عشر سنوات على غياب الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات

عشر سنوات على رحيل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات قائد الثورة الفلسطينية، على مدى أربعين عاماً عاش أبو عمار القضية الفلسطينية وعايش همومها وهموم شعبها وثوارها، رافق تقلباتها، وتحولات ظروفها وتأثيراتها على المنطقة والعالم، حمل السلاح بيد وغصن الزيتونة بيد أخرى، جال العالم متحدثا ومدافعا عن قضيته وقضية شعبه المحقة والمقدسة، وكان أول حركة مقاومة شعبية يدخل مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة وخاطب العالم داعيا الإسرائيليين الى السلام.
كان ثائرا بين المقاتلين منذ ربيع 1948 حيث قاتل ضد قوات العصابات الصهيونية بجنوب فلسطين، قبل ان ينضم إلى “جيش الجهاد المقدس” الذي أسسه عبد القادر الحسيني وعين ضابط استخبارات فيه.
أسس مع عدد من الفلسطينيين ومنهم خليل الوزير “أبوجهاد” حركة التحرير الوطني الفلسطيني ” فتح” في الكويت أواخر العام 1957. وأطلق مع رفاق دربه في “فتح” الكفاح المسلح في 31 كانون الأول 1964 في العملية العسكرية الأولى “عملية نفق عيلبون”.
قاد قوات الثورة الفلسطينية في تصديها للقوات الإسرائيلية في معركة الكرامة في الأردن في 21 آذار 1968 ونجا خلالها من محاولة إسرائيلية لاغتياله انتخب في الـمجلس الوطني الفلسطيني الخامس (شباط/ 1969) رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وكان يتم تجديد انتخابه للمنصب في دورات المجلس حتى استشهاده.
نجح أبو عمار بانتزاع مقعداً دائماً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في جامعة الدول العربية، وجلس في الصف الأول على قدم المساواة مع رؤساء وملوك الدول العربية منذ قمة الرباط في كانون الأول 1969، ومنحت المنظمة حق التصويت في القمة، كما شارك في مؤتمر القمة الرابع لحركة عدم الانحياز في 1973 في الجزائر، حيث قرر المؤتمر الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا وحيدا للشعب الفلسطيني وانتخب عرفات نائبا دائما للرئيس في حركة عدم الانحياز.
filemanager
توج النجاحات السياسية للثورة الفلسطينية يوم 13تشرين الثاني 1974 حين ألقى خطابا تاريخيا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال عبارته الشهيرة في ختام الخطاب “جئت حاملا غصن الزيتون في يد، وفي الاخرى بندقية الثائر، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي “.
قاد أبو عمار قوات الثورة الفلسطينية في معركة الصمود ببيروت 1982، متحالفاً مع الحركة الوطنية اللبنانية التي أسسها المعلم الشهيد كمال جنبلاط، والتي ضمت الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية اللبنانية، إلى أن غادر بيروت بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، متوجها الى تونس بعد فشل محاولات اغتياله العديدة من قبل إسرائيل وطيرانها العسكري الغاصب.
قبل ان يسلك أبا عمار طريق المفاوضات مع العدو الإسرائيلي، اثقلته التدخلات العربية بشؤونه وشؤون منظمته، ومواقفها السياسية، فبدت جلسات المجلس الوطني الفلسطيني وكأنها مؤتمر الدول العربية وتناقضاتها، فرفع عام 1977 شعار “القرار الوطني الفلسطيني المستقل”، لا بل تصدى في العام 1983 للانشقاق الذي نفذه عدد من عناصر “فتح” بدعم وتوجيه من النظام السوري، الذي اقفل مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت منذ ان تولت القيادة السورية الوصاية على لبنان.
في 15تشرين الثاني 1988 أعلن استقلال “دولة فلسطين” في خلال الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر، والقى بعدها خطابا أمام الجمعية العامة للامم المتحدة المنعقدة في جنيف بعد أن رفضت واشنطن منحه تأشيرة دخول الى نيويورك، للمشاركة في اعمال الجمعية العامة، حيث أعلن من جنيف قبول المنظمة بالقرار 242، القاضي بتقسيم فلسطين، ونبذ الإرهاب.
خاض غمار المفاوضات الشاقة مع العدو الإسرائيلي التي انتهت مراحلها الأولى بتوقيع اتفاق “أوسلو” للسلام، الذي انهى حالة الحرب بين الفلسطينيين (منظمة التحرير الفلسطينية) والإسرائيليين، وأسس لمرحلة جديدة من الصراع، بعد تشكيل سلطة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وانسحاب إسرائيل من بعض هذه المناطق، إلاَّ أن هذا الاتفاق أسس أيضاً لأزمة فلسطينية حادة افسحت المجال لدول المنطقة والاقليم بالتدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي، ما شكل ذلك ثغرة وفرت للعدو الإسرائيلي حجة التهرب من تنفيذ وعودها.
بعد ست سنوات من هذا الاتفاق الشهير، أدرك عرفات أن المفاوضات التي شملت آلاف الجلسات بين المفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين، لم تثمر عن شيء، وأن إسرائيل لا تريد أن تقدم ما عليها من استحقاقات لحل الملف السياسي، وإعطاء الفلسطينيين حقهم، فرفض في آخر مفاوضات “جادة” في العام 2000، التي سميت بمفاوضات (كامب ديفيد 2) التوقيع على اتفاق سلام مع إسرائيل برعاية أمريكية، لانتقاصه من الحقوق الفلسطينية، خاصة بشأن ملف اللاجئين والقدس والحدود.
عاد الرجل بعدها مكتشفا حجم خداع الراعي الأمريكي، الذي شدد الخناق على الفلسطينيين للقبول بالخطة، ليدعم في وجه ذلك “انتفاضة الأقصى” التي انفجرت في وجه الاحتلال، رفضا لزيارة زعيم حزب الليكود الإسرائيلي آنذاك أرئيل شارون، المسجد الأقصى.
عام الـ 2000 منعت إسرائيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، من الخروج من الضفة، كما منعته من المشاركة في قمة الدول العربية في بيروت عام 2002 والتي أعلن فيها ولي العهد السعودي أنداك “مبادرة السلام العربية”، كما منع النظام السوري الوصي على لبنان في تلك الفترة نقل كلمة أبو عمار مباشرة على الهواء الى القمة العربية، والعالم من مقره المحاصر في المقاطعة برام الله، بعد ان كانت إسرائيل قد حرمته من الخروج والتنقل بين المدن الفلسطينية، وحرمته من الخروج في زيارات خارجية وأنذرته بأن الخروج من الضفة سيحمل تذكرة خروج بدون عودة، وفي إحدى المرات هددت بإبعاده، واقتحمت الدبابات مقر المقاطعة ودمرته بشكل شبه كامل، فطال القصف الغرف الملاصقة لمبنى عرفات، وقتل عدد من حراسه، وذلك في إطار ما سمي بـ «عملية السور الواقي، عام 2002، التي أعادت اسرائيل بموجبها احتلال كل مناطق السلطة. ورغم ذلك لم يخضع لشروطها، فخرج بعد انتهاء العملية من بين أنقاض المقاطعة رافعا إشارة النصر بيديه.
11153282733881216363073681030837
قررت الحكومة الامنية الإسرائيلية المصغرة في اجتماعها يوم 13/9/2003 “ازالته” وأطلقت بعد ذلك جملة من التصريحات والتلميحات حول التخلص منه، (بقتله أو ابعاده أو سجنه وعزله.)
تدهورت حالته الصحية تدهوراً سريعاً يوم الأربعاء 27 تشرين الأول 2004. ووافق بنفسه على قرّار الأطباء بنقله إلى فرنسا للعلاج، في مستشفى بيرسي في كلامار قرب باريس في فرنسا في 29 تشرين الأول 2004 وتزايد الحديث عن احتمال تعرضه للتسمم، ثم تدهورت صحته حتى فارق الحياة في 11 تشرين الثاني 2004.
عشر سنوات على غياب الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات تغيرت فيها ملامح المنطقة التي حفظها عن ظهر قلب، سوريا التي عرفها، وكانت طريقه الأولى الى بيروت من الأردن، تغرق في بحر من الدماء والقتل بفعل نظامها الذي ناصبه العداء، ومخيم اليرموك الذي رفع سكانه أبو عمار بسيارته على الاكف رغم أنف النظام السوري، دمر وهجر منه سكانه، تونس التي هاجر اليها باتت أكثر حرية وانتفاضتها غيرت العالم العربي، لكنها غيبت أيضا فلسطين عن الأولوية.
مصر التي تطوع في جيشها ضابطا هندسيا ضد العدوان الثلاثي، تعيش ازمتها السياسية بعد ثورة شعبية اسقطت نظام ورفعت آخر، غزة المنتفضة ذاقت طعم الانفصال، والعدوان وانتصرت وأصبحت صواريخ مقاوميها تهدد امن إسرائيل، سقطت اسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر في عدوان 2006 حيث انتصر لبنان بمقاومته وشعبه.
عشر سنوات كسبت فيها فلسطين جولات سياسية في الأمم المتحدة وكسبت في الجمعية العامة مقعد دولة، لكن إسرائيل ازدادت غطرسة وتطرفا، وباتت المستوطنات تتكاثر كالفطر في الماء الضحل، ومشاريع تهويد القدس تسلك طريقها امام اعين العالم، ومبررات اعلان إسرائيل “دولة يهودية” باتت تستكمل رويدا رويدا، وثمن ذلك قد يتطلب تهجير العرب فلسطينيين في مناطق الـ 48، وهذا ما تستعد لع إسرائيل بحملة منتظمة المسارات، أسوة بأخوتهم العرب الهاربين من حرب الاخوة وسطوة الأنظمة وتعصب الدين.
أبا عمار القضية التي ناضلت من اجلها في خطر فالانقسام الداخلي بلغ ذروته، والسلطة التي بنيتها وأصبحت دولة تعيش ازمة مصالحة وطنية لم يعد هناك من يحمل السلاح بيد وغصن الزيتون بيد أخرى بات كل واحد يحمل ما يشاء إما زيتونة تذبل أغصانها، أو سلاح باعه للخارج.
فوزي ابوذياب