أرخبيل ولايات «الدولة الإسلامية»

  في الثالث عشر من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، أصدر أبو بكر البغدادي [“الخليفة إبراهيم”]، زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش»)، بياناً علنياً نادراً أعلن فيه إنشاء عدة “ولايات” جديدة في دول عربية مختلفة. وهذه هي المرة الأولى التي يعترف فيها هو وتنظيمه عن جماعات “بايعت” «الدولة الإسلامية» كما يُسمّى تنظيمه، منذ الإعلان عن “خلافته” قبل ستة أشهر. إلى جانب ذلك، تقدم الرسالة الصوتية لمحة عن نموذج توسع التنظيم وعن خططه التي تقوم على إثارة التوترات الدينية بين السنّة والشيعة في دول أخرى تتخطى العراق وسوريا ولبنان. فإذا أرادت الحكومات الغربية أن تعترف بذلك أم لا، يبقى الواقع أن تنظيم «الدولة الإسلامية» قد توسع بطريقة تشمل أراضٍ غير متجاورة خارج قاعدته وأنه يمتلك الآن سلطة على جماعات تابعة له وإن بعيدة عنه جغرافياً، فضلاً على عدد قليل من الأراضي خارج العراق وبلاد الشام.

من جماعات إلى ولايات

منذ إعلان الخلافة في حزيران/يونيو، قام عدد من الأفراد والجماعات المختلفة وغير المتجانسة بـ “مبايعة” البغدادي. بيد أن “الخليفة إبراهيم” لم يعترف في الرسالة الصوتية الذي أُذيعت في الثالث عشر من تشرين الثاني/نوفمبر سوى بـ “تمدد الدولة الإسلامية إلى بلدان جديدة، إلى بلاد الحرمين (السعودية) واليمن وإلى مصر وليبيا والجزائر”. وفي هذا الصدد، يجد بالذكر أن الجماعات الجهادية في الدول الثلاث الأخيرة هي (“أنصار بيت المقدس”) في شبه جزيرة سيناء، و (“مجلس شورى شباب الإسلام”) في ليبيا، و (“جند الخلافة”) في الجزائر. وقد  تجاهل “الخليفة إبراهيم” الفصائل غير العربية التي بايعته أيضاً ومقرها في باكستان وإندونيسيا والفلبين وغيرها. وقد يشير ذلك إلى توثيق الصلات مع زملائه الجهاديين العرب، أو إلى عدم استعداد المنظمات خارج العالم العربي لأن تُستغل وتنمو.

وأشار البغدادي أيضاً إلى أن إعلانه يستلزم “إلغاء” اسم الجماعات المحلية في الأماكن الخمسة المذكورة أعلاه، “وإعلانها ولايات جديدة لـ «الدولة الإسلامية»، وتعيين ولاة عليها”. وفي حين ادّعى ضم هذه “المناطق” لتنظيمه، تبيّن المعلومات المتاحة للجمهور أن الجماعات في ليبيا وسيناء فقط هي التي يمكنها أن تدّعي شرعياً السيطرة على الأراضي، إذ إن صحة هذه المزاعم في المملكة العربية السعودية واليمن والجزائر تبقى رهناً بالتطورات.

ومع ذلك يمكن لهذه الجماعات التي أثبتت سيطرتها على الأراضي – التي يطلق عليها حالياً اسم “ولاية ليبيا” و “ولاية سيناء” – أن تتّبع النموذج الاقتصادي نفسه القائم على الاستدامة الذي اتبعه تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا على مدى السنوات القليلة الماضية. وإن لم تكن الجماعات في ليبيا وسيناء قد قامت بذلك بالفعل، فإنها المرشحة الأولى لإدخال شبكاتها الجهادية بشكل كامل في شبكات الإجرام التقليدية التي كانت تُستخدم على مر السنين في عمليات الاتجار والتهريب وأنشطة أخرى في السوق السوداء. وبالتالي يمكن لهاتين “الولايتين” الجديدتين التمتع بمستوى معيّن من قابلية النجاح، على الأقل على المدى القصير. وتتعلق الأسئلة المطروحة بإمكانية استخدام هذا النموذج من قبل أعضاء تنظيم «الدولة الإسلامية» الجدد من اليمنيين والسعوديين والجزائريين – الذين لا يبدو أنهم يسيطرون على أي أراضي في هذه المرحلة.

استهداف الشيعة أولاً

بالإضافة إلى الإعلان عن عمليات ضم الأراضي، بيّن البغدادي لمساعديه بشكل جلي في المملكة العربية السعودية واليمن أن الوقت قد حان لشن حملة عسكرية علنية ضد “روافض الحوثة (جماعة الحوثيين)… فإن الروافض أمة مخذولة”. وأكد أيضاً على ترتيب الأولويات، مشيراً إلى أنه يجب على “أبناء الحرمين” (أي المملكة العربية السعودية) و “ولاية اليمن” أن يستهدفوا “الرافضة” (الشيعة بمن فيهم الحوثيين) أولاً، ثم “آل سلول” (العائلة الحاكمة في السعودية) “وجنودهم قبل الصليبين وقواعدهم”. ومن إعلانه هذا، أوضح رسمياً كيف ينظر تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى أعدائه وإلى التهديد الأكثر إلحاحاً الذي يواجهه، وبيّن أيضاً أوجه الاختلاف بينه وبين تنظيم «القاعدة»، وهي الجماعة اتي كانت السبّاقة تاريخياً في محاربة “الصليبيين”.

وإذا ما سار أتباع تنظيم «الدولة الإسلامية» في المملكة العربية السعودية أو اليمن على خطى ما أعلنه البغدادي في دعوته لشن حملة ضد الشيعة، فستزيد قدرة الأشخاص غير المنتمين إلى التنظيم على قياس التأثير الحقيقي للجماعة ومستوى قيادتها وسيطرتها على التابعين لها خارج قاعدتها الرئيسية. وبغض النظر عما سيحدث، فإن رسالة البغدادي تسلط الضوء على رغبته في مواصلة بسط سلطة تنظيمه على مناطق جديدة. وبالتالي تلتزم «الدولة الإسلامية» بشعارها “باقية وتتمدد [لكل بلاد العرب]”، ويعود ذلك جزئياً لكي تظهر للائتلاف المعارض لـ «داعش» أنه في حين أنها قد لا تملك نفس زخم المعارك الذي كان لها هذا الصيف، إلا أن «الدولة الإسلامية» لا تزال تسيطر على أراضي في العراق وسوريا. ويشكّل ذلك انتصاراً بحد ذاته بالنسبة إلى قيادات الجماعة وأتباعها، حيث يُفترض أنه يبرز كيف أن إرادة الله [تحققت وتقف] إلى جانبهم حتى مع محاربة العالم أجمع لهم.

وفي النهاية، ستتوقف قدرة «الدولة الإسلامية» على توسيع نطاق عملها وسلطتها على مدى النجاح الذي سيثبته هذا النموذج الذي تم ضمه الآن رسمياً إليها. أما في الوقت الحالي، وربما على المدى الطويل، فهذا يعني أنه سيتوجب على الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة التعامل مع بيئة من التهديدات الأكثر تعقيداً.

————————————–

(*) هارون ي. زيلين / معهد واشنطن