د. ناصر زيدان: عن تطور العلم الإداري وأخلاقياته

بقلم د. قصي الحسين

لأن الإدارة الحديثة، ترتكز عادة على العلم والتقانة، فإن اقتصار بعض رؤساء الإدارة على التفتيش عن الحلول السحرية السريعة، لمما يحولها إلى “كابوس بيروقراطي لا يثمر”، كما يقول روبرت ووترمان في كتابه الذائع: براعة الإدارة في الشركات الأميركية (ص 3). ولهذا ربما وجد الدكتور ناصر زيدان، أن علم الإدارة، بخلاف ذلك إنما يحتاج إلى العمل المتواصل القائم على القواعد، تماماً كما يحتاج إلى جهود حثيثة لأجل الوقوف على قواعد الإدارة الأكثر دقة، والتي حققت نجاحها من خلال التجارب، مما هيأ لها أسباب الفوز والوصول إلى النتائج المرجوة(**).

وجد د. زيدان أن العلم الإداري قد تطور كثيراً في مطلع الألفية الثالثة. بسبب ما عرفته المؤسسات من زيادة في حجم مهماتها، وكذلك في اتساع دورها والابتكارات الّتي استجدت في أساليب العمل. وكتابه الّذي وضعه مؤخراً: مهارات القيادة الإدارية وأخلاقيات الأعمال، إنما يناقش فيه أولاً: المهارات الإدارية. وتالياً أخلاقيات الأعمال. وقد أعلن في مقدمته مسبقاً، إن أهم ما يحتاجه العمل الإداري، إنما هو “الإبداع ومواكبة التطور وابتكار الجديد في أساليب التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة” (ص 7).

ويتوقف الباحث في متن كتابه ليناقش فكرة القيادة الإدارية، فيراها ترتبط بوحدة تنظيمية. ومن مجموع هذه الوحدات الإدارية، يتكون القطاع العام أو القطع الخاص. ويلاحظ أن المهارات الفردية هي الّتي تساهم في تطوير العمل وحسن التخطيط له (ص 13). ومهارة وضع الأهداف، هي من صلب عمل القيادة الإدارية، لأنه عمل اسشترافي، يحدد الحالة الّتي يرجوها برؤية مستقبلية. ولهذا فإن وجود الهدف، ضرورة أساسية عند زيدان لأجل تحقيق النجاح في العمل الإداري. وكذلك الضوابط والمعايير المطلوبة، إن لجهة توافر المشروعية، أو لجهة توافر الملاءمة والمرونة والوضوح وإمكانية القياس معاً على حدّ سواء (ص 21).

وفي مهارة إنشاء فريق العمل وحسن إدارته، يقول إن الفريق يشمل القائد وأفراد مسؤولين ومتخصصين في نوعية الأعمال المطلوبة من فريق العمل. ولهذا، فمن الأفضل تشكيل فريق العمل من خبرات موجودة قبل اللجوء إلى ملاكات جديدة.

ومرحلة بناء فريق، تطرح أسئلة كثيرة، عن أسباب استخدام فريق العمل، وعن شروط انشائه، وعن العناصر المؤثرة في بنائه. وكذلك الأمر، عن مواصفات قائد الفريق والأسباب الّتي دعت إلى اختيار أعضائه، وعن شروط نجاح فريق العمل ومراحل بنائه ومزاياه أو عيوبه. والأجدر عدم الإفراط في مديح فريق العمل وأفراده، حتى لا تمنح الثقة لغير مستحقيها (ص 30).

ومهارة الاتصال لدى الفريق الإداري، يجب أن تتأسس بنظر الباحث، على تحديد معنى التواصل الإداري وعناصره وأنواعه وسبله، وتحديد شروط بخاصة مسبقاً، وحسبان معوقاته أيضاً. ذلك أن أهمية الاتصال، غدت بالنسبة لأية وحدة إدارية، أن يكون لها إدارة خاصة للاتصالات وذلك لخلق مناخ مناسب للاتصال الفعال وتوفير الأرضية الصالحة له. ولا يتحقق ذلك إلا من خلال معرفة جميع العاملين بجميع أهداف المؤسسة وبرامجها وأنشطتها” (ص 38)

ويرى زيدان أن نجاح العمل الإداري، يتوقف أيضاً على مهارة حل المشكلات، وهذا بدوره يتوقف على التبصر المسبق بحجم المشكلة، لئلا نضعها خارج نطاقها أو نقدم التحليل السيئ أو استخدام حل واحد. كذلك يقول الباحث بمهارة إدارة الوقت. فهناك وقت مخصص للعمل والانتاج، وآخر مخصص للحياة الخاصة. وعدم تنظيم الوقت والخلل في إدارته يؤدي إلى الارباك والفوضى والنتائج السيئة. ويقول الباحث أيضاً بضرورة المهارة في إدارة التغيير. فهناك التغيير العادي داخل المؤسسة وهناك التغيير الاستراتيجي (ص 5). كذلك يقول بمهارة التفاوض لأن التعاون والتشارك والتكافل بحسب رأيه، هي مفاهيم تقتضي درجة عالية من التفاوض. وهو يتحدث عن المهارات المطلوبة عند التفاوض، وكذلك عن مراحل التفاوض نفسها وعن المشكلات المتصلة بها. إذ برأيه أن عملية التفاوض تحتاج إلى دقة بالغة لجهة اختيار الوقت المناسب ولجهة التعرف على أسلوب الطرف الآخر (ص 63).

أما بالنسبة لبحثه في أخلاقيات الأعمال، فزيدان ينطلق من تطور مفهومها ومن أهمية دراستها إذ وجد أن للأخلاقيات سياقاً طويلاً رافق المسيرة البشريَّة من بداياتها الأولى، ولو أنها كانت تتغير وتتبدل في الحقبات الّتي كانت تتوالى. ويحدد الباحث مفهومه لأخلاقيات الأعمال، فيجدها سمة إنسانية عامة. وهي تختلف من ثقافة إلى أخرى. وأخلاقيات الأعمال بنظره مبادئ وموجبات خاصة بالعمل. وهي في المهن ترتكز على الانضباط، وتنطلق من القوانين والآداب والتربية. أما أخلاق الشركات والأفراد فهي مسألة جوهرية ومؤثرة بشكل كبير على عملها. فسمعة الشخص تنعكس حكماً على عمله، أو على عمل الإدارة الّتي ينتسب إليها (ص 69).

وتناول الباحث “فلسفة الأخلاقيات”، فوجدها تقوم على مجموعة من المبادئ والقيم والقواعد الّتي تنظم السلوك الإنساني. وقد تحدث عن ثقافة الأخلاقيات مطولاً، فوجدها تختلف باختلاف الشعوب. أما لدى بعض الشركات، فهي تشكل ثروة عظيمة تتمثل في الصدق والاستقامة وعدم الغش. كذلك تحدث عن القيم المشتركة بين الشركات وعن اتصالها بعلم المجتمع وعلم الاقتصاد وقواعد القانون، مما يجعل لأخلاق الإدارة جذوراً قوية في القانون الوضعي وفي العواطف الإنسانية وفي الأعراف والتقاليد.

ويقدم الباحث مناقشة عميقة للأخلاق وإدارة الأعمال، بحيث نراه يتحدث عن تأثير الأخلاق في إدارة الأعمال، وعن البيئة الأخلاقية في العمل، وعن أهمية الأخلاقيات في التماسك الإداري. وهو ينتهي للقول بالأخلاق وفن الحكم، حيث الثقة بالنفس والشجاعة والعلم والمتابعة والرأفة والعطف. وبخلاف من يرى أن على الحاكم أن يكون ماكراً، ومخادعاً ليتمكن من إدارة الدولة، فإن زيدان يؤكد على خطأ هذه النظرية لأن السياسة من أشرف المهن، وهي كذلك تتعلق بقيادة الرجال (ص 110).

ويرى زيدان أن الأعمال المتخصصة تتصف بأخلاقيات دقيقة لأنها تتعلق بإدارة الموارد البشريَّة الّتي تقوم أصلاً على احترام المعايير الأخلاقية. وكذلك هي تتعلق بأخلاقيات التسويق وبالعمليات المالية وفي العمل الاجتماعي وفي ممارسة الوظيفة العامة وفي أعمال الوساطة. وبسبب من ذلك كله يجب أن تنطلق الأخلاق من قناعة ثابتة لإحقاق الحق والتمسك بالموقف مهما كان ذلك شديداً على المؤسسة (ص 130).

وأما البحث الأخير في كتاب زيدان فقد تحدث فيه عن الأخلاق في المواطنة، حيث نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حق كل فرد في الجنسية وفي أن يكون جزءاً من نظام اجتماعي (وطن) (ص 131). والمواطنة عنده ليست شعاراً يتغنى به بل ممارسة مسؤولة، وغيابها يلحق الضرر بالمؤسسة. وهي ليست حكراً على الأفراد بل تمتد إلى المؤسسات. وبرأيه أن المواطنة الصالحة والمسؤولة إنما تستند إلى احترام القوانين والأنظمة في الدولة وإلى الاعتراف بالآخر وبثقافة التنوع والأخذ بالولاء الوطني والابتعاد عن الغش واحترام المفاهيم الدولية والارتقاء بالإنسان من مرتبة الفرد إلى مرتبة المواطن، وبرأيه أن مقاييس الالتزام الوطني إنما تعتمد على مدى احترام المواطن لشركائه ومدى تطبيقه للقوانين ومدى مساهمته في حفظ مصالح الدولة (ص 136).


* – أستاذ في الجامعة اللبنانية

** – د. نصر زيدان: مهارات القيادة الإدارية وأخلاقيات الأعمال، الدار العربية للعلوم. ناشرون. بيروت 2014 (140 صفحة تقريباً).