هل عادت “الحرب الباردة” بعد قمة مجموعة العشرين في أستراليا؟

خيمت أجواء التشنج والتوتر على  قمة دول مجموعة العشرين وكواليسها  التي عقدت في مدينة بريزبن الأسترالية، وبحسب بعض المحللين والمراقبين فان الأجواء التي سادت هذه القمة لا يدل سوى على أن العالم ذاهب نحو المزيد من المواجهات والإنقسامات بسبب الإختلافات والتوترات الغربية الروسية بسبب الأزمة الأوكرانية المستفحلة و التي توحي بعودة شبح الحرب الباردة.

وفي هذا السياق أكدت مصادر دبلوماسية لـ الأنباء بأنه من المكبر جدا التنبوء بعودة الحرب الباردة إلى العالم الي لا ينفصه حروب ودمار في ظل الازمات الإقتصادية والإجتماعية والمعيشية التي يعيشها هذا العالم. مضيفة بأن ما جرى في قمة مجوعة العشرين يحمل في طياته مؤشرات لخلافات عميقة وكبيرة بين القوى الكبرى، وهذه الخلافات العميقة والكبيرة تحمل في ثناياها من دون أدنى شك ملامح قوية لعودة الحرب الباردة خصوصا بعد الإنتقادات الشديدة التي تعرضت لها روسيا خلال قمة العشرين والتي أدت إلى مغادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه القمة قبل صدور بيانها الختامي.وفي  أجواء أشبه بالحرب الباردة، اتهم قادة الدول الأنغلوساكسونية موسكو بأنها تشكل “تهديدا للعالم” وترغب في “إعادة الأمجاد الضائعة لروسيا القيصرية والاتحاد السوفيتي”.

هذا وقد أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه التقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال قمة مجموعة العشرين حيث تباحثا الأزمة السورية وقال إنّ كلاهما قد بقي على موقفه.وقال كبير مستشاري الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للشؤون الخارجية إن بوتين اجتمع مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما لمدة 20 دقيقة على هامش قمة مجموعة العشرين  لكن لا تزال الخلافات قائمة بينهما بشأن الصراع في سوريا.واضاف المستشار يوري يوشاكوف لرويترز “جلسا معا قبل جلسة عمل اليوم وتحدثا 20 دقيقة.” وذكر أن سوريا كانت الموضوع الرئيسي مضيفا لم يحدث تقارب” في موقفيهما.

بدوره قال الرئيس الأميركي باراك أوباما في قمة العشرين، إن الإدارة الأميركية لم تجر مراجعة شاملة لسياستها في سوريا.وأضاف أن واشنطن أبلغت حكومة سوريا بألا تهدد الطائرات الحربية الأميركية التي تحلق في المجال الجوي السوري لقصف داعش، مشدداً على أن التحالف مع الأسد ضد تنظيم الدول الإسلامية سيضعف التحالف.وقال أوباما إن روسيا ستبقى معزولة داخل المجتمع الدولي إذا ما واصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انتهاك القانون الدولي والاتفاقيات التي تهدف إلى إنهاء الصراع في أوكرانيا.

وفي سياق متصل، أكدت دول مجموعة العشرين الأغنى في العالم، أنها تدعم القيام “بتحرك قوي وفعال” بشأن التغيرات المناخية والصندوق الأخضر للأمم المتحدة.وفي ختام قمتها في أستراليا، اليوم الأحد، قالت دول المجموعة في بيان “ندعم تحركا قويا وفعالا لمواجهة التغير المناخي”، و”نؤكد مجددا دعمنا لتعبئة الوسائل المالية لتكيف الدول التي تتضرر بالتغيرات المناخية، مثل الصندوق الأخضر للأمم المتحدة الذي يهدف إلى مساعدة الدول الفقيرة الأكثر تعرضا للخطر”.

وأضافت دول المجموعة أنها “ستعمل معا من أجل النجاح في تبني بروتوكول أو الاتفاق على نتيجة ملزمة قانونيا بموجب المعاهدة حول التغيرات المناخية، يمكن تطبيقها على الجميع”.

