الإنتخابات الرئاسية البرازيلية: فوز لروسيف ونجاح للديمقراطية؟

د. ناصر زيدان

الإنتخابات الرئاسية التي جرت في البرازيل الأحد 26/10/2014 ، حملت جُملة من المفارقات الهامة، كما يُمكن الإطلالة منها على مجموعة من الاستخلاصات، من حيث النتائج التي أسفرت عنها، ومن حيث الدلالات الأُخرى التي تتعلق بالأرقام، وبالإنضباط الذي ساد عملية الاقتراع.

تحتلُ البرازيل موقع سابع أكبر إقتصاد في العالم، وهي أكبر دول في اميركا اللاتينية، والخامسة في العالم من حيث المساحة التي تمتدُ على رقعة جغرافية تتجاوز 8,5 مليون كلم2 ، وعدد سكانها 202 مليون نسمة. وتعتمد النظام الجمهوري الفيدرالي وفقاً لدستور يُعطي رئاسة الدولة المُنتخبة من الشعب مكانةً أساسية في الحياة السياسية للبلاد.

شكل فوز الزعيم العمالي الشعبي لولا دا سيلفا في إنتخابات الرئاسة عام 2002 مفاجأة من العيار الثقيل في الأوساط الدولية، وأعيد إنتخابه في العام 2006 ب60% من الاصوات، وإختير شخصية العام من قبل صحيفة “لوموند” الفرنسية عام 2009، والزعيم الأكثر تأثيراً في العالم من قبل مجلة “تايم” الأميركية في العام 2010، لكنه في نهاية ذلك العام إضطرَّ لترك الرئاسة، لأن الدستور لا يسمح له الترشُّح لولاية ثالثة، ولكن مرشحته العمالية ديلما روسيف نجحت في الوصول إلى سدة الرئاسة، وها هي اليوم تفوز للمرة الثانية على منافسها مرشح الحزب الإجتماعي الديمقراطي، رجل الأعمال آيسيو نيفيز، ولو بفارقٍ ضئيل، بحيث حصلت على 51,45% من الأصوات، مقابل 48,55 لآيسيو.

نجاح روسيف للمرة الثانية – وبعد حكم دورتين لمُرشدها الأعلى لولا دا سيلفا، لا يمكن العبور أمامه مرور الكرام، ذلك أنه إنتصار لليسارية الجديدة التي أرساها دا سيلفا، والتي تعتمد على شعبوية من الطراز المُتقدِّم، تُحاكي هموم الفقراء، والمُعدمين، من دون أن تعيِرَ المزيد من الإهتمام لنسب النمو، ولنصائح صندوق النقد الدولي. وقد نجحت هذه الظاهرة اليسارية في مُعالجة أزمة المجاعة، والفقر المُدقع الذي كان يطال أكثر من أربعين مليون برازيلي. ولكنها في الوقت ذاته أدت إلى حصول إنكماش في الإقتصاد البرازيلي، قد يُهدد بإعادة إرتفاع نسبة البطالة في البلاد، بعد أن وصلت إلى أقل من 7%.

BRAZIL

الولاية الأولى من رئاسة ديلما روسيف والتي تنتهي في 31/12/2014، تميَّزت بالفضائح المالية، لا سيما منها الاختلاسات التي حُكيَ عنها في شركة النفط الحكومية “بترايوس” التي كانت ترأسها روسيف أيام ولاية الرئيس السابق لولا دا سيلفا، وكذلك الهدر الذي تحدثت عنه وسائل الإعلام، والناتج عن صفقات إنشاء الملاعب الرياضية قبل إقامة مباراة كأس العالم 2014 على الأراضي البرازيلة.

رغم كل ذلك فقد بيَّنت الأرقام أن التقديمات الاجتماعية في المعونات الغذائية للمُعدمين، قد زادت، والخدمات الصحية والتعليمية والاسكانية إرتفعت بوتيرة عالية، وتلك الخدمات كانت الرصيد الذي إستفادت منه روسيف في الإنتخابات، حتى لو كان قادة حزبها غير راضين تماماً عن النتيجة، لأن الارقام بيَّنت تراجع شعبية الحزب عن العام 2010.

