فيها المقابر والآثار الإسلامية.

وفي ملحق أصدرته صحيفة “هآرتس” العبرية، يكشف تقرير للصحافي نير حسون بعنوان “على أسوارك يا مدينة داوود”، كيف تحولت سلطات الاحتلال الإسرائيلي من معارضة لجمعية إلعاد إلى متعاونة معها، وماذا حصل للقبور التي أقيم فوقها مركز لزوار مدينة “داوود” ومن الذي يمول هذه الاعتداءات.

ويقول حسون في مقالته: “من يغادر ساحة حائط البراق عن طريق باب المغاربة ويتوجه شمالا باتجاه الحديقة الاستيطانية سيشاهد حفرة ضخمة، موجودة في المنطقة التي كانت تسمى ذات يوم موقف جفعاتي والتي تم حفرها تدريجيا خلال السنوات السبع الأخيرة، وتعد هذه الحفرية الأثرية الأكبر في مدينة القدس خلال السنوات العشر الأخيرة، والهدف من ورائها إقامة مركز تاريخي، مبنى مكون من جزأين سيستخدم كمركز للزوار، ومتحف ومدخل إلى الحديقة الاستيطانية”.

كما كشفت الوثائق، التحول الكبير في سياسة سلطة الآثار من معارض لإقامة مبنى في المكان، إلى داعم متحمس ومخطط البناء؛ كما تظهر تلك الوثائق حقائق موضوع تفكيك المقبرة الإسلامية ووجود قبور يهودية مزيفة، وتظهر الوثائق أن دافع الضرائب في إسرائيل هو الممول الرئيسي لتلك الحفريات وليس جمعية “إلعاد” الاستيطانية.

———————————

(*) فوزي ابوذياب