من جهته، اختصر الرئيس الروسي فلاديمير بوتن مشاركته في قمة مجموعة العشرين التي أقيمت في بريزبين شرق أستراليا، وغادر قبل إصدار البيان الختامي للقمة بسبب الأجواء المتوترة التي أثارتها الأزمة الأوكرانية بين روسيا والغرب.واتهم قادة أميركا وبريطانيا وأستراليا وغيرها من الدول الغربية، موسكو بأنها تشكل “تهديداً للعالم وترغب في إعادة الأمجاد الضائعة لروسيا القيصرية والاتحاد السوفيتي”.بوتين قال في كلمة له قبل مغادرة القمة إن قرار أوكرانيا قطع التمويل عن شرقها الانفصالي الموالي لموسكو هو “خطأ كبير لأنها تقطع بذلك فعلياً هذا الشطر عن سائر أنحاء البلاد”، وأعرب عن قناعته بأن الاضطرابات في العالم ستستمر إلى أمد طويل ما لم تحترم الأطراف الدولية مصالح بعضها البعض، وأكد أن الوضع في أوكرانيا يملك فرصاً وآفاقاً واسعة للتسوية.

وقال بوتين إنه بحث المسألة الأوكرانية خلال لقاءات ثنائية مع عدد من قادة الدول المشاركة في القمة، لافتاً إلى أنه تسنى خلالها التوصل إلى فهم مشترك.وفي إطار تداعيات الأزمة الأوكرانية على روسيا وما تبعها من عقوبات غربية، أكد بوتين أن مسألة العقوبات لم تبحث خلال اجتماعات القمة لكنه جدد الإشارة إلى أن “العقوبات تعيق الجميع ويجب الابتعاد عنها”.وفي سياق متصل، أكد الرئيس الروسي أن أسعار النفط الحالية لم تؤثر سلباً على اقتصاد بلاده، وشدد على أن “جميع عوائد الذهب الأسود في هذا العام ستكون مضمونة بغض النظر عن تأرجح سعره”.وأعلن بوتين أنه سيتم إدخال تعديلات على حجم الإنفاق في الميزانية الروسية، في حال انخفاض أسعار النفط العام المقبل، دون أن يمس ذلك التزامات الدولة الاجتماعية، معبراً عن ثقته بأن “العام المقبل سيشهد تصحيحاً في أسعار النفط”.

من جانب آخر، كشف الرئيس الروسي أن اختصاصيي بلاده يعملون بجد على وضع لقاح لحمى “إيبولا”، معرباً عن أمله بأن يتوصلوا لنتائج إيجابية.وكشف بوتين أن طائرة تحمل معدات طبية ومشفى ميدانياً بمئتي سرير لمكافحة الفيروسات الحادة غادرت موسكو ليل الأحد متجهة إلى غينيا.وقبل أن يقرر المغادرة، أشاد بـ”الأجواء البناءة” التي سادت قمة مجموعة العشرين، قائلاً إن “المناقشات كانت صريحة جداً ومفيدة، أعتقد أننا نجحنا في التفاهم بشكل أفضل مع زملائنا وفي فهم دوافع روسيا، أبلغونا بقلقهم وأعتقد أن هذا الأمر سيساعدنا”.

ورأى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن تغذية روح الكراهية للروس في الخفاء في أوكرانيا قد يقود إلى كارثة، مؤكداً  أنه لن يسمح لكييف بالقضاء على خصومها السياسيين كافة شرقي البلاد. وتطرق بوتين في مقابلة مع قناة ARD الألمانية الى الموقفين الروسي والغربي حيال ما يجري شرقي أوكرانيا بالقول:” دائما يقولون لنا ويشيرون بأن على الموالين لروسيا هناك أن يفعلوا هذا وذاك.. وأن علينا أن نضغط ونؤثر عليهم بهذا الشكل أو ذاك.. وأنا دائما أسألهم:” وأنتم هل فعلتم شيئا كي تؤثروا على رعاياكم في كييف؟ ماذا فعلتم؟ أم أنكم فقط تغذون روح الكراهية والعداء لروسيا هناك؟ وهذا بالمناسبة خطر جدا، وستحل كارثة إذا ما أقدم أحد في الخفاء على دعم العداء لروسيا في أوكرانيا”.

