كيف يجد الفساد دائماً من يدافع عنه؟

رامي الريس

أن يقوم وزيرٌ بواجبه في فضح وملاحقة الفاسدين فهو أمرٌ مفهومٌ، إن لم يكن مطلوباً، في بلدٍ صارت ثقة مواطنيه متصدعة تماماً بدولتهم. ولكن أن يقفز وزيرٌ آخر، أو أكثر من وزير، مستهجناً الإجراءات الإصلاحية فهو أمرٌ مستغرب لا بل هو الأمر المستهجن بذاته.

حملة مكافحة الفساد الغذائي التي أطلقها الحزب التقدمي الاشتراكي عبر وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور لا تميز بين ٨ و ١٤ آذار أو بين معارضة وموالاة أو يمين ويسار. إنها بكل بساطة شكلٌ من أشكال المواجهة بين المواطن ومن يسعى، عن قصد أو غير قصد، لضرب لقمة عيشه ومصادرة أمنه الغذائي.

لقد طغت الانقسامات السياسية العاموديّة بين الأطراف السياسية على كل ما عداها من ملفات لدرجةٍ أن البعض لم يعد يصدٓق أن بالإمكان لوزيرٍ أن يقوم بواجباته في كشف الفساد وملاحقة مرتكبيه وفي الانحياز أولاً وأخيراً الى المواطن بقطع النظر عن إنتماءاته السياسية أو المناطقية أو الطائفية أو المذهبية.

لقد طغت الانقسامات السياسية العاموديّة بين اللبنانيين على كل الملفات التي لا تقل أهمية عن الانقسامات المتصلة بسلاح حزب الله أو الموقف من الأزمة السورية أو الملف النووي الإيراني أو العلاقات بين الغرب والشرق.

إنها الملفات التي تهم اللبنانيين جميعاً: الأمن الغذائي، الطبابة، الشيخوخة، البطالة، الضمان الاجتماعي، النمو، الاستقرار السياسي والأمني والنقدي، الدين العام، البيئة، أزمة السير، الكهرباء، المياه، الهاتف والاتصالات وسواها من العناوين المهمة التي تمس معيشة اللبنانيين في يومياتهم وتنعكس على حياتهم أكثر بكثير من السجالات السياسية العقيمة التي لا تتوقف.

نعم، يمكن للقوى السياسية أن تقف صفاً واحداً داخل الحكومة إذا ما توفرت الإرادة لتحقيق منجزات إجتماعية ملحة تردم شيئاً من الهوة السحيقة بين المواطن والدولة. ويمكن لها أن تناقش الملفات الاقتصادية من حيث عناصر تكوينها التقنية وليس بخلفياتها السياسية أو العقائدية.

أكثر من ذلك، فإن الملفات الاجتماعية والمعيشية، عدا عن كون معالجتها تصب في مصلحة مختلف الفرقاء، ولكنها يمكن أن تشكل أيضاً مساحة مشتركة للحد من الانقسامات الحادة بالاضافة الى أنها تحصَن الاستقرار الاجتماعي وتحول دون إنفجاره في لحظةٍ إقليميةٍ ملتهبة تستوجب تعزيز الوضع الداخلي الى أقصى الحدود.

———————————-

(*) رئيس تحرير جريدة “الأنباء” الالكترونيّة

Facebook: Rami Rayess II

Twitter: @RamiRayess

اقرأ أيضاً بقلم رامي الريس

عن الخرائط التي تُرسم والإتفاقات التي تتساقط!

التسوية شجاعة وإقدام!

الأحزاب وبناء الدولة في لبنان

أعيدوا الاعتبار لـ “الطائف”!

الإعلام والقضاء والديمقراطية!

وفروا مغامراتكم المجربة… واقرأوا!

عن “الأقوياء في طوائفهم!”

ما بعد الإنتخابات النيابية!

لمن سأقترع في السادس من أيّار؟

إنه السادس من أيار!

لائحة المصالحة: قراءة هادئة للعناوين والتطلعات

لا، ليست إنتخابات عادية!

عن تجاوز الطائف والأكلاف الباهظة!

الشعب الإيراني يريد النأي بالنفس!

الإصلاح ثم الإصلاح ثم الإصلاح!

للتريث في قراءة مفاعيل التريث!

كيف ستنطلق السنة الثانية من العهد؟

تغيير مفهوم الإصلاح!

“حبيبتي الدولة”!

من حقّ الناس أن تتعب!