الأمن الغذائي ومعركة الدفاع عن صحّة المواطن

محمود الاحمدية

“إنّ أمّتَكم هذه جُعِلَ عافيتُها في أوّلِها، وسيُصيبُ آخرَها بلاءٌ وأُمورٌ تُنكرونَها”

كان الوزير لها فتمّ اقتحام المحرّمات والعلب السوداء ومغارة حيتان المال وتجّار الأطعمة الفاسدة التي تعيث تلوُّثًا وتجاوزًا لصحّة المواطن الراكض وراء رزقه وعياله… وكانت الطّامة الكبرى التي ذهبت بعقولهم وعملوا من الحبّة قبّة وأقام الوزير أبو فاعور مؤتمره الصحافي التاريخي بكل معنى الكلمة… لائحة بأسماء لامعة في تجارة الأغذية وتسويقها وكانت الكلمة الحاسمة الواضحة القاطعة تقول لكل مفسد تفضّل صلّح ما صَنَعْتَ يداك وضميرك بصحّة اللبنانيين…

الحقيقة أنّ الأمن الغذائي ملفٌّ أقلق ويُقلق اللبنانيين منذ عشرات السنين ويقبع تحت رحمة الذين لا يُقيمون وزنًا ولا قدرًا لصحّة الإنسان في الوطن… والذي يتابع تحرّك وزير الصحّة يلاحظ قبل كل شيء الهدوء في مواجهة هذا الملف مستندًا إلى فحوصات عملية موثوق بها وإلى اعتدال في المواجهة لأنّ لقمة العيش والمواد الغذائية لا طائفة لها ولا مذهب لها فهي تطال كل الشرائح الاجتماعية من أفقر الفقراء إلى أغنى الأغنياء متجاوزةً منطق 8 و 14 والوسطيين، هي ميكروبات تتخطّى الزمان والمكان لتُسمِّمَ الناس وتبعث بهم إلى المستشفيات بدون أي رادع وأي وازع من ضمير…

وعندما تظهر الفحوصات العلمية تلوّث بعض المنتوجات وليس كلّ المنتجات وتترك فرصةً بعد إغلاق القسم الخاص فيها في أكبر متاجر السوبر ماركت، تراعي قِيَمَ تَحَمُّل المسؤولية والابتعاد عن كلّ الزواريب التي تعوّدنا عليها ولا تتّهم أصحاب السوبر ماركت ولكنّها تلمس الجرح وتقول: صحّة الناس في خطر تفضّلوا صلّحوا ما لديكم… هي خطوة جريئة يجب مؤازرتها ودعمها واحتضانها من مختلف شرائح مجتمعنا وخاصّةً القطاع المدني… فأي خطر أعظم من صحّة الإنسان وفقدان صحّة الإنسان… وأي خطر أكبر من أن تسألَ نفسك: ماذا نأكل وماذا نشرب؟؟ هي حلقة جهنمية تبدأ من المستورِد وصولاً للجمارك وصولاً إلى أماكن التسويق… والسؤال الذي يطرح نفسه: أين أصبح ملف “سلامة الغذاء” منذ عام 2003 الذي شاركت فيه مختلف الوزارات المعنيّة مع القطاع المدني وكانت فيه دراسات وقرارات واضحة وعملية وخارطة طريق إلى الوصول نحو سلامة الغذاء ولكنّ كل ذلك مِثْل كلّ ملفّ وُضع على الرّف ولم يصدر قانون بها ولا ذهب هذا القانون إلى مجلس الوزراء ومجلس النواب بالرغم من كل تلك الجهود التي بُذِلَتْ… كلّها راحت أدراج الرياح لسبب بسيط كلّنا نعرفه بوضوح: الفساد والتسيُّب والضغوطات السياسية والمالية وما لفّ لفّها…

في مؤتمره الصحّي الثاني أثبت الوزير أبو فاعور جديّةً في متابعة هذا الملف حتّى الأخير… وحتّى لا تتكرّر تجربة الوزير إميل بيطار الذي واجه فيها حيتان استيراد الأدوية وأثمرت الضغوطات استقالةً بطوليةً لوزير الصحّة آنذاك إميل بيطار بعد أن كشف كل شيء ولكن ضعف الاحتضان وقوّة حيتان المال جعلته يغادر غير آسف… وحتّى لا تتكرّر هذه الحادثة لا سمح الله علينا بدعم الأستاذ وائل أبو فاعور واحتضان ما يقوم به ودعم الموقف التاريخي للأستاذ وليد جنبلاط من حماية مشروع وزير الصحّة وتغطيته ومواجهة كل العواصف الآتية… نعم وليد جنبلاط، وائل أبو فاعور حملا ويحملان فكر كمال جنبلاط ويطبّقانه في أشرف معركة دفاعًا عن أعزّ ما لدى المواطن في كل زمان وأوان: صحّته.

————————————————–

(*) رئيس جمعية طبيعة بلا حدود

اقرأ أيضاً بقلم محمود الاحمدية

لبنان لن يموت

أكون حيث يكون الحق ولا أبالي

لماذا هذا السقوط العربي المريع؟!

جشع بلا حدود وضمائر ميتة في بلد ينهار!

جاهلية سياسية… بل أكثر!

معرض فندق صوفر الكبير والتاريخ والذاكرة

قال لي: عندما تهاجم الفساد ابتسم بألم!!

إذا أجمع الناس على مديحك سوف أطردك!!

التاريخ لا يرحم… يجب إعادة كتابته

ما هو دوري كوزير جديد؟

مشروع كمّ الأفواه تدمير للبنان الرسالة

الجامعتان اليسوعية والأميركية تنسحبان: التعليم العالي في خطر

السويداء في عين العاصفة

تقريران رسميان متناقضان عن تلوث بحر لبنان

في ذكراها الـ 74 اسمهان: قصصٌ خالدة

طبيعة بلا حدود ربع قرن من النضال البيئي

فريد الأطرش وشوبرت والفن العالمي الخالد

يوم البيئة العالمي: التغلب على تلويث البلاستيك

قطعة الماس في جبل من الزجاج

مسيرة منتدى أصدقاء فريد الأطرش تشع في دار الأوبرا في القاهرة