وتابع الرئيس الروسي ان المهم هو أنه لا ينبغي النظر إلى هذه القضية من طرف واحد، وأوضح:” تدور الآن شرقي أوكرانيا أعمال قتالية، وقد أرسلت السلطات المركزية الأوكرانية إلى هناك الجيش، وتستخدم حتى الصواريخ الباليستية”، وأضاف متسائلا:” هل يتحدث أحد عن هذا؟ ..لا”. ماذا يعني ذلك؟ وما المقصود من هذا التغاضي؟ هذا يعني أنهم يريدون أن تقضي السلطات المركزية في أوكرانيا على جميع خصوميها السياسيين ومعارضيها.. أليس كذلك؟ إذا كانوا يريدون ذلك فنحن لا نريده ولن نسمح به”.كما اعتبر الرئيس الروسي رد فعل الغرب على انضمام القرم إلى روسيا “غير مناسب على الإطلاق”، مؤكدا أن ما حدث لم يخالف ميثاق الأمم المتحدة والممارسة الدولية، وأشار إلى وجود سابقة جديدة وواضحة وهي كوسوفو، مذكّرا بأن اتخاذ إجراءات خاصة بتقرير المصير لا يتطلب سماح السلطات المركزية.

وتابع الرئيس الروسي أن القوات المسلحة الروسية قامت بمحاصرة القوات الأوكرانية المنتشرة في القرم، “لكن ذلك ليس بهدف إجبار أحد على الذهاب إلى مراكز التصويت، لأن ذلك مستحيل، وإنما من أجل الحيلولة دون إراقة الدماء ولكي نسمح للناس بالتعبير عن موقفهم حول تحديد مستقبلهم ومستقبل أطفالهم”، مذكراً بان كوسوفو أعلنت عن استقلالها في قرار أصدره برلمان الإقليم، فيما شارك سكان القرم في استفتاء عام وصف نتيجته بالمدهشة.

وفي وقت سابق،سخر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعد ظهور عدد من السفن الحربية الروسية أمام السواحل الإسترالية، تزامنا مع مشاركته في اجتماعات قمة العشرين.وقال كاميرون للصحفيين ساخرا: “لم أشعر أنه يجب عليّ أن أُحضر سفينة حربية لأشعر بالأمان في قمة العشرين، وأنا متأكد أن بوتين لن يكون في خطر”.ووجهت وسائل الإعلام البريطانية انتقادات حادة للرئيس الروسي، بسبب وجود سفن حربية روسية أمام السواحل الإسترالية، متهمين الرئيس بوتين “باستعراض القوة”.ومن جانبه، قال رئيس الوزراء الإسترالي توني آبوت إن هذه الخطوة جزء من “نمط مؤسف” من الحزم العسكري الروسي، متهما بوتين بمحاولة إعادة ما وصفه بـ”الأمجاد الضائعة” للاتحاد السوفييتي.

وعلى هامش فعاليات قمة مجموعة العشرين، التي تضم أقوى 20 قوة اقتصادية في العالم، واُفتتحت صباح اليوم السبت في مدينة “بريسبان” في أستراليا، التقي رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، برئيس الولايات المتحدة، باراك أوباما، على مائدة الغداء، وتناولا عدد من القضايا الإقليمية الهامة، وتباحثا آخر المستجدات الدائرة على الساحة السورية والعراقية.وأفادت صحيفة “أقشام” التركية أن داود أوغلو، توجه بالشكر إلى الرئيس الأمريكي، إزاء تصريحاته الأخيرة الداعمة لأقلية “الروهنجيا” المسلمة في ميانمار، لافتا إلى أن مسلمي ميانمار، من أكثر الأقليات المظلومة في العالم الإسلامي.

____________

(*) – إعداد: هشام يحيى