الزعامة الاشتراكية والإمامة وجبهة النصرة

د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

العواصف السياسية والامنية التي تضرب لبنان منذ فترة، تحمل معها رياح فيها غُبارٌ من النوع الناعم الذي قد يتسلل الى الاماكن المُغلقة. وقد طال الهياج المُضطرب زوايا تُشكِّل ركائز اساسية من اعمدة الوطن.

ما كُشف عن مُخطط ارهابي كان يهدف لزعزعة الاستقرار في طرابلس والشمال، ترافق مع مجموعة من الحملات الاعلامية، والاعلانية، تستهدف تشويه العيش المُشترك بين اللبنانيين، وبث عناصر الخلاف، وايقاد جمر الفتنة النائمة، بوسائل متنوعة، ومُتعددة، منها يستهدف تشويه صورة الاديان، ومنها ما يدعوا الى التفرقة ضمن الدين الواحد، والهدف دائماً تحقيق اغراض فئوية، او شخصية، ليس لها علاقة بجوهر التعاليم السماوية الراقية.

بعض مندرجات الهياج المُتفلِّت على شبكات التواصل الاجتماعي الالكترونية، يطال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط، على خلفية مواقفه الاخيرة، لا سيما منها التي تطال التأكيد على مكانة الدروز المُتقدمة في الصفوف الاسلامية، والعودة الى ممارسة الطقوس الحنيفة التي اوصى بها الامير السيد عبدالله التنوخي، الخطيب المُتميِّز في الجامع الاموي في دمشق، واحد اهم المرجعيات عند الدروز في القرن الخامس عشر، وجزء من الحملة كان على خلفية إعلان جنبلاط: ” ان افراد جبهة النصرة مواطنون سوريون يجب ان نعتاد على وضعيتهم الجديدة”.

من معالم الحملة التي استهدفت جنبلاط توزيع بيانات سرية مكتوبة، يقف وراءها قِلة من المُتعصبين الدروز، الذين ترسخت في اذهانهم رواسب تركها الاستعمار الغربي لبلادنا، لاسيما سياسة التفرقة التي انتهجها هذا الاستعمار في صفوف المواطنيين، على خلفياتٍ دينية او عرقية او مذهبية، مُغيباً الفكرة القومية العربية الجامعة الى الحدود البعيدة.

ومن شكليات الحملة على السياسة الجنبلاطية التي اكدت على التضامن والحوار بين الفرق الاسلامية – خصوصاً بين الموحدون الدروز واخوانهم اهل السُّنة والجماعة– كان تركيب رسوم وصور فيها استجماع لملامح شخصية تحمل تناقضات، وفيها دمج غريب وعجيب لمفاهيم مُختلفة، ولا يمتُّ لإحداها اية صلةٍ بالأُخرى، وقد كُتِبَ تحت احد الصور المُركبة لجنبلاط – والتي يبدو فيها مُلتحياً كمشايخ الدروز الكبار، ومُعتمراً الجبَّة الازهرية، وخلفه علم جبهة النصرة – عبارة – قبل اسمه وبعده – يستخدمُها غالباً المُسلمون الشيعة وهي: ” الامام السيد وليد بيك قدَّس الله سِرهُ “.

مصادر مُقرَّبة من الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط ترى في حملة التشويش، او ( التشويه ) خلفيات لا تنمُّ عن نوايا صادقة، بل العكس، انها تحمل غرضية فئوية لها اهدافها التي تتماشى مع اهداف الذين يحاولون بشتى السُبل توسيع دائرة الحريق في المنطقة، لاسيما ادخال الساحة اللبنانية – اكثر مما هو عليه الحال اليوم – في دائرة التوتر الطائفي والمذهبي.

وترى هذه المصادر ان الصورة المُركبةوالموزَّعة عن جنبلاط، والتي انتشرت على مواقع الكترونية متعددة، تحمل جُملة من التناقضات، كما يُمكن رؤية وجهها الآخر بموضوعية، وربما تنفع في جمع ما تُفرقه حالة الشرذمة في الساحة الاسلامية.

اولاً: ليس سراً ان جنبلاط مُتحمِّس الى ابعد الحدود لجمع مشهد الفرق الاسلامية في صورةٍ واحدة، وبالتالي فإن جمع لحية الموحدون المسلمون الدروز مع عمامة الجماعة (الازهرية) مع كلمة “الامام السيد” التي يَستحسِن استخدامُها اتباع الامام علي قدس الله سرهُ، مع شعار الشهادتين، ولو كاريكاتورياً على صورة جنبلاط، أُمنيةً له – على ما يؤكد هو شخصياً في تصريحاته- في هذا الزمن الصعب، الذي يُهدد وحدة الأُمة برُمتها، من جراء العواصف العاتية التي تهبُّ من العراق وسوريا.

ثانيا: ان وضع علم الشهادتين خلف صورة جنبلاط، وهو الشعار الذي تستخدمه جبهة النصرة في سوريا، هو غمزٌ واضح من قناة الموقف الذي اتخذه جنبلاط اتجاه جبهة النصرة، حيث اعلن انها ليست منظمة ارهابية، علماً ان جنبلاط دان بإستمرار كل الاعمال العسكرية التي قامت بها النصرة، لاسيما منها التي استهدفت الجيش اللبناني في عرسال، ولكن الحفاظ على الاستقرار اللبناني، وتحييد البلاد عن الحريق السوري، كذلك الحفاظ على حياة العسكريين المُختطفين لدى داعش والنصرة، تستوجِب تقديم بعض التنازلات، وتغليب لغة الحوار، واعتماد الواقعية، بعيداً عن الشعبوية وعن التعصُّب المذهبي او السياسي.

ثالثاً: لا يخجل جنبلاط في دعوة الموحدين المُسلمين الدروز بالتمسُّك اكثر من اي وقتٍ مضى بالاسلام الحنيف، اقتداءً بالسلف الصالح، لاسيما الامير السيد عبد الله التنوخي الذي قال: “احفظوا القرآن ولو تركتم شيءً من الحِكمة”. والنائب جنبلاط اوضح موقفه جلياً، وفسَّرَ امام اعضاء المجلس المذهبي للطائفة في اجتماعه الذي انعقد برئاسة شيخ العقل نعيم حسن في بيروت مؤخراً، مقاصد عباراته التي قالها في بلدة عين عطا في منطقة راشيا. وقد اثنى على انشاء كلية التعليم الديني في عبية التي تعتمد سيرة الامير السيد نبراساً لها.

واضح ان التشويش على جنبلاط استناداً الى مواقفهِ الاخيرة، لها اهدافها الفئوية الخاصة، وليس سراً ان النظام في سوريا يعمل جاهداً لإغراق الدروز في حربه مع المعارضة. واسرائيل حاولت في الماضي، وما زالت تُحاول استغلال بعض ضعفاء النفوس من ابناء الطائفة، لإحداث شرخ مع ابناء أُمتهم من المُسلمين الآخرين، ولكن لا الاسد، ولا اسرائيل سينجحان، لأن الاغلبية الساحقة من الدروز اعلنت جهاراً رفض كل تلك الخطط.

اقرأ أيضاً بقلم د.ناصر زيدان (الأنباء الكويتية)

الشراكة السياسية المهددة

عن لبنان النظيف

زيارة الحريري الى واشنطن.. ما لها وما عليها

جنبلاط في الفاتيكان: المرحلة ليست عادية

مواد مُتفلِّتة في الدستور اللبناني تُربك عمل المؤسسات

قرار رئاسي دستوري، ولكنه مُخيف

بعض ما لم يُقل عن لقاء المختارة

النسبية وبرنامج الحركة الوطنية

عون وجنبلاط والتفهُّم والتفاهُم

اولى قرارات الحكومة لا تشبه البيان الوزراي

حزب الله والواقعية السياسية

لبنان والرياح التأسيسية واللقآت النادرة

مُشكلة السجون اللبنانية وابعادها الامنية والسياسية

لبنان أمام مرحلة من الاختناق السياسي والإقتصادي

محاكمة سماحة: خبرٌ عادي لإعترافات غير عادية

نيسان 1975 ونيسان 2015!

عن الصحافة اللبنانية ونقابتها

حول المؤتمر الـ 13 لحركة أمل

تسريبات غير صحيحة حول الملف الرئاسي

لبنان لا يتحمَّل تجاذبات حول الملفات العسكرية