إسرائيل والتفرقة العنصرية

ينتقد روغل ألفر بشدة أغلبية الجمهور الاسرائيلي، ولا سيما ذاك الذي ينتمي لـ «معسكر السلام» لكونه، برأيه، يكبت الواقع السياسي الجديد («دحر الحاضر»، «هآرتس»، 3/10). وينبع أساس انتقاده من أن برأيه الواقع الذي نشأ على الارض بين البحر والنهر لا مرد له وبالتالي فان السيناريو المحتم هو أن تصبح اسرائيل في السنوات القريبة القادمة دولة أبرتهايد ثنائية القومية، وتنهار هذه في نهاية المطاف من داخلها. وتنبغي الاشارة الى أن هذا السيناريو هو تحديث متشائم لما قاله ميرون بنبنستي، انه منذ الثمانينيات نشأ في مناطق الضفة واقع لا مرد له من ناحية وجود السكان المدنيين الاسرائيليين هناك. واذا احتاج أحد ما لبرهان بان الاتجاه هو الابرتهايد، فان قرار الحكومة الاخير، الفصل بين الفلسطينيين واليهود في المواصلات العامة من والى الضفة يوفره.

ولكن هذا التحليل لا يأخذ بالحسبان عاملا مركزيا آخر، وهو المشاعر العميقة المناهضة للعرب المنغرسة في اجزاء واسعة من المجتمع الاسرائيلي. فالمجتمع الاسرائيلي اليهودي هو مجتمع مهاجرين شاب، والمشاعر المناهضة للعرب هي العامل المركزي الذي يرص صفوفه حتى اليوم.

ولمثل هذا المجتمع الذي يعد القاسم المشترك الاولي بين اعضائه هزيلا وطفيفا، من الاسهل بكثير ان يعرف نفسه بنفسه كنقيض للجماعة الوليدة، التي يوجد معها في خصام مستمر. هذا هو السبب في أن المجتمع اليهودي في اسرائيل لا ينجح في الوصول الى توافق حول تعريف ايجابي لمفهوم «اليهودي»، وان كان واضحا لكل اعضائه بانهم «بالطبع» ليسوا عربا. ومن هنا ايضا نشأت الحاجة الى اختراع مفهوم «الشرقيين» الذي يتعاطى بشكل جارف مع كل الطوائف اليهودية التي كانت تعيش تحت حكم اسلامي، سواء في العراق أم في أطراف المغرب.

لقد اقيم المشروع الاستيطاني منذ بدايته على مبدئين: الاول، الاستيطان اليهودي في المناطق التي احتلت في العام 1967. والمبدأ الثاني هو الحرص على الفصل المادي، السياسي، القانوني والاقتصادي بين السكان المسيطرين واولئك المسيطر عليهم. وبين هذين المبدأين يوجد توتر بنيوي، تؤجل اسرائيل التصدي له من خلال تعريف الوضع كـ «مؤقت». وبينما مبدأ الفصل بين السكان، الاخذ في التطور مع السنين، تجذر عميقا في المجتمع الاسرائيلي بسبب حقيقة أنه استمرار (وان كان الاعنف والاكثر فظاظة) لواقع السلب والاقصاء الذي تقوم عليه اسرائيل كدولة منذ قيامها، فان الرؤيا الاستيطانية تتخلف وراءه في كل ما يتعلق بـ «استيطان القلوب». حقيقة هي انه بعد 47 سنة من الجهود الجبارة من كل الحكومات لاسكان اليهود في المناطق، فان أقل من 10 في المئة من السكان اليهود في اسرائيل يعيشون خلف الخط الاخضر، بما في ذلك في شرقي القدس.

والسبب في ذلك هو ان أغلبية الجمهور الاسرائيلي بقيت شكاكة في المنطق الذي في اساس المشروع الاستيطاني، الذي يهدد السيطرة الديمغرافية اليهودية داخل اسرائيل؛ السيطرة التي تحققت بقدر كبير كنتيجة لطرد وهرب الفلسطينيين في حرب العام 1948، ومنع عودتهم في السنوات ما بعد ذلك. وفي احداث الصيف الاخير، كانت فرصة للملاحظة بان مركز تجربة اليمين الاهوج والعنيف (الذي يزدهر ضمن امور اخرى على خلفية الضائقة والاهمال ايضا) هو العنصرية والقومية المتطرفة الفظتين، وليس مفاهيم مثل تقديس الارض والاستيطان.

لا خلاف في أنه كان للكنيست، التي توجد فيها اغلبية يمينية متماسكة على مدى معظم السنين منذ العام 1977، والتي يتطرف فقط اكثر فأكثر موقفها من السكان الفلسطينيين على جانبي الخط الاخضر، كان لها الاف الفرص لضم كل المناطق التي احتلت في 1967. ومع ذلك، حتى اليوم لم يتم الضم الرسمي الا لاجزاء صغيرة نسبيا من الضفة الى شرقي القدس وكذا هضبة الجولان، حيث كان الاعتبار الديمغرافي هامشيا، بسبب حجم وهوية السكان العرب (الدروز في معظمهم) ممن تبقوا هناك بعد الحرب.

هكذا بحيث أنه رغم التكثيف الهائل وغير المنقطع للمشروع الاستيطاني في العقود الاخيرة، من غير المتوقع لاسرائيل أن تضم بشكل رسمي الضفة الغربية او حتى اجزاء منها. وذلك لشدة المفارقة، بالذات بسبب العنصرية والقومية المتطرفة للجمهور الاسرائيلي الذي رغم تطرفه، ليس غير مبال بالتعلق المطلق لاسرائيل بالدول الغربية. وهذه الدول مستعدة حاليا لان تبتلع أبرتهايد «مؤقت» ولكنها من شبه المؤكد لن توافق على ابتلاع أبرتهايد «مؤطر».

ان اعلانات بينيت بوجوب ضم مناطق ج، يجب ان نقرأها مثل اعلانات نتنياهو الشاب المتزلفة للجمهور في التسعينيات في أنه يجب الغاء اتفاقات اوسلو، واعلانات افيغدور ليبرمان عن أنه يجب قصف سد أسوان اذا ما دخل الجيش المصري الى سيناء. والسيناريو المعقول هو أن الوضع الراهن المعروف اليوم سيتحطم آجلا أم عاجلا، واسرائيل ستضطر الى الانسحاب من اجزاء واسعة من الضفة الغربية.

ولكن رياح الابرتهايد لن تذهب الى اي مكان: فهي ستغير الشكل وستوجه ضد الفلسطينيين مواطني اسرائيل، الذين سيكونون مطالبين بدفع ثمن فشل تهويد الضفة، والنزاع النازف مع المحيط العربي سيستمر. وستواصل اسرائيل على ما يبدو لعدد غير قليل من السنين لتبقى دولة ليس بهجة كبيرة العيش فيها كيهودي. ولكن أقل لطفا بكثير سيكون الحال العيش فيها كعربي.

————————————-

(*) درور أتكس / هآرتس 

نقلا عن القدس العربي