«متبرعون يهود» و«دولة إرهاب»!

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

السويد اعترفت بالدولة الفلسطينية، الخطوة لم تكن عادية، هي جريئة في توقيتها وأبعادها، أحرجت إسرائيل ودولاً كثيرة تؤيد الحق الفلسطيني. في فرنسا، أعلن الرئيس “أولاند” ضرورة قيام دولة والاعتراف بها. وذهب نواب إلى تقديم مشروع في هذا الصدد للتصويت عليه، ويدور نقاش واسع حوله في الإعلام، وكل مراكز القرار السياسي. وإسرائيل تستنفر كل إمكاناتها لمنع اتخاذ مثل هذا القرار نظراً للانعكاسات التي يمكن أن يخلـّفها على مستوى أوروبا، التي تقاطع منتوجات المستوطنات الإسرائيلية، وسبّب ذلك أزمة مع إسرائيل، وأزمة فيها لناحية تراجع وضعها الاقتصادي وإقفال عدد من المؤسسات الكبرى فيها. وفي بريطانيا ذهب حزب “العمـّال” البريطاني إلى موقف مبدئي، يؤيد الاعتراف بدولة فلسطين. هنا كان الرد الإسرائيلي مباشراً وسريعاً. «المتبرعون اليهود» لحزب “العمال” تخلوا عنه! فقيل «إن موقف زعيم الحزب ميليباند يردع المؤيدين، ويرغم الحزب على الذهاب الى نقابات العمال لاستجداء دعمها» ! متبرعون سابقون قالوا: «لا يوجد الكثير من المتبرعين حالياً. هذا أمر مثير للقلق». قيمة التبرعات «اليهودية» تبلغ مئات آلاف الجنيهات الاسترلينية سنوياً. يعني في واقع الحال لا توازي شيئاً من تكاليف عشاء كبير، أو حفل زفاف عربي يقام في أحد الفنادق الفخمة في العاصمة البريطانية .

ويأتي هذا التطور في وقت يصرّ فيه رئيس السلطة الفلسطينية أبومازن على التوجه إلى مجلس الأمن لاتخاذ قرار بإنهاء الاحتلال والتوجه الى المحكمة الجنائية الدولية، لأن المسؤولين الإسرائيليين يستمرون في الاستيطان في القدس والضفة، ويحتلون المزيد من الأراضي، ويفرضون خطوات أحادية على الأرض يريدون تكريسها نهائياً في أي مشروع مقبل، ويهدّدون المسجد الأقصى، ويدخلون إليه ويحرقون محرابه ويعبثون فيه، ويؤكدون إصرارهم على بناء الهيكل مكانه، ويحرقون مسجداً في الضفة، ويعلنون حق المواطنين في قتل الفلسطينيين الذين «يعتدون» عليهم !

إسرائيل في قمة اندفاعتها في وجه الفلسطينيين، وهم يندفعون في وجه بعضهم البعض. اتهامات وصدامات، والعرب والمسلمون غائبون. كأن المسجد الأقصى لم يعد إحـدى القبلتين، وكأن التهويد لم يعد خطراً، وكأن القتل بات أمراً عادياً، والإرهاب الإسرائيلي مبرر لأن الخطر الأكبر هو الإرهاب المتولّد من داخل الإسلام، ليغرق العرب والمسلمون في حروب أهلية في هذا الداخل وفي كل الأماكن! العالم يذهب إلى اتخاذ قرار بانهاء الاحتلال والاعتراف بدولة فلسطين. والعرب بعيدون . «المتبرعون اليهود» يقطعون الدعم عن حزب “العمال” البريطاني لأنه يؤيد الاعتراف بدولة فلسطين، «والمتبرعون العرب والمسلمون» يضخون أموالاً في مجالات أخرى. إما لتمويل «الإرهاب» أو للتناحر والتنافس والتقاتل فيما بينهم شعوباً وأمماً! في وقت يسخر فيه السفير الإسرائيلي في فرنسا من السياسيين الفرنسيين الذين « يتناسون داعش والإرهاب وسوريا ويعتبرون أن الحل هو الاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية». ويذهب مسؤولون إسرائيليون في حكومة نتنياهو إلى القول : «المشكلة ليست مشكلة احتلال وحق فلسطين في دولة. المشكلة هي في الإرهاب الذي يهددنا ويهددكم وبات يهدّد العرب»! ويخاطبون الأوروبيين والأميركيين: «أنتم وضعتم منظمات عربية وإسلامية على لائحة الإرهاب. العرب يحاربونها بكل قوة، يقتلون رموزها، يعتقلون آخرين ويدركون تماماً حجم الخطر الذي يستهدفهم، وأنتم تذهبون في اتجاه آخر، الأولوية هي لمواجهة الإرهاب لا لإقامة دولة يحكمها الإرهابيون! أتريدون دولة إرهاب في قلب المنطقة وفي قلب دولتنا؟ إن هذا لن يحصل»!

هكذا باتت إسرائيل دولة “مسالمة وديموقراطية”، وأصبحت الدولة الفلسطينية المنتظرة، والتي إذا قامت ستكون ضعيفة منزوعة السلاح، أصبحت دولة إرهاب! ولا نجد متبرعاً سياسياً عربياً أو مسلماً يدير هذه المعركة المحقة، ويدافع عمـّا تبقى لنا في فلسطين وأرضنا كلها! ولا نجد متبرعاً عربياً أو مسلماً يقدم مبلغاً ما من المال إلى حزب “العمال” البريطاني، أو غيره تقديراً لمواقفهم في تأييد الدولة الفلسطينية ولإخراج من أمكن من دائرة الابتزاز الإسرائيلي المفتوح والمفضوح!