وشهد شهود من أهلهم

غازي العريضي (الاتحاد الاماراتية)

منذ إعلان تشكيل التحالف الدولي بقيادة واشنطن لمواجهة تنظيم «داعش» في العراق والشام والأسئلة تتوالى حول جديته وفاعليته ونتائجه. ومنذ بدء الغارات وفي تقييم لنتائجها حتى الآن تبين أن لا شيء فعلياً قد تحقق وأن الشكوك الكثيرة تطرح في أكثر من دائرة ومركز قرار حول الأهداف والنوايا الأميركية وصولاً الى تنامي الدعوات الى عدم المشاركة في هذا التحالف. ومن الأسئلة التي طرحت: هل سيلجم عمل التحالف توافد «المجاهدين» القادمين من الخارج الى كل من سوريا والعراق؟ ومن أين يدخل هؤلاء ما دامت الأجواء مراقبة والحدود مراقبة؟ إلا إذا كانت تركيا تتحدى العالم كله والأطلسي خصوصاً وتسمح للمقاتلين باستمرار تجاوزهم لحدودها والدخول الى المناطق التي يتواجد فيها التنظيم المستهدف؟

صحيفة «واشنطن بوست» نقلت عن مسؤولين أميركيين في الاستخبارات قولهم، إن عمليات القصف التي تقوم بها القوات الأميركية وحلفاؤها ضد الجهاديين في سوريا والعراق لا تردع الأجانب من الذهاب إلى هناك من أجل القتال وإن تدفق المقاتلين الذين يتوجهون الى سوريا ما زال ثابتاً لذلك عددهم في ارتفاع. قال أحد هؤلاء المسؤولين وتؤكد الاستخبارات الأميركية إن أكثر من 16 ألف مقاتل أجنبي موجودون في الوقت الراهن في سوريا. أما الأمم المتحدة فقد أفادت تقاريرها أن نحو 15 ألف أجنبي من 80 بلداً توجهوا إلى سوريا والعراق خلال السنوات الماضية للقتال في صفوف تنظيمات مثل «داعش». وقال مسؤولون أميركيون آخرون إن المقاتلين الأجانب يواصلون التوجه الى سوريا بمعدل ألف شخص شهرياً، وهو رقم قياسي يتجاوز عدد الذين يتوجهون إلى اليمن وأفغانستان والصومال، رغم الضربات الجوية التي تقوم بها القوات الأميركية. وهذا يعني أن الحملة الأميركية لم تؤد الغرض المطلوب حتى الآن ولن تصل إلى النتائج المرجوة والأهداف المعلنة بل أكثر من ذلك تستمر الساحة السورية في كونها ساحة جذب واستقطاب لآلاف المجاهدين مما يعني أنه مع استمرار الصراع وطول أمده سنكون أمام سنوات من الحروب المفتوحة وفي مواجهة آلاف من المقاتلين الجدد سيصلون إلى ساحات الحروب هذه.
وفي العراق يستمر تشكيك زعماء العشائر بدور التحالف وأهدافه ويحملون على الحكومة العراقية الجديدة، وبعد مجزرة «الهيت» ارتكبت مجازر بحق أبناء عشيرة آل «بونمر» علت الصرخات، وكانت انتقادات للحكومة وللتحالف وقيادته.

يعني ما فعلته الحكومة العراقية هو نفسه ما فعلته الإدارة الأميركية في سوريا. منذ بداية الحرب انكفؤوا عن دعم المعارضة ثم ذهبوا يتذرعون بالخوف من وقوع السلاح بين أيدي المتطرفين حتى وصلنا إلى المرحلة التي لا ترى فيها إلا هؤلاء المتطرفين حسب التوصيف الأميركي يسيطرون على معظم الأراضي السورية. هكذا في العراق، لا الحكومة تبادر ولا أميركا تبادر، أو هي تتذرع بموقف الحكومة فيِترك الناس عرضـة للاستهداف من قبل «المتطرفين»، الذين رُكّب التحالف كله على أساس ضرورة «استئصالهم»!

شخصياً كنت منذ اللحظة الأولى ضد التحالف ليس لأنني مع سيطرة «المتطرفين» هنا أو هناك أو مؤيد لممارساتهم، لكن لا ثقة في الأساس بالسياسة الأميركية، وبالتالي كنت أتوقع النتائج التي نراها اليوم، ودعوت إلى التمهّل في المشاركة في التحالف حتى الاطمئنان من نقطة البداية إلى نقطة النهاية كيف ستسير الأمور ولمصلحة من، ونحن نريدها لمصلحتنا بالتأكيد. اليوم لا أريد أن أجدد رأيي والتقدير الذي تؤكده الوقائع، بل أتوقف عند الرسالة التي أرسلها وزير الدفاع الأميركي «تشاك هاغل» إلى رئيسه أوباما وقال: إن الولايات المتحدة الأميركية والتحالف الدولي العربي يقصفان يومياً المتطرفين السنة في العراق وسوريا دعماً للحكومة العراقية وتأمين مجمل الشرق الأوسط. في الواقع الأسد قد يستفيد من هذه الحملة الجوية، وأضاف: علينا أن نتحرك من خلال وقائع ما نواجهه مع بعض الخطط الاستراتيجية والأهداف الطويلة الأمد لإمكان تحقيق ما نفكر في الوصول اليه. في المقابل اعتبر الناطق باسم البيت الأبيض «جوش أرنست» أن الاستراتيجية الأميركية ضد «داعش» في سوريا والعراق تسير بنجاح! سياستنا تجاه الأسد واضحة فعلاً نعتقد أنه لا يملك شرعية ليقود، وهدفنا هو ضمان ألا يكون لـ«داعش» ملاذ آمن في سوريا!

إلا أن خبراء عسكريين أيدوا ما ذكره مسؤولو المخابرات الأميركية من أن «غارات الائتلاف الدولي شجعت توجـّه المجاهدين الى سوريا والعراق عوض أن تكبحه»! لقد شهد شهود من أهلهم. فماذا ننتظر بعد؟ ألم نتعلم – إذا أردنا أن نتعلم – من تجربة العراق؟ وتبقى اسرائيل المستفيد الأكبر مما يجري في المنطقة.