مهما يَكُن من أمر فإن مجموعة من العِبَر والاستخلاصات يُمكن تسجيلها من عملية الانتخابات التي شارك فيها ما يُقارب 140 مليون مواطن، وبينهم جالية كبيرة من أصول عربية، خصوصاً من اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين. ومن أهم هذه الاستخلاصات:

أولاً: الثقافة العالية التي يتمتع بها الشعب البرازيلي لناحية إحترام أصول الديمقراطية، بحيث لم يُسجَّل أي حادث أمني بارز – قبل الإنتخابات، وأثناء إجرائها – رغم التنافس السياسي القاسي بين المُرشحين، ومن خلفهما خصوصاً؛ حزب العمال والحزب الإجتماعي الديمقراطي.

ورغم إتساع البلاد وكثافة عملية الاقتراع، تمكنت السلطات البرازيلية من إجراء العملية في يومٍ واحد، من دون إخفاقات، أو أخطاء لوجستية، كان يمكن أن تعوِّق العملية، كما يحصل في العديد من الدول الصغيرة.

ثانياً: قد تكون البرازيل من الدول القليلة في العالم التي لا يًشكل ثأثير السياسة الخارجية على الإنتخابات فيها أكثر من 5%، رغم المكانة المُتقدِّمة للبرازيل بين دول العالم، خصوصاً بعد الدور الاساسي الذي لعبته في تأسيس مجموعة “البراكس” وكذلك بعد تشكيل مجموعة “العشرين” الذين يحتلون أكبر إقتصادات في العالم، بُعيد الأزمة المالية التي أصابت الإقتصاد العالمي من جرّاء الافلاسات البنكية والانهيارات العقارية التي حصلت في الولايات المُتحدة الأميركية في العام 2008.

ثالثاً: رغم قُرب البرازيل من الولايات المُتحدة الاميركية، ورُغم تأثُّر واشنطن بالسياسة غير المُتعاونة لحزب العمال البرازيلي منذ أيام الرئيس السابق لولا دا سيلفا حتى اليوم، لم يُلاحظ المُراقبون تدخُلاً اميركياً في الإنتخابات الرئاسية البرازيلية الأخيرة، وقد يكون السبب: الخوف من الارتدادات العكسية لمثل هذا التدخُّل على المزاج العام للناخِب البرازيلي الذي ينقلب عادة على مَن يكتشف أنه يستقوي بالخارج في سياسته الداخلية، برغم أن واشنطن كانت تتعاطف ضمناً مع المُرشح الليبرالي آيسيو نيفيز.

تبدو الإنتخابات الرئاسية البرازيلية هذا العام، ليست انتصاراً لروسيف فقط، بل نجاحاَ للديمقراطية المُتنامية على جوانب ضفاف الأمازون.

اقرأ أيضاً بقلم د. ناصر زيدان

قبل أن يسقط الهيكل

عن الصراعات المُخيفة بين سواحل البحر الاسود وشواطىء البحر المتوسط الشرقية

تحوُّل كبير في السياسة الصينية نحو الشرق الاوسط

مصاعب سياسية وإقتصادية تواجه روسيا

مؤشرات على إندفاعة جديدة لجامعة الدول العربية

كلفة اقتصادية خيالية لإسقاط “السوخوي” الروسية من قبل المقاتلات التركية

تحديات التنمية العربية لما بعد العام 2015

هل تُهدِّد الاضطرابات الأمنية التغلغُل الصيني الواسع في أفريقيا؟

الحكومة الأفغانية عالقة بين طالبان وداعش والافيون والسياسة الاميركية

التواطؤ الأميركي وإنتفاضة القُدس الثالثة

تغييرات كبيرة في نسق العلاقات الدولية على وقع المآسي الانسانية

عن مخاطر الحسابات الروسية الجديدة في سوريا!

عودة هادي إلى عدن وتقلُّص الإنفلاش الإيراني

تحولات كبيرة في الموقف الروسي تجاه الأزمة السورية

معالم تراجع في أخلاقيات النظام الدولي!

هل يلاحق القضاء البريطاني نتنياهو اثناء زيارته الى لندن؟

عن المسؤولية الجنائية لقادة العدو الإسرائيلي في إحراق الطفل دواشنة

ايران: مصلحة الدولة ومصلحة النظام

عن تآمر “إسرائيل” والنظام السوري على العرب الدروز!

سِباق بين عصا البشير والمحكمة الدولية من جنوب افريقيا الى